عاد الوفد الشبابي المغربي من جنوب إفريقيا بعد أن طرد أعضائه من أكبر مهرجان للشباب والطلبة على المستوى العالمي. وقالت صحيفة "العلم" الناطقة باسم حزب "الاستقلال" الذي ترأست شبيبته الوفد، إن الوفد استقبل لدى وصوله لمطار محمد الخامس بالزغاريد والشعارات الوطنية، وقالت الجريدة إن أحد قادة الحزب الذي كان في استقبال الوفد هنأه على "ما حققه من نتائج جد مهمة تسجل في بطولات الوطنيين المدافعين عن الوحدة الوطنية وعن المقدسات". معربا عن "امتنان المغاربة جميعا لما حققه الشباب المغربي ببريتوريا". أما صحيفة "الإتحاد الاشتراكي" التي كان أعضاء الوفد الشبابي المنتمي للحزب الناطقة باسمه، ممثلا بأكبر عدد من الأعضاء بعد حزب "الاستقلال"، فقد وصفت الاستقبال الذي خصت به إدارة المطار الوفد ب"الشعبي". وكان منتظرا أن تعقد صباح يوم الثلاثاء ندوة صحفية لأعضاء هذا الوفد ليبشروا الرأي العام المحلي ب"الانتصار الباهر" الذي حققوه للقضية الوطنية في جنوب إفريقيا... لكن الحقيقة غير ذلك، فأداء الوفد كان ضعيفا، ونتائجه تجلت في قرار طرده من فعاليات المهرجان الشبابي العالمي. اللهم إلا إذا كان الهدف المبيت من مشاركة الوفد المغربي في ذلك المهرجان هو دفع الجهات المنظمة إلى طرد شباب المغرب من تظاهرتهم ليقدموا أنفسهم كضحايا يستحقون التعاطف. وربما قد تكون هذه جزء من الحقيقة التي لم يكشف عنها بعد، فقبل سفرهم إلى بريتوريا أعلنت "قيادة" الوفد الشبابي أنها مستعدة للمواجهة مع خصوم الوحدة الترابية، وعندما وقع النزال وقع ما وقع وتم طرد الوفد المغربي والبقية تعرفونها... ماحدث مع الوفد الشبابي المغربي لا يجب أن يغطى بالشعارات الرنانة ولا بالمزايدات في الوطنية، ويجب تسمية الأشياء بمسمياتها، فما وقع هو "نكسة" للحضور الشبابي المغربي في أكبر تجمع عالمي للشباب. ومن يتحمل مسؤولية هذه "النكسة" هم القيادات الشبابية الحزبية ومن ورائها القيادات الحزبية التي اختارت تركيبة الوفد الشبابي الذي كان ممثلا في أغلب أعضائه من "موظفين" حزبيين وموظفين في دواوين الوزراء وأشخاص لاعلاقة لهم بالشباب لا من الناحية التنظيمية أو حتى البيولوجية بما أنهم تجاوزوا مرحلة الشباب... لقد شارك في المهرجان العالمي للشباب ممثلو شباب 140 دولة، من بينهم العديد من الدول التي لها عداء وخصومات تاريخية مع دول أخرى وشباب دول متحاربة فيما بينها، ومع ذلك لم نسمع أن شباب تلك الدول تشابكوا فيما بينهم بالأيدي والعصي والهراوات، أو طردوا من ذلك التجمع الشبابي العالمي، لأن الغلبة في مثل تلك اللقاءات تكون للحوار المنفتح على وجهة نظر الآخر، وللنقاش الحر الذي يعتمد قوة الجحة والقدرة على الإقناع خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية عادلة... ما وقع للوفد الشبابي المغربي في بريتوريا هو تكرار لتجارب الفشل التي عاشتها الدبلوماسية المغربية في عواصم القارة السمراء في ثمانينات القرن الماضي عندما كان امحمد بوستة، وزير الخارجية السابق ينتفض ويغادر قاعات المؤتمرات غاضبا ويترك الكرسي و الساحة فارغين للخصم، حتى انتهى الأمر بانسحاب المغرب من أكبر تنظيم إفريقي، وقد وعى اليوم شباب الأحزاب العائدين من بريتوريا مدى فداحة ذلك القرار الذي مازالت تداعياته تؤثر على الحضور المغربي في كل اللقاءات التي تحتضنها دول القارة السمراء التي لا تصطف إلى جانب الطرح المغربي في قضية الصحراء. "حادثة السير" التي وقعت في جنوب إفريقيا، يجب أن تعتبر درسا لإعادة النظر فيما يسمى ب"الدبلوماسية الموازية" التي تحولت إلى "دبلوماسية سياحية"، يركبها الكثيرون لتحقيق أغراض شخصية، سواء تعلق الأمر ببرلمانيين أو بتنظيمات حزبية أو نقابية أو بهيئات مدنية أو بأشخاص عاديين حولتهم السلطة إلى "موظفين سياحيين" تتكرر مشاهدة وجوههم على الشاشة الصغيرة وهم يجوبون عواصم العالم من جنيف إلى واشنطن ونيويورك ومدريد وباريس وبروكسيل... والنتيجة رأيناها في قرارات البرلمان الأوروبي والبرلمان الإسباني... وعندما وقعت الواقعة عاد رئيس الدبلوماسية الحكومية الطيب الفاسي الفهري إلى تبادل الاتهامات مع أصحاب الدبلوماسية البرلمانية حول من يتحمل المسؤولية في ماجرى... واليوم يحاول "شباب" الأحزاب وصحف هذه الأحزاب أن يقدموا لنا طردهم من بريتوريا على انه انتصار كبير كالانتصارات التي كانت تبشرنا بها الدبلوماسية المغربية في عهد بوستة... فما أشبه الليلة بالبارحة...