01 يناير, 2018 - 11:36:00 في سبتمبر من عام 2016 اجتمع مسؤولو فيسبوك مع الحكومة الإسرائيلية لتحديد أي الحسابات الخاصة بالمستخدمين الفلسطينيين التي ينبغي حذفها باعتبار أنها "مُحرضة"، بحسب ما ذكر وقتها موقع إنترسبت الأميركي. وجاءت هذه الاجتماعات، التي دعت إليها وترأستها واحدة من أكثر المسؤولين الإسرائيليين تطرفاً واستبداداً، أيليت شاكيد وزيرة العدل الإسرائيلية والمؤيدة للاستيطان، بعدما هدَّدَت إسرائيل فيسبوك بأنَّ تخاذله عن الامتثال طوعاً لأوامر الحذف الإسرائيلية قد ينتج عنه سنّ قوانين تُجبر فيسبوك على فعل ذلك، وإلا كان عُرضة لعقوبات تتراوح بين توقيع غرامة باهظة وحتى حظر الموقع في البلاد. ويوضح الموقع الأميركي في تقرير جديد له أن النتائج المتوقعة لتلك الاجتماعات أصبحت واضحة وموثقة جيداً الآن؛ فمنذ ذلك الحين يفرض فيسبوك رقابة مشددة على حسابات النشطاء الفلسطينيين الذين يحتجون ضد الاحتلال الإسرائيلي لبلادهم منذ عقودٍ، بتوجيه من مسؤولين إسرائيليين. في الواقع، يتفاخر مسؤولون إسرائيليون أمام الرأي العام بمدى خضوع فيسبوك عندما يتعلق الأمر بتنفيذ أوامر الرقابة الإسرائيلية. وبعد وقتٍ قصيرٍ من انتشار أخبار في وقت سابقٍ من ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن الاتفاق بين الحكومة الإسرائيلية وفيسبوك، قالت أيليت شاكيد، وزيرة العدل الإسرائيلية، إن تل أبيب قدمت 158 طلباً للشبكة الاجتماعية الأشهر في العالم على مدار الأشهر الأربعة السابقة لحذف محتوى وصفته ب"المحرّض"، وقالت إن فيسبوك استجاب ل95% من هذه الطلبات. إنها محقة؛ فمن الصعب أن نبالغ في حجم خضوع فيسبوك للأوامر الإسرائيلية؛ إذ تطرقت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى الأمر في ديسمبر من العام الماضي، قائلةً: "تراقب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فيسبوك وتُرسل إلى الشركة منشورات تعتبرها مُحرضة، واستجاب فيسبوك لذلك بحذف معظم هذه المنشورات". وما يجعل هذه الرقابة تبدو كإذعان للأوامر الإسرائيلية، هو أن "96% من المواطنين الفلسطينيين قالوا إن استخدامهم فيسبوك كان للاطلاع على الأخبار في المقام الأول"، وذلك يعني أن المسؤولين الإسرائيليين يتمتعون بسيطرة غير مقيدة على منصة تواصل مهمة بالنسبة للفلسطينيين. وفي الأسابيع التالية لتلك الاجتماعات بين المسؤولين الإسرائيليين وفيسبوك، ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في تقريرٍ لها، قائلة: "رصد مركز المعلومات الوطني الفلسطيني أن 10 على الأقل من حسابات مديري صفحتيه العربية والإنكليزية في فيسبوك جرى إيقافها -7 منها نهائياً- كنتيجة لإجراءات جديدة نُفذت على أثر اجتماع مسؤولي فيسبوك مع الحكومة الإسرائيلية". وفي مارس/آذار الماضي، أغلق فيسبوك صفحة حركة فتح، التي يتابعها ملايين المستخدمين، فترة قصيرة؛ بسبب صورة قديمة نُشرت للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حاملاً بندقية. وفصَّلَ تقرير أصدره المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية عام 2016 كم كانت رقابة فيسبوك واسعةً وشاملةً: "الصفحات والحسابات الشخصية التي جرت تصفيتها وحظرها هي: شبكة فلسطين للحوار (PALDF.net)، غزة الآن، شبكة قدس الإخبارية، وكالة شهاب للأنباء، وراديو بيت لحم 2000، وراديو أورينت، وصفحة مش هيك، ورام الله الإخباري، والصحفي حذيفة جاموس من قرية أبوديس، والناشط قاسم بدير، والناشط محمد غنام، والصحفي كامل جبيل، وحسابات مديري صفحة القدس، وحسابات مديري صفحة وكالة شهاب للأنباء، والناشط عبدالقادر الطيطي، والناشط الشاب حسين شاجح، ورماح مبارك مدير وكالة شهاب (أُعيد تنشيط الحساب)، وأحمد عبدالعال (أُعيد تنشيط الحساب)، والصحفي محمد زعانين (ما زال محذوفاً)، والصحفي عامر أبوعرفة (ما زال محذوفاً)، والمراسل الصحفي عبدالرحمن الكحلوت (ما زال محذوفاً)". ولا داعي لقول إن المستخدمين الإسرائيليين لهم الحرية كاملةً في نشر أي شيء يريدونه عن الفلسطينيين. تُعد دعوات الإسرائيليين إلى قتل الفلسطينيين شيئاً مألوفاً على فيسبوك، وتظل منشورةً دون أي عوائق. وذكرت قناة "الجزيرة" القطرية العام الماضي، أن "خطاباً تحريضياً نُشر باللغة العبرية، لفت انتباهاً أقل من جانب السلطات الإسرائيلية وفيسبوك"، واكتشفت إحدى الدراسات أن 122 ألف مستخدم دعوا بشكلٍ مباشرٍ إلى العنف باستخدام كلمات مثل "قتل" أو "اقتل" أو "احرق"، وكان العرب هم المتلقون الأوائل لهذه التعليقات البغيضة. ومع ذلك، يبدو أن فيسبوك لم يبذل أي مجهود يُذكر لفرض رقابة على أي من هذه التعليقات. ورغم أن بعض الدعوات الأكثر تحريضاً وصراحةً إلى القتل تُحذف أحياناً، يستمر فيسبوك في السماح بأكثر الدعوات تطرفاً للتحريض ضد الفلسطينيين. في الواقع، اعتاد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في معظم الأحيان، استخدام الشبكات الاجتماعية لنشر ما يُعد بوضوح تحريضاً للعنف ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام. وعلى النقيض من قمع فيسبوك للفلسطينيين، لا يمكن تصور فكرة أن فيسبوك قد يستخدم قوته الرقابية ضد نتنياهو أو أي مسؤولين بارزين آخرين يدعون إلى العنف ويحرضون على الهجوم على الفلسطينيين. في الواقع، لخصت "الجزيرة" الأمر بإيجاز، قائلةً: "لم يتقابل مسؤولو فيسبوك مع قادة فلسطينيين لمناقشة مخاوفهم". ويبدو أن فيسبوك الآن يعترف صراحةً بنيَّته الامتثال لأوامر الرقابة من الحكومة الأميركية؛ ففي وقت سابقٍ من الأسبوع الجاري، حذفت الشركة حسابي فيسبوك وإنستغرام الخاصين برمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان، الذي يتابعه 4 ملايين مستخدمٍ على هذين الحسابين. لكنَّ أياً من ذلك لا يخفف مدى إزعاج وخطورة منطق فيسبوك في حذف حساباته. وقال متحدث باسم فيسبوك لصحيفة نيويورك تايمز، إن الشركة حذفت هذه الحسابات، ليس لأن قديروف قاتل وطاغية؛ بل إن حساباته عُطلت لأنه كان قد أُضيف للتو إلى قائمة عقوبات الولاياتالمتحدة، وأن الشركة كانت مُلزمة قانوناً بالاستجابة. ومثلما تشير "نيويورك تايمز"، يبدو هذا المنطق ملتبساً أو على الأقل لا يُطبق باتساقٍ؛ إذ تظل حسابات آخرين موجودين بقائمة العقوبات ذاتها، مثل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، نشطة على فيسبوك وإنستغرام، لكن فقط ضع في اعتبارك الآثار الخطيرة المترتبة على ادعاءات فيسبوك. معنى هذا واضح، وهو أن الحكومة الأميركية، التي تعني إدارة ترامب في الوقت الحالي، تملك قوة أحادية مطلقة لحذف حساب أي شخص تريد من فيسبوك وإنستغرام، من خلال إدراجه ببساطة في قائمة عقوبات. هل يعتقد أحد أن هذه نتيجة جيدة؟ هل يثق أحد بأن إدارة ترامب أو أي حكومة أخرى تجبر الشبكات الاجتماعية على حذف وحظر أي حساب تريد إسكاته؟ وحسبما قالت جينيفر غرانيك، عضوة الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، لصحيفة نيويورك تايمز: "إنه ليس قانوناً يبدو أنه أُصدر أو اعتُمد للتعامل مع الحالات الخاصة التي يكون قمع الرأي فيها قانونياً أو مناسباً. يُستخدم قانون العقوبات ذلك لقمع الرأي مع القليل من الاعتبار لقيم حرية التعبير والمخاطر الخاصة لحجب الرأي. وعكْس منع التجارة أو الأموال وهو ما طُبقت العقوبات لفعله، يعد ذلك بمثابة معضلة". هل تُطبق سياسة فيسبوك لحظر الأشخاص المعاقبين من منصتها على كل الحكومات؟ بكل وضوحٍ لا؛ فمن المعروف أنه -على سبيل المثال- إذا قررت إيران فرض عقوبات على السيناتور الأميركي تشاك شومر بسبب تأييده سياسة ترامب للاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، فإن فيسبوك لن يحذف حسابات زعيم أقلية الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ أبداً، مثلما لن يحذف فيسبوك حسابات المسؤولين الإسرائيليين الذين يحرضون على العنف ضد الفلسطينيين أو عوقبوا بواسطة مسؤولين فلسطينيين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت روسيا فرض عقوبات ثأرية على العديد من المسؤولين والمديرين التنفيذيين الكنديين، لكن لا داعي لقول إن فيسبوك لم يتخذ أي إجراء لرقابة أو حظر حساباتهم. وبالمثل، هل يجرؤ فيسبوك على فرض رقابة على السياسيين أو الصحفيين الأميركيين الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية في الدعوة إلى العنف ضد أعداء الولاياتالمتحدة؟ سؤال ليس في حاجة إلى إجابةٍ! وكما هو الحال دائماً مع الرقابة، هناك مبدأ واحد فقط يقود كل هذا وهو: السلطة. سيخضع فيسبوك ويمتثل لمطالب الرقابة من الحكومات والمسؤولين الذين يملكون سلطة عليه حقاً، في حين سيتجاهل هؤلاء الذين لا يملكونها؛ ولذلك يصبح أعداء الحكومتين الأميركية والإسرائيلية المُعلن عنهم، مُعرضين لإجراءات الرقابة بواسطة فيسبوك، في حين أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين (وحلفاءهم الأكثر طغياناً وقمعاً) غير معرضين لذلك. كل هذا يوضح أن المخاطر الشديدة نفسها المترتبة على الرقابة الحكومية، تصاعدت على الأقل بنفس قدر مناشدات عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون لفرض رقابة أكثر فاعلية على "الخطاب السيئ". ربما تكون الدعوات إلى الرقابة الحكومية حسنة النية في أغلب الأحيان؛ إذ تمثل رغبة في حماية الفئات المهمشة من خطاب الكراهية المؤذي. ومع ذلك، وكما هو متوقع، تُستخدم أكثر ضد الفئات المهمشة؛ لفرض رقابة عليهم بدلاً من حمايتهم. يحتاج المرء لمجرد النظر إلى كيفية استخدام قوانين خطاب الكراهية في أوروبا أو في الجامعات الأميركية، ليرى أن ضحايا الرقابة، في أغلب الأحيان، هم المنتقدون للحروب الأوروبية أو النشطاء المنددون بالاحتلال الإسرائيلي أو المدافعون عن حقوق الأقليات. يمكن للمرء أن يخلق عالماً خيالياً في رأسه، حيث يستخدم المديرون التنفيذيون في وادي السيليكون سلطتهم لحماية الفئات المهمشة في جميع أنحاء العالم، من خلال فرض رقابة على أولئك الذين يرغبون في إيذائهم. لكن في العالم الحقيقي لا يمثل ذلك شيئاً إلا حلماً حزيناً؛ فمثلما هي رغبة الحكومات، ستستخدم هذه الشركات سلطتها الرقابية في خدمة أقوى فصائل العالم وليس للتقليل من شأنها. ومثلما قد يشجع المرء فرض رقابة على شخصٍ ما لا يحبه دون التفكير في العواقب طويلة الأمد لإضفاء الشرعية على هذا المبدأ، يمكن للمرء أن يشجع زوال طاغية شيشاني من فيسبوك وإنستغرام، لكن فيسبوك يعلنها صراحةً، أن سبب إجراءاته هو أنه كان يخضع لقرارات الحكومة الأميركية بخصوص من الذي يجب تجنُّبهم. ومن الصعب تصديق أن وجهة النظر المثالية لأي شخص عن الإنترنت تستلزم استحقاقاً من سلطة الحكومة الأميركية والحكومة الإسرائيلية وقوى العالم الأخرى في تحديد من هم المسموح لهم بالحديث ومن يجب قمعهم. لكن ذلك هو ما يحدث بالضبط، وبشكلٍ متزايد، باسم مناشدة شركات الإنترنت لحمايتنا. ترجمة : هاف بوسط.