اتخذ العاهل المغربي الملك محمد السادس خطوة على استحياء نحو التحول إلى الديمقراطية بخطة لإصلاح الدستور يريد أن يوافق عليها الناخبون في استفتاء يجرى في الأول من يوليو. لكن بسعيه إلى أن يبقى في قلب كل قرار استراتيجي تقريبا يواجه الملك البالغ من العمر 47 عاما تدقيقا أكبر من أبناء بلده الذين تجاهل أغلبهم حتى الآن الروح الثورية في "الربيع العربي" رغم المتاعب الاجتماعية المزمنة. وبعد بعض من أكبر الاحتجاجات منذ عشرات السنين أعلن الملك محمد السادس يوم الجمعة أنه سينقل بعض سلطاته للبرلمان والحكومة لكنه سيبقي قبضته على الأمن والجيش والشؤون الدينية. وقال محمد ضريف المحلل السياسي والمحاضر في جامعة الملك الحسن الثاني "هذا الدستور يؤسس لانتقال ديمقراطي لكنه لا يؤسس لبداية مرحلة ديمقراطية." وأضاف "سوف يمكن الأحزاب السياسية من إعادة بناء مصداقيتها والكتلة الناخبة من فهم مسؤولياتها." وتجرى انتخابات برلمانية في المغرب منذ نحو 50 عاما لكن اليد العليا ما زالت للملك والنخبة الحاكمة في البلاط الملكي التي تعرف باسم "المخزن" على صناديق الاقتراع من خلال تعيين الحكومة وتحديد السياسات الرئيسية. ومع ارتفاع نسبة الأمية في المغرب والاحترام البالغ لعائلة مالكة تقول إنها تنحدر من نسل النبي محمد وفي ظل السيطرة على الإعلام لجأ القصر إما للقمع أو لطريقة فرق تسد لجعل المعارضة بلا أنياب منذ أن نال المغرب استقلاله عن فرنسا عام 1956 . وقال دبلوماسي غربي بشأن توزيع السلطات الذي قال كثيرون انه يفتقر للوضوح "يعزز الإصلاح هذه القطبية الثنائية التاريخية في النظام السياسي المغربي مع تداخل سلطات الملك والحكومة." وأضاف "انه يثير تساؤلا عمن سيتخذ حقا القرارات الحيوية والإستراتيجية ومن سيتحمل المسؤولية في حالة فشلها." وفي كلمة تلفزيونية ألقاها الملك محمد السادس يوم الجمعة وصف الدستور الجديد بأنه "ديمقراطي" وقال إن الملك هو "الموجه الأمين والحكم الأسمى". وقالت ليز ستورم وهي محاضرة في سياسات الشرق الأوسط بجامعة اكستر إن الملك كان بإمكانه أن يجعل الدستور أكثر ديمقراطية. وأضافت "الدستور ليس ديمقراطيا. انه خطوة في الاتجاه الصحيح لكنه لا يذهب لمدى كاف." ويتيح الدستور الجديد للملك أن يعين رئيسا للوزراء لكن من الحزب الذي يفوز بأغلب المقاعد في الانتخابات البرلمانية والبت في تعيين وزراء آخرين واقتراح إنهاء مهامهم. ويمنح الدستور المعدل صراحة سلطات تنفيذية للحكومة لكن بموجبه يظل الملك على رأس الجيش والسلطات الدينية والقضاء وما زال يتيح له حل البرلمان لكن ليس منفردا كما هو الحال بموجب الدستور الحالي. وسوف تظل للملك كلمة في تعيينات مهمة للغاية مثل تعيين الولاة وهم ممثلو وزارة الداخلية على المستوى المحلي وفي البنك المركزي والشركة التي تحتكر الفوسفات كما سيعين نصف أعضاء المحكمة الدستورية. وقال عمر راضي وهو ناشط من حركة 20 فبراير "مناخ الثنائية القطبية غير الصحي في النظام السياسي المغربي ما زال كما هو بموجب الدستور المقترح.. في الوقت نفسه هو ينتهك ضمنا الهدف المعلن للإصلاح." وتقود هذه الحركة احتجاجات الشوارع التي تطالب بأن يسلم العاهل المغربي كل السلطات التنفيذية إلى مسؤولين منتخبين. ولم تنل هذه الحركة التأييد الشعبي الهائل كما حدث في تونس ومصر ولم تصل إلى حد المطالبة بإنهاء النظام الملكي وتركز على ما ينظر إليه باعتباره نفوذا تجاريا متزايدا للملك ومزاعم الفساد وتدخل مسؤولي البلاط الملكي في السياسة. وللأسرة المالكة في المغرب حصة تبلغ 60 في المائة في الشركة الوطنية للاستثمار التي مثل صافي أرباحها المجمعة لعام 2010 ما يصل إلى 27 في المائة من إجمالي صافي الأرباح التي حققتها الشركات المدرجة في بورصة الدارالبيضاء. ودفعت الاحتجاجات الملك محمد السادس في مارس لإصدار أوامر للجنة اختار أعضاءها بنفسه لبحث الإصلاح الدستوري مع الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية. ومع ارتفاع معدل البطالة ومعدل الفقر ونظام تعليمي غير فعال وما يعتبر درجة عالية من المحاباة والفساد يرى الكثيرون أن المغرب يحتوي على كل العناصر المكونة للثورة. لكن روبرت هولي رئيس المركز المغربي الأمريكي للسياسة ومقره واشنطن قال إن هذا ليس مرجحا. وقال "هذا بلد به تقاليد ذات جذور متأصلة .. بلد ما زال على طريق التحديث." وتابع "كانت هناك دائما منابر يعبر من خلالها الناس عن مظالمهم في المغرب (على عكس سوريا وليبيا)." وقال علي أنوزلا رئيس تحرير موقع لكم دوت كوم المستقل "مع السوابق التاريخية لوعود الإصلاح التي لم يتم الوفاء بها كان من المفترض أن تدفع الملكية إلى أن تعزز من مصداقية مشروع الإصلاح الدستوري بالإعلان عن فصل واضح بين المال والسلطة." وأردف قائلا "الملك لا يتحكم فقط في السلطات السياسية والعسكرية والدينية بل يتحكم كذلك في سلطات الاقتصاد والأعمال. الدستور الجديد يعزز من بنية الاستبداد السياسي كما هي عليه الآن تحت الدستور الحالي. المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يستنتج المغاربة أن الدستور الجديد لن يغير شيئا كثيرا." وقالت مارينا اوتاواي من برنامج كارنيجي للشرق الأوسط إن التاريخ يظهر أن العامل الحيوي هو كيف يواصل منتقدو الحالة الراهنة الضغوط من أجل التغيير. وتابعت "ربما يتوقف مدى الإصلاح الذي يقترحه الملك من أعلى لأسفل إلى حد كبير على قوة الحملة التي تطلقها الأحزاب السياسية والمحتجين من أسفل لأعلى من أجل إجراء إصلاح." - المصدر: رويترز --- تعليق الصورة: مواطنون يتظاهرون تأييدا للدستور