عبدالحكيم الرويضي 04 مارس, 2017 - 06:57:00 في كتابه الصادر سنة 1968 تحت عنوان "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة" صاغ صمويل هنتنغتون مصطلح "معضلة الملك" مبرزا أن المشكلة الرئيسية التي تواجه الأنظمة الملكية هي كيفية جعلها متحررة دون فقدان السيطرة". وبالنسبة لهذا المفكر السياسي فإن الملك أمام خيارين للحفاظ على سلطته، إما من خلال استمراره في التحديث لكن مع تكثيف القمع، وإما أن عليه تحويل ملكيته إلى ملكية دستورية حيث يسود الملك ولكنه لا يحكم. وفي مقال تحليلي لمعهد "بروكينغز" الأمريكي، تحت عنوان "المغرب: معضلة ملك"، يواجه الملك المغربي محمد السادس نسخته الخاصة من "معضلة الملك" بعد مضي ست سنوات على اندلاع الانتفاضات العربية. حيث أن "البلوكاج" الحكومي يشكل اختبارا رئيسيا له. وكان حزب العدالة والتنمية فاز بأكبر عدد ومن الأصوات خلال الانتخابات البرلمانية السابقة، مما سمح لأمينه العام عبد الإله بنكيران أن يخافظ على منصبه كرئيس حكومة. ومع ذلك فشل في تشكيل الحكومة بعد أزيد من أربعة أشهر بسبب عرقلة الأحزاب الموالية للقصر، التي أدت إلى إضعاف تأثير بنكيران. يشير الجمود السياسي الذي يعرفه المغرب إلى أن الوعود التي عقبت الانتفاضات العربية بتقاسم السلطة والملكية الدستورية لم يتم الوفاء بها. ولا تزال الدولة تعمل دون وجود حكومة برلمانية فعالة، من خلال النمك التقليدي للتحكم في المغرب، أي النظام الملكي وديوانه. وأشارا كاتبا المقال، عادل عبد الغفار و آنا جاكوبس، إلى أنه في الوقت الذي حظيت الإصلاحات الدستوية في المغرب بإشادة على نحو واسع، يعتقد معظم نشطاء حركة 20 فبراير أن التغييرات لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية. وتساءل النشطاء عن مركزية النظام الملكي في صياغة الدستور الجديد، واعتقدوا أن مطالبهم لم تتحقق على نحو كاف. عرفت الحركة انقساما وفقدت بذلك زخمها، في حين بدأت عملية إصلاح النظام الملكي. وبحلول نهاية عام 2011، كان السؤال الكبير يحوم حول تقاسم السلطة بين حكومة بنكيران التي يقودها الإسلاميون من جهة، والملك والديوان الملكي من جهة أخرى. خاضت حكومة بنكيران معارك سياسية من عام 2011 إلى 2016. كما أن للمغرب تاريخ طويل من سيطرة القصر على النظام السياسي متعدد الأحزاب، حيث أن جميع الأطراف السياسية التي تشارك في الانتخابات يجب أن تبقى على مقربة من القصر، علما أن هناك درجات متفاوتة من القرب. في البداية شكل حزب العدالة والتنمية ائتلافا حكوميا من حزب "الاستقلال" و"الحركة الشعبية" وحزب "التقدم والاشتراكية". وفي نهاية المطاف، برز حزب "الأصالة والمعاصرة" في الساحة السياسية بقيادته لتحالف أحزاب المعارضة في البرلمان. وينظر إلى هذا الحزب على أنه مقرب بشكل خاص إلى القصر، كونه تأسس على يد المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة في عام 2008. خلال هذه المدة، حدث تغير في الإتلاف الحكومي بانسحاب حزب "الاستقلال" ليحل محله جليف رئيسي مقرب من القصر، وهو حزب "التجمع الوطني للأحرار". وأصبحت أنذاك سلطات بنكيران محدودة، والدليل على ذلك هو أن أهم الوزارات (الداخلية والخارجية والمالية والشؤون الدينية) كان يقودها سياسيون من الأحزاب أو التيكنوقراط المقربين من القصر. بعد انتخابات 7 أكتوبر، بدأت مشاورات تشكيل الحكومة على نحو غير متكافئ. وحملت عودة وزير الفلاحة عزيز أخنوش إلى حزب التجمع الوطني للأحرار بعد انتخابه على رئيسا له، إشارة إلى الأحزاب السياسية وكافة المراقبين على أن القصر سيعب دورا فعالا في تشكيل التحالف الحكومي المقبل. يتضح من تاريخ التعددية الحزبية في المغرب، أن القصر يتحكم في النظام من الداخل. ذلك أنه احتفظ بالأحزاب السياسية الرئيسية في كل من الحكومة والمعارضة، مما يبقي مفتاح السيطرة على السياسة في يد العائلة المالكة. في الوضع الحالي، فإن أخنوش الصديق المقرب للملك يلعب في الأمام والوسط، ومن المرجح أنه سيدخل في تحالف حكومي وسوف يؤثر بقوة في القرار السياسية. إذا قرر القصر الدعوة إلى إعادة الإنتخابات، وحاول مواصلة تهميش حزب "العدالة والتنمية"، من المحتمل أن يشوه صورة المغرب، وقصة النجاح الديمقراطي بعد الانتفاضات العربية التي تروج لها العائلة المالكة. وعلاوة على ذلك، فإن تهميش حزب "العدالة والتنمية" يمكن أن يجدي نفعا على المدى القصير، إلا أن هذه الاستراتيجية لن تكون مجدية على المدى البعيد، إذ يمكن للحزب أن يحافظ على قوته التي ستمدها من صناديق الاقتراع، بعد أن أن أصبح أكثر شعبية وتأثيرا. وهنا تكمن معضلة الملك الكبيرة.