تحقيق خالد أبورقية 29 أكتوبر, 2016 - 11:50:00 في هذا التحقيق الذي امتد على مدى عام كامل، جلسنا إلى الأهالي في الأماكن التي لسع فيها الضحايا واستعادوا اللحظات العصيبة لرحيلهم بأصوات يخنقها الأسى، وانطلقنا في رحلة بحث من المغرب إلى تونس، ومراسلات واتصالات مع فرنسا والسعودية من أجل الوصول إلى معلومات دقيقة تنير الرأي العام وتجيب على سؤال واحد لعائلات الضحايا في المناطق النائية: لماذا تهدر حياة أحبابنا بهذا الشكل؟ عيد بدون ملائكة لم يكن أحد ينتظر أن ينقلب العيد إلى مأتم، وأن يصبح يوم الفرح بالأضحية ''حالكا'' كليلة سوداء غير مقمرة، ''لكبير الزوين''، واحد من المغاربة الذين ذاقوا "مرارة لسعات العقارب القاتلة"، شاءت الأقدار أن يفقد حفيدته الرضيعة هند -بسبب لسعة عقرب غادرٍ حرم ملاكا صغيرا من حقه في الحياة دون أن يدري أنه فتح جراح أسرة حالمة قبيل عيد الأضحى بيوم واحد، قصص ضحايا الحشرات القاتلة تعيد عقارب الساعة إلى جحيم مازال يعيش تفاصيله جزء كبير من المغاربة. توفيت هند الرضيعة التي لم تتجاوز سنتين في المستشفى الإقليمي لمدينة سطات، بعد أن نقلت إليه من المركز الصحي لسيدي حجاج والذي نقلت إليه في وقت سابق من دوار ''لوزاغرة‘‘ التابع لجماعة ''مريزيك‘‘ بعمالة سطات يوم 24 شتنبر 2015''ما دارو ليها والو في السبيطار‘‘، يعلق السيد لكبير، يقصد أنها لم تتلق أي علاج في المركز الصحي، هذه الجملة سترد كثيرا على لسان عدد من أسر الحالات التي التقيناها خلال هذا التحقيق. بداية ونهاية قرر المغرب منذ 13 سنة التوقف عن إنتاج الأمصال واللقاحات وإغلاق وحدة الإنتاج التابعة لمعهد باستور، وتخلى عن استعمال الأمصال المضادة لسموم العقارب واستيراد باقي حاجياته من الخارج. بينما نزيف ضحايا لسعات العقارب مستمر. وزارة الصحة تؤكد عدم جدوى الأمصال بينما تؤكد عدة دراسات وأبحاث علمية نجاعتها، أما منظمة الصحة العالمية فقد امتنعت عن إعطاء رأي علمي صريح معتبرة أن استخدام هذه الأمصال يدخل ضمن ''سيادة كل دولة‘‘ رغم أن بلاغاتها تؤكد على استعمال هذه الأمصال. يثبت التحقيق كيف تسبب الاستيراد في رفع التكاليف وفتح باب للفساد الحكومي وفي الوقت نفسه تخفيض فعالية البرامج الحكومية في هذا الإطار مما له أكبر ثمن يؤديه الناس من صحتهم ومن أرواحهم. في سياق بحثنا اكتشفنا أن حجم الأموال التي ينفقها المغرب من أجل استيراد الأمصال واللقاحات وكمياتها هو أحد الأسرار التي لا يكشفها المسؤولون وتراوغ ''سانوفي‘‘ في تقديمها، بينما أكد معنيون ومختصون أن الاستيراد مدخل للفساد مستشهدين بفضيحة اللقاحين، وأن إعادة تأهيل وفتح وحدة الإنتاج سيخفف العبء على الميزانية ويشكل أحد الضمانات لإنقاذ أرواح المواطنين. زيادة في الجرعة الواحدة تعادل الحد الأدنى للمعاشات السيد لكبير الزوين يعلم الآن أن المصل المضاد لسموم العقارب لم يعد متوفرا، لكنه لا يعلم شيئا عن قرار المدير السابق لمعهد باستور بإغلاق وحدة الانتاج مطلع القرن الحالي، دون الرجوع إلى المجلس الإداري المخول اتخاذ مثل هذا القرار، وهو القرار الذي تذرع بملاحظات لمنظمة الصحة العالمية وتوصيات تؤكد على ضرورة مطابقة المختبرات للمواصفات العالمية. أول نتائج هذا الإغلاق كان ارتفاع ثمن اللقاحات بعد أن لجأ المغرب إلى الاستيراد. ومن بين الملاحظات التي أوردها المجلس الأعلى للحسابات في تقرير افتحاص معهد باستور، أن ''ثمن بيع اللقاح المضاد لسموم الأفاعي مرتفع جدا مقارنة مع اللقاح الذي كان ينتج محليا من طرف معهد باستور‘‘ فقد وصل ثمن جرعة 10 مل إلى 1015,89 درهم، بزيادة 960 درهم للجرعة وهو رقم مهول يعادل الحد الأدنى للمعاشات في المغرب. من تقرير المجلس الأعلى للحسابات كان معهد باستور أول جهة طرقنا بابها من أجل لقاء مديرته الحالية، وفي جعبتنا سؤالان، ما هو المبلغ الذي تتحمله خزينة الدولة باستيراد اللقاحات والأمصال، وما هو ثمن هذه المواد؟ ثم ما مدى نجاعة الأمصال المضادة لسم العقارب القاتل الذي يسلب الأرواح بلا رحمة؟ طلبنا لقاء مع مديرة المعهد، لكن تم توجيهنا إلى مصلحة اللقاحات، مسؤول بمصلحة اللقاحات بدوره وجهنا إلى مصلحة مكلفة بالعمليات المرتبطة بالاستيراد، واستمر تحويل طلبنا من طرف لآخر إلى أن تم توجيهنا في النهاية إلى مصلحة مكلفة بالاتصال والاعلام. عدنا بخفي حنين وكان علينا الانتظار إلى مطلع سنة 2016، للقاء المسؤول الذي كان في عطلة. تركنا رقم الهاتف وتلقينا تأكيدا بالاتصال فور عودته لكن لم نتلق أي اتصال، وهواتف المعهد لم تعد تجيب. حاولنا خلال التحقيق الاتصال بالمدير السابق الذي اتخذ القرار ولم يكن متاحا، وتمكنا من الوصول إلى نائبه الذي وافق على التحدث إلينا وتقديم توضيحات تنير موضوعنا، إلا أنه غير رأيه بعد موعدين ثم لم يعد هاتفه يجيب. مساران كان على تحقيقنا التوفيق بينهما، كلفة الأرواح التي يؤديها المغاربة، وكلفة الأموال التي تؤديها الدولة جراء التخلي عن إنتاج الأمصال واللقاحات محليا وتطوير وحدات الإنتاج لتحقيق اكتفاء ذاتي يغني المغرب عن الاستيراد، لذلك كان علينا الاتصال بالجهات المعنية في العاصمتين الإدارية والاقتصادية ''الرباط‘‘ و''الدارالبيضاء‘‘، وزيارة إحدى المناطق التي يسقط سكانها تباعا جراء اللسعات. بحث سيقودنا إلى المكان الذي عرف احتضار هند بلسعة قاتلة. المنسيون وفوبيا العقارب للوصول إلى بلدية سيدي حجاج قادما من خريبكة، تسلك سيارة الأجرة طريقا ضيقة ومتهدمة تكفي لسيارة واحدة، تمتد على مسافة تفوق 40 كيلومترا، طريق الرعب هذه ليس فيها أي مجال للتجاوز، وعبرها تدخل إلى منطقة أشبه بتلك الخارجة من حرب، تنقلك لا محالة إلى فصول من التهميش والنسيان ولن تصدق أنك على بعد أقل من 90 كيلومترا عن العاصمة الاقتصادية، القلب النابض للمغرب. وصلنا بعد الزوال إلى مقهى بمحطة بنزين حيث التقينا أحد أقرباء هند، إنه عباس 30 سنة، يدير المقهى الذي رتبنا فيه للمقابلة الأولى، في الفترة التي كنا نرتب فيها للتوجه إلى بيت العائلة حدثنا عن الرعب الذي يعيشه سكان المناطق هنا، ''الناس يعيشون في رعب من العقارب‘‘ يقول عباس ويواصل ''حتى إن لم تكن هناك عقرب فالناس مسكونون بها بسبب الضحايا الذين تخلفهم لسعاتها‘‘. رغم قربه من مركز ''سيدي حجاج‘‘، جنوب مدينة الدارالبيضاء، ليس من السهل الوصول إلى دوار ''لوزاغرة‘‘، ومن أجل الذهاب إلى هناك يلزمك البحث عن سيارة للنقل السري وهي الوسيلة الوحيدة المتوفرة إلى تلك الوجهة، وستحتاج إلى التفاوض على سعر رحلة الكيلومترات الثمانية التي تفوق كلفة الرحلة بين مدينتي ''الدارالبيضاء‘‘ و''الرباط‘‘ ذهابا وإيابا بالقطار، كما تفوق ضعف ثمن الرحلة بين المدينتين ذهابا وإيابا بواسطة الحافلة. إنها فوبيا العقارب تعيشها الساكنة، هذا ما قاله محمد الزوين ابن عم هند أثناء حديثنا إليه بدوار ''لوزاغرة‘‘ أمام بيت العائلة التي تعيش في تجمع سكني معزول غير بعيد عن سكة القطار، وما يفاقم الأمر ويزيد رعب السكان هو صعوبة إن لم نقل استحالة الوصول إلى المركز الصحي بسبب غياب وسائل النقل، سؤال طرحناه على السائق الذي أقلنا: ما الذي يمكن أن يفعله من أصابته لسعة العقرب هنا؟ فكان رده موجزا ''ينتظر عناية الله أوالموت‘‘. هذه الفوبيا جعلت كل من عرف أننا نعمل على الموضوع يشرع في سرد تجربته مع العقارب دون طلب بالحديث، خلال ذلك الأسبوع وجدت أستاذة عقربا في فراشها، ومن التقيناهم يخبروننا أن العقارب قد تتواجد في أي مكان حتى في أواني المطبخ، وبينما كنا نتحدث إلى طبيبة مركز ''أولاد فارس‘‘ أخبرت إحدى المتواجدات في نفس القاعة زميلاتها أنها بالأمس وجدت عقربا بين الملابس، ما يمكننا من الجزم أن الكلفة النفسية للسعات العقرب مرتفعة جدا في المنطقة بسبب الهول الذي تخلفه. العقارب تحصد الأرواح ''أولاد فارس‘‘ جماعة قروية تقع على بعد 14 كلم من مركز ''سيدي حجاج‘‘ التابع لدائرة ابن احمد عمالة إقليم ''سطات‘‘، عرفت بدورها حالتي وفاة بعد لسعات العقارب خلال صيف 2015، مما دفع الساكنة للاحتجاج على تردي الخدمة الصحية والغياب المستمر لطبيب المركز الصحي. مليكة عثمان 36 سنة، أم لطفلين، إحدى الضحايا التي أزهقت روحها بعد لسعة عقرب يوم الخميس 06 غشت 2015، وقصة مليكة تروي حجم المأساة. ''كان يوم زوبعة، هطلت أمطار غزيرة بعدها ارتفعت درجة الحرارة‘‘ يقول الزوج نور الدين سعيف ، وهو يحكي تفاصيل أيام احتضار زوجته كأنه يراها أمام عينيه. انتقلنا مع نور الدين إلى المسكن الذي لسعت فيه زوجته، غرفة واحدة أمامها فناء صغير غير مبلط هي ما يشغله في جزء من مسكن العائلة، فقد اقتطع جزءا من فناء البيت ليبني سكنه، وأصبح جارا لوالده ووالدته وإخوته. الغرفة التي عرفت سنوات الزواج والاحتضار بنيت من الحجارة بطريقة تقليدية وسقفها من القصدير وتخصص الأسرة الصغيرة جزءا للأواني والثلاجة واللوازم، وفي الخارج جعلت العائلة من الصبار سياجا، كل الشروط المحيطة تشكل بيئة مناسبة بل ومثالية لتكاثر العقارب القاتلة. نور الدين أمام الغرفة التي لسعت فيها زوجته ''لسعتها العقرب على الساعة العاشرة من ليل الخميس، فسارعنا للاتصال بسيارة الاسعاف التابعة للجماعة لكنهم أخبرونا أنها نقلت في تلك الليلة مصابا آخر بلسعة عقرب‘‘ يواصل نور الدين سرد قصة نقل زوجته، فالدوار الذي يقطن فيه لا يبعد عن المركز الصحي سوى بكيلومتر ونصف، لكن تطلب نقلها 45 دقيقة، بعد أن تطوع أحد الأقارب الذي كان في زيارة للمنطقة، ونقلها بسيارته الخاصة. طيلة فترة مكوثها بالمركز الصحي حقنت مليكة بثلاث حقن، ثم أعادها زوجها إلى المنزل، لكن في اليوم الموالي تطورت حالتها بشكل سيء، وتفاقم وضعها الصحي بسبب إصابتها بمرض السكري ما استلزم استدعاء الممرض إلى البيت حوالي الساعة السادسة مساء. الفحوصات التي أجراها الممرض دفعته ليؤكد على ضرورة نقلها إلى مستشفى الحسن الثاني بمدينة ''سطات‘‘ (40 كلم عن المركز) وفي غياب سيارة الاسعاف كان لزاما البحث عن سيارة شخصية لأحد المعارف، لتصل إلى المستشفى في حدود الساعة الرابعة من صباح يوم السبت. تفاصيل كثيرة يحكيها نور الدين دقيقة بدقيقة وهو يسرد معاينته لاحتضار زوجته التي تطلب فحص بالأشعة نقلها إلى مصحة خاصة بمدينة ''الدارالبيضاء‘‘ بسبب عطل جهاز المسح الضوئي (السكانير) في المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد (أحد أكبر المستشفيات الجامعية في المغرب)، ثم أعيدت مليكة إلى غرفة الإنعاش بمستشفى الحسن الثاني بمدينة ''سطات‘‘ لتخرج منها للمرة الأخيرة جثة هامدة صباح يوم الأحد 09 غشت 2015. ضحايا بلا علاج ''ما داروا لينا والو، والعقرب كتبورد علينا‘‘/ ''لم يفعلوا لنا شيئا، والعقرب طغت علينا‘‘، هذه هي الجملة التي ستسمعها كثيرا في مركز ''أولاد فارس‘‘ وفي الدواوير المحيطة، فالمارة بمجرد علمهم بوجود صحافي في المكان يسعون وراءه ليحكوا قصصهم. مرافقنا عادل، أستاذ الفلسفة في ثانوية المركز كان عليه أن يستغل سمعته واحترام الناس ليساعد على أخذ شهاداتهم واحدا تلو الآخر؛ مجمل الشهادات تؤكد أن التوقف عن استعمال مصل السموم المضاد للعقارب فاقم وضع المصابين وهدد حياتهم إن لم يجهز عليها بالفعل، فيما يؤكد البعض في جدال على هامش الشهادات أن الوسائل التقليدية ''التشراط‘‘ بشكل خاص وسيلة ناجعة، مفيدا أن ابن أحد المزاولين القدماء لهذه المهنة بدأ نشاطه بالفعل في السنوات الأخيرة ''والأمر ناجع وتؤكده التجربة‘‘ يقول أحدهم. تعقب أثر تهديد العقارب أوصلنا إلى صيدلية الدكتور ''المسعودي‘‘، صيدلي وناشط مدني، قدم لنا ''المسعودي‘‘ نسخا عن تغطيات صحافية لاحتجاجات وبلاغات للساكنة ومراسلات عدة إلى المسؤولين تطالب بتأهيل مركز ''أولاد فارس‘‘ وبتوفير الأمصال. من بين الوثائق التي اطلعنا عليها عريضة بمئات التوقيعات وشكاية أحد المواطنين إلى وزارة الصحة يطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن وفاة ابنته بعد لسعة عقرب لم تتلق بعدها أي علاج، المراسلة أرسلت في ماي من سنة 2012 ولم يتأكد إن كان تلقى جوابا إلى حدود زيارتنا منتصف أكتوبر 2015. شكاية مواطن إلى مندوب وزراة الصحة بعد وفاة ابنته (8 سنوات) بلسعة عقرب الدكتور المسعودي تحدث إلينا عن واقع التهميش الذي يعيشه المركز الصحي لأولاد فارس، وأشار إلى أن الأمصال المضادة لسموم العقارب والأفاعي كانت متوفرة سابقا وتباع للعموم في الصيدليات فضلا عن المراكز الصحية، ''الأمصال التي كانت متوفرة هي التي كان ينتجها معهد باستور، ومنذ أن بدأ الاستيراد لم تعد توزع على الصيدليات‘‘ يقول المسعودي. وفي نفس السياق حدثنا ابراهيم، مساعد صيدلي وناشط مدني، في لقاء معه عن العديد من الحالات، الرجل الذي ينشط في إدارة صفحة على الفايسبوك باسم ''معا من أجل أولاد فارس‘‘ يتوفر على أغلب معطيات الإصابات وبوسعه أن يتذكر الحالات العديدة وغالبا عدد الحالات بالتواريخ ومآل الضحايا. معطيات كثيرة وغياب حملات التوعية بما يجب القيام به للوقاية دفعت ابراهيم ونشطاء آخرين بينهم أطباء لإعداد فيديوهات نشرت على موقع يوتيوب من أجل التوعية الصحية والوقائية بشكل عام، فيما يشير إلى أن أغلب الضحايا الذين لقوا حتفهم بسبب العقارب توفوا في مدينة ''سطات‘‘ مشيرا إلى بعد المسافة وغياب تجهيزات الإنعاش في سيارة الإسعاف، بينما يرافق الضحايا سائق ليس له أي تكوين في المجال في غياب أي إطار طبي. إنقاذ بالمراقبة الحديث عن غياب العلاجات والأمصال دفعنا للتوجه إلى المركز الصحي ''أولاد فارس‘‘، هناك أوضحت لنا الدكتورة نجوى فوزي أن الإجراءات المتبعة هي نفسها في جميع المراكز الصحية في المغرب ''المريض بعد معاينته يخضع للمراقبة ثلاث ساعات إن لم تظهر عليه أية أعراض غير طبيعية في البداية كالعرق أو الارتعاش أو غيرها‘‘، البروتوكول المتبع هو نفسه ويمر عبر ثلاث مراحل تتكفل المراكز الصحية بأولاها وهي المراقبة ''إن تطورت حالة المصاب يتم نقله إلى أقرب مستشفى يتوفر على وسائل الإنعاش‘‘ تقول الدكتورة فوزي. ''تغيرت الإجراءات المتبعة منذ أكثر من عشر سنوات‘‘ تضيف الدكتورة فوزي ''توقفت الوزارة عن استعمال الأمصال والآن يتم اعتماد بروتوكول الإنعاش‘‘ كلام أكده وزير الصحة في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية ''الأمصال لديها أعراض مميتة وربما إن استعملنا الأمصال قد نقتل المصاب‘‘ ويضيف الوزير ''ما يلزم التكفل به هو الطب السريري، هؤلاء الناس يلزمهم الأوكسيجين والسيروم (مصل مغذي) وأدوية القلب‘‘. وواصل الوزير في ذات التصريح ''هاد الناس يلزمهم التكفل في المستشفى وفي المركز الصحي وإن كانت الأعراض خطيرة يتم نقلهم إلى العناية المركزة أو الانعاش‘‘ وذكر الوزير بأن الوزارة تخلت عن استعمال الأمصال منذ سنة 2000 ويجب نسيان الحديث عنها واسترسل ''ما أذكر به هو لدينا 30 ألف إصابة سنويا ولا يحتاج سوى 10 في المئة منها للاستشفاء، فيما 1,5 في المئة فقط تحتاج الإنعاش، في المغرب كانت لدينا 400 حالة وفاة سنويا واليوم لا نتجاوز 56 حالة وفاة سنويا‘‘. وزير الصحة يعترف بأن "الأمصال" قاتلة الأمصال قاتلة؟! عرفت حالة وفيات المصابين باللسعات منذ توقف معهد باستور عن إنتاج الأمصال سنة 2003 ارتفاعا ملحوظا على مدى السنوات الخمس اللاحقة. فبينما سجلت الإحصاءات الرسمية 24 حالة وفاة سنة 2003، تم تسجيل ارتفاع منذ تلك اللحظة إلى حدود سنة 2008 على الأقل حيث سجلت 91 حالة وفاة سنة 2004، وارتفعت إلى 98 حالة وفاة سنة 2005، بينما ذكرت الإحصاءات الرسمية أنه منذ توقيف إنتاج الأمصال سجلت 634 حالة وفاة، ما يعني أنه خلال سنوات 2006، 2007 و2008 توفي 421 مصابا بمعدل 140 حالة وفاة كل سنة. هذه الأرقام توجهنا بها إلى الجهات المعنية، حيث أوضحت الدكتورة رجاء العوفير من المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة العلاجية، أن التكفل العلاجي أكثر نجاعة وأن الأمصال لا تجدي في حالة التسممات بلسعات العقارب، وعزت ارتفاع أرقام الوفيات فقط إلى ارتفاع عدد التبليغات عن الإصابات والوفيات، فيما يرفض مؤيدون لاستعمال الأمصال هذا التفسير. وأفاد تقرير نشره المركز أن الإجراءات التي تم اعتمادها ساهمت في التقليص من عدد الوفيات من 400 حالة وفاة سنة 1989 إلى 65 حالة وفاة سنة 2012، وبينما أورد التقرير، الذي نشر في المجلة التي يصدرها المركز، تطور نسب الوفيات والحدوث لم يورد الأرقام، فيما يمكننا أن نلاحظ أن 65 حالة سنة 2012 تشير إلى ارتفاع كبير مقارنة مع سنة 2003 التي لم تتجاوز 24 حالة وفاة جراء هذه اللسعات. جانب من تقرير المركز المغربي لمحاربة التسممات واليقظة العلاجية المجلس الأعلى للحسابات، وهو جهة رقابية دستورية في المغرب، أشار في تقرير له خلال السنة الماضية إلى أن التكفل العلاجي لا يعطي النتائج المرجوة، التقرير المتعلق بمتابعة توصيات مراقبة تدبير معهد باستور، أشار إلى أن إحصاءات خلال الفترة بين 2008 و2012 سجلت 284 حالة وفاة، وهو ما يعني أن ''التكفل العلاجي بدون المناعي (بدون أمصال) لا يرقى إلى المستوى المطلوب‘‘. (النقطة 31 من التقرير الخاص بمتابعة توصيات المجلس الأعلى للحسابات، يونيو 2015، الصفحة 9). جدل علمي: رحلة البحث عن المصل لم تتوقف في المغرب الأصوات المطالبة بإعادة إنتاج الأمصال المضادة لسموم العقارب والأفاعي، فقد طالبت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة في أكثر من بيان بإعادة إنتاج الأمصال واستخدامها لإنقاذ أرواح المصابين، كما تحول الأمر إلى مطلب عفوي لدى ساكنة المناطق التي تعرف ''غزوا‘‘ حقيقيا للعقارب والأفاعي، وفي كل مرة يأتي رد وزارة الصحة أن الأمصال غير مجدية، رد دفعنا إلى البحث في حقيقة جدوى هذه الأمصال. بدأ إنتاج الأمصال المضادة لسموم العقارب بمعهد باستور المغرب سنة 1960 تحت إشراف الدكتور ''جان لويس Jean Louis‘‘ وكان المغرب يصدرها إلى فرنسا سنتي 1984 و1985، وبعدها بسنتين سيقوم المغرب بتصديرها إلى ليبيا، فيما ''كان كان المعهد سباقا في إنتاج أول لقاح مضاد لداء السعار (داء الكلب) بمعهد باستور طنجة. بحيث كان يلبي طلبات المغرب ، و يصدره إلى إسبانيا و جبل طارق‘‘ يوضح محمد كريم، بيولوجي متقاعد من نفس المعهد وعضو المكتب النقابي للجامعة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الإتحاد المغربي للشغل. من تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول فعالية الإجراءات المتبعة بعد التخلي عن "الأمصال" اعتمدت وزارة الصحة على ''فتوى‘‘ طبية للمركز المغربي لمحاربة التسمم الذي تديره البروفيسورة رشيدة السليماني بن الشيخ، التي تناصر بشدة التكفل بالبروتوكول العلاجي بدل الأمصال. البروفيسورة السليماني هي زميلة مجموعة بحث البروفيسور التونسي محمد فكري عبروق الذي تعتبر دراساته مرجعا لمناصري التخلي عن الأمصال. في المقابل أكدت دراسة مهمة للدكتور غاليم والدكتور الحفني على أهمية استعمال الأمصال. وصدرت الدراسة التي أنجزها غاليم والحفني في إطار قسم الأبحاث ضمن وحدة السموم والتسممات التابعة لمعهد باستور، ونشرت سنة 2002 ضمن النشرة 95 التي تصدر عن (société de pathologie exotique) وهي جمعية تأسست سنة 1907 للبحث الأمراض الدخيلة علمية. ولاحظت الدراسة أن تركيز السم يقل بشكل ملحوظ بالنسبة للمصابين الذين تلقوا الأمصال عكس الذين تم علاجهم بدون مصل، وأشارت إلى كمية الجرعات وتوقيتها وعدد من الملاحظات، وهي الدراسة التي يستدل بها مناصرو إنتاج الأمصال خصوصا أنها صدرت ضمن إحدى أعرق وأهم النشرات العلمية ذات الصلة. مقتبس من دراسة الدكتور الحفني والدكتور غاليم رحلة بحثنا ستأخذنا إلى تونس بلد البروفيسور عبروق. غير بعيد عن حديقة ''البلفيدير‘‘ الشهيرة حيث يقع معهد باستور وسط ''تونس‘‘ العاصمة، قبل توجهنا اطلعنا على نشاط المعهد كما اطلعنا على إشادة ضمنية به في تقرير المجلس الأعلى للحسابات في مقارنة بينه وبين معهد باستور المغرب، فالأخير لم يعد ''معهدا متعاونا مع منظمة الصحة العالمية حول داء السيدا وعلى سبيل المقارنة، يعتبر معهد باستور-تونس منذ 2002 كمركز جهوي مرجعي معتمد من طرف منظمة الصحة العالمية فيما يخص مرض شلل الأطفال أو التهاب سنجابية النخاع وكذلك الحصبة (أو بوحمرون). كما يعتبر معهد باستور-تونس ايضا مركزا متعاونا مع منظمة الصحة العالمية ومع خلية الابحاث و التكوين الخاصة بداء الليشمانيات‘‘ (من تقرير المجلس الأعلى للحسابات، مارس 2009، الصفحة 460). في مكتب متواضع داخل معهد باستور- تونس استقبلنا بوجه بشوش الدكتور زكرياء بن لصفر، طبيب بيطري ومفتش بوزارة الصحة التونسية. وحول موضوع بحثنا أكد الدكتور بن لصفر أن باستور – تونس مستمر في إنتاج الأمصال المضادة لسموم العقارب منذ سنة 1956، وأوضح أن ''المصل التونسي مخصص لنوعين من العقارب الأكثر انتشارا في تونس، ويتم تزويد جميع أنحاء البلاد به وهو يعطي نتائج جيدة وحماية جيدة من مجموع أنواع العقارب المتواجدة بها‘‘. وأقر الدكتور بن لصفر بوجود مدرستين متعارضتين فيما يخص موضوع بحثنا، فبينما تدعو ''مدرسة الإنعاشيين‘‘ إلى الاستغناء عن الأمصال والاكتفاء بالتحمل العلاجي عن طريق علاج الأعراض، وهي المدرسة التي تنتصر لها وزارة الصحة في المغرب، تتشبث ''مدرسة المناعيين‘‘ باستعمال الأمصال التي يجب أن تتوفر في وقت مبكر والتي من شأنها أن تخفف من شدة الإصابة وتسمح بتجنب التطورات غير المرغوب فيها. وأشار الدكتور بن لصفر في حديثه إلينا أن ''تجارب ودراسات الإنعاشيين تعاني من خلل أخلاقي بعدم إخبار المريض بسبب خضوعه للعلاج بواسطة المصل أو عن طريق التحمل العلاجي ومميزات ومخاطر كل منهما، فيما الأسوأ هو عدم إخبار المريض أنه سيشارك في تجربة سريرية‘‘. وأضاف ''يجب تسجيل أن العلاج بالأمصال هو العلاج التقليدي المتوفر للمصابين بلسعات العقارب ومن هنا غير مسموح لنا أخلاقيا منع المصابين منه تحت مبدأ الوسائل الملزمة‘‘. رحلة بحثنا عن المصل قادتنا إلى المملكة العربية السعودية التي تعد رائدة في هذا المجال، حيث دفعت الشهرة التي حققها مركز أمصال سعودي، بكل من أميركا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا واليابان، إلى أن تطلب منه كميات من الأمصال المعادلة لسموم العقارب والثعابين، إلا أن المركز التابع لجهاز الحرس الوطني السعودي، المكلف بإنتاج الأمصال المعادلة لسموم الثعابين والعقارب في البلاد، اعتذر عن عدم تلبية طلبات تلك الدول. وأكد محمد الاحيدب المدير العام للمركز، أن أخلاقيات المهنة هي التي دفعته للاعتذار عن طلبات تلك الدول، باعتبار أن الأمصال المنتجة فيه تختص بمعادلة سموم القوارض التي تعيش في بيئة كالبيئة السعودية أو المنطقة العربية بشكل عام. حسب ما أوردته جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ 18 يوليو 2007. حاولنا البحث عن التجربة السعودية في مجال إنتاج الأمصال المضادة لسموم العقارب والأفاعي تطورا مهما منذ سنة 2006، فلم تكن الأمصال المتوفرة قبل ذلك مؤثرة وفعالة، وذلك ما أكده حوار أجرته جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 09 ماي 2009، مع الدكتور عبد الرحمن الأسمري نائب مدير مركز الأبحاث في مستشفى القوات المسلحة السعودية والباحث الرئيسي لمشروع دراسة العقارب في السعودية، أشار الأسمري إلى أن الأمصال لم تكن مؤثرة، وقال في رد على سؤال الجريدة ''نشرت منظمة الصحة العالمية عام 2003تقريرا حول الأمصال، وأشارت فيه إلى أن المعايير العالمية المتبعة في إنتاج الأمصال لم تعد مناسبة بسبب الاختلاف الكبير في صفات السم المستخلص من نفس نوع العقرب أو الثعبان من منطقة لأخرى، وعليه أوصت اللجنة المكلفة بان يكون هناك بروتوكول علاجي لكل منطقة على حسب الأنواع السامة سواء كانت عقارب، ثعابين أو غيرها‘‘. وبينما كانت نسبة الوفيات جراء لسعات العقارب ولدغات الأفاعي تصل إلى 25 في المائة، أكد المدير العام للمركز الوطني لإنتاج الأمصال واللقاحات في الحرس الوطني، محمد الأحيدب، انخفاض نسبة الوفيات بين المصابين بلدغات العقارب والثعابين في السعودية إلى 0%، منذ تأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال واللقاحات. هذا النجاح الذي عرفه المركز السعودي دفعنا للاستفسار لديه حول الموضوع، وكانت أسئلتنا: هل هناك رأي علمي جازم يؤكد بشكل جازم فعالية الأمصال المضادة لسموم العقارب؟ ما رأيكم في الاستغناء عن المصل المضاد لسموم العقارب وتعويضه بالطب السريري عبر توفير الأوكسجين وتوفير أدوية الضغط والقلب ووضع المصاب في العناية المركزة وإن تطور الأمر إدخال المصاب إلى قسم الإنعاش؟ فكان رد المركز مقتضبا '' كصحفي يمكن الرجوع للنشرات العلمية الموثقة والمحكمة مثل توكسيكون ونشرات (WHO)، للإجابة المحايدة على جميع تساؤلاتك‘‘. وجهتنا التالية كانت منظمة الصحة العالمية التي لم تخل توصيات المجلس الأعلى للحسابات من التذكير بضرورة الالتزام بتوصياتها، توجهنا إلى مكتب المنظمة بالرباط، كان سؤالنا حول موقف المنظمة من التوقف عن استعمال الأمصال المضادة لسموم العقارب وطلبنا رأيا علميا حول نجاعتها، لكن ممثل المنظمة لم يقدم جوابا واضحا بل اكتفى بالقول أن ''ذلك مرتبط بسياسة كل دولة على حدة‘‘. قلق الأسئلة الذي كان يحركنا دفعنا إلى البحث عن أكثر من جواب شاف للمنظمة الأمنية المعنية بصحة كل سكان الأرض والتي لم تقدم لنا جوابا واضحا عن أسئلتنا الشائكة. فعدنا إلى بلاغ لها قالت فيه إنه ''تعرّض أكثر من 12 مليون شخص لعضّ الكلاب أو لدغ الثعابين أو قرص العقارب كل عام، فإنّ قدرة العالم على علاجهم لا تزال غير كافية. ويعتمد علاج تلك الحالات بشكل فعال اعتماداً كبيراً على الأمصال العلاجية‘‘. البلاغ الصادر بتاريخ 09 يناير/ كانون الثاني 2007 أعلنت من خلاله المنظمة عن وضع ''خطة خمسية ترمي إلى تعزيز إنتاج الأمصال في البلدان النامية‘‘وشددت على أنه ''لا بد من توفير أكثر من 10ملايين قنينة من الأمصال المضادة للسموم لعلاج لدغات الثعابين ولسعات العقارب في جميع أرجاء العالم، ويجب تخصيص نحو مليوني قنينة منها للقارة الأفريقية وحدها‘‘ حسب نص الوثيقة ولم تستثن المنظمة الأمصال المضادة لسموم العقارب. الجواب الواضح، إن منظمة الصحة تشجع إنتاج الأمصال المضادة لسموم الأفاعي وحتى نظيرتها لسموم العقارب، وهو ضد ما قاله وزير الصحة في المغرب، فلماذا لم يجبنا مسؤولها بالرباط لإعطائنا مسارا جديدا للتحقيق. الاستيراد مدخل للفساد وضياع الأموال منذ قرار التوقف عن إنتاج الأمصال واللقاحات أصبح المغرب يعتمد بشكل كلي على استيراد هذه المواد، وقد وقف تقرير المجلس الأعلى للحسابات على نموذج لنتائج هذا القرار حيث سجلت زيادة في جرعة واحدة للمصل المضاد لسموم الأفاعي بما يعادل الحد الأدنى للمعاشات. ولا تزال بعض جوانب صفقة استيراد لقاحي ''بنومكوك‘‘ و ''روتافيروس‘‘ تثير التساؤلات في المغرب، وتعود القصة إلى سنة 2010 حين قررت وزارة الصحة إدخال اللقاحين في البرنامج الوطني للتلقيح. ووقف التقرير السنوي لسنة 2012 للمجلس الأعلى للحسابات على اختلالات عميقة، حيث أنه أشار إلى أن منظمة الصحة العالمية تعتبر إدخال لقاح البنومكوك في البرنامج الوطني لتلقيح الأطفال أولوية فقط بالنسبة للدول التي لديها معدل وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات يفوق 50 وفاة في كل 1000 ولادة، بينما المغرب لا يدخل ضمن هذه الخانة بمعدل وفيات لم يتجاوز 28 في الألف سنة 2010، أما لقاح الروتافيروس فتوصي المنظمة بإدخاله في البرنامج الوطني بالنسبة للدول التي لا تقل نسبة وفيات الأطفال بسبب الإسهال 10 في المئة والمغرب لا يدخل أيضا ضمن هذه الفئة بنسبة أقل بكثير. وحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات فقد تم تمويل المرحلة الأولى من الصفقتين سنة 2010 بمبلغ 640 مليون درهم كانت في الأصل مخصصة لبرنامج نظام المساعدة الطبية المخصص للفقراء والمعروف اختصارا ب ''راميد‘‘، فيما تم تمويل المرحلة الثانية سنة 2011 بعد تحويل مبلغ يفوق 350 مليون درهم كانت في الأصل مخصصة لشراء المنتجات الصيدلية والمستلزمات الطبية، وهو ما خلف نقصا حادا بعد تحويل الاعتمادات المخصصة لشراء تجهيزات وأدوية 141 مستشفى وصرفها على اللقاحين المذكورين. ومما سجل على الصفقة، فضلا عن ضياع مبالغ هامة كانت مخصصة لعلاج المرضى، تجاوز منظمة الصحة العالمية وعدم استشارة منظمة اليونسيف ثم عقد اتفاقية-إطار مع مختبرات تحوم حولها شبهات وفضائح كشركة كلاكسو التي صدر بحقها حكم قضائي في الصين بدفع غرامة 490 مليون دولار بسبب دفعها رشاوى لأطباء ومستشفيات للترويج لمنتجاته(اضغط هنا لمزيد من المعطيات) فضلا عن إدعاءات بالفساد في الإمارات (اضغط هنا لمزيد من المعطيات). ما الذي نحتاجه وما الذي ننفقه؟ لا يكف المطالبون بعودة المغرب إلى إنتاج أمصاله ولقاحاته الخاصة عن التذرع بتخفيف العبء عن ميزانية الدولة، فقد أكد علي لطفي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة ''لو أن معهد باستور أعاد فتح وحدة إنتاج الأمصال واللقاحات هذا سيخفف من العبء على ميزانية الدولة، كما أنه سيتمكن من تحقيق اكتفاء ذاتي، وهذا سيقلص من نسبة الأمراض وكذلك نسبة الوفيات، فدور معهد باستور دور أساسي وكل الدول تعمل على هذا الأمر‘‘ وضرب لطفي مثلا بتونس التي اعتبرها متفوقة جدا في هذا المجال. تخفيف العبء عن الميزانية العمومية دافع جيد للبحث عن حجم الإنفاق في هذا المجال وإجراء حسابات البدائل وكلفتها، لهذا كان طلبنا لوزارة الصحة ومعهد باستور، المكلف حسب الظهير المؤسس له بتزويد السوق المحلية باللقاحات والأمصال الضرورية، تقديم معطيات عن الأمصال واللقاحات التي يحتاجها المغرب، وثمن اللقاحات وكم يكلف هذا الأمر ميزانية الدولة؟ لم نتلق ردا من وزارة الصحة ومعهد باستور كان خارج التغطية، لكننا تمكنا من الحصول على وثيقة تبين جانبا من مبيعات المعهد من الأمصال واللقاحات لسنة 2007. تشير الوثيقة التي حصلنا عليها إلى أن المعهد باع ما يقارب 200 ألف جرعة لقاح ضد الزكام، وأزيد من 36 ألف جرعة مضادة للحمى الشوكية أو التهاب السحايا، وعددا من اللقاحات التي لم يسبق للمعهد إنتاجها، لكن الأرقام التي تشير إلى اللقاحات والأمصال التي بوسعه إنتاجها ليست قليلة. وثيقة تظهر حجم مبيعات معهد باستور من الأمصال بالدرهم عام 2007 يؤكد خبراء بيولوجيون اشتغلوا في وحدة إنتاج الأمصال واللقاحات التابعة للمعهد أن المغرب كان في السابق يحقق اكتفاءه الذاتي، وحسب نفس الوثيقة فإن مبيعات معهد باستور سنة 2007 من اللقاح المضاد للكزاز أو التيتانوس بلغت أزيد من 22 ألف جرعة، فيما بلغ حجم مبيعات الأمصال المضادة لنفس الداء 196 ألف جرعة فيما تعرف هذه الأخيرة انقطاعا متكررا خلال السنوات الأخيرة. وبلغت مبيعات المعهد من اللقاح المضاد لداء الكلَب أو السعار 300 ألف جرعة إضافة إلى 9 آلاف جرعة من المصل المضاد لنفس الداء. ''هذه أمصال ولقاحات بوسعنا إنتاجها هنا في المغرب على غرار الجزائروتونس، إضافة إلى الأمصال المضادة لسموم العقارب والأفاعي، إن تم إعادة فتح وتأهيل وحدة الإنتاج‘‘ يقول محمد كريم خبير بيولوجي متقاعد من معهد باستور. ويؤكد ''لقد كنا ننتجها بالفعل في السابق قبل إقبار وحدة الإنتاج‘‘. بعد حصولنا على الوثيقة السالفة الذكر أصبح همنا هو تحويل هذه الجرعات إلى أرقام والوصول إلى تقدير المبلغ الذي صرفه ويصرفه المغرب لهذا الغرض، أصبح بحثنا متركزا حول ثمن الأمصال واللقاحات الواردة في اللائحة، وحيث أن وزارة الصحة ومعهد باستور لا يتجاوبان كانت وجهتنا التالية هي الجهات الموردة لنكتشف أن هذه المعلومات محاطة بسرية تامة. دوامة التكتم: ما الذي تخفونه؟ لم يتأخر رد ''سانوفي باستور‘‘ من فرنسا، على مراسلتنا التي طلبنا من خلالها معلومات عن أثمنة المواد المضمنة في الوثيقة، فقد وصلنا بريد إلكتروني يرد على سؤالنا بسؤال ''متى موعد إصدار الجريدة؟ Pourriez-vous m'indiquer quelle est votre date de bouclage ? ‘‘ أوضحنا مواعيد النشر وكررنا طلبنا لنتلقى ردا ثانيا يخبرنا أنه تم تحويل طلبنا إلى مدير الاتصال على المستوى المحلي بالمغرب، ''نظرا لأن المعلومات المطلوبة تتم معالجتها على مستوى الجهات/ الدول‘‘. استبشرنا بالرد واعتقدنا أننا وصلنا إلى نهاية النفق، ووصل رد مدير الاتصال يطلب رقما هاتفيا للتواصل معنا ومدنا بالمعطيات اللازمة، ثم بعد تبادل عدة إيميلات بيننا توصلنا أخيرا بلائحة للأثمان، لكن كانت خيبتنا كبيرة حين وجدنا أن اللائحة لا تتضمن ولو لقاحا أو مصلا من لائحة الأمصال واللقاحات التي طلبنا ثمن توريدها. عاودنا مراسلة مدير اتصال ''سانوفي‘‘ بالمغرب، وأوضحنا مرة أخرى أن طلبنا يتعلق بأثمنة توريد المواد المبينة في اللائحة التي أرسلنا له، فكان رده هذه المرة قاطعا ومقتضبا جدا ''نحن لا نعطي سوى ثمن البيع للعموم‘‘. بعد هذا الرد المخيب للآمال راسلنا مرة أخرى المسؤولة عن الاتصال ل ''سانوفي‘‘ بفرنسا، أوضحنا أن طلبنا محدد في مراسلتنا ويتعلق بالأثمنة التي يوردون بها الأمصال واللقاحات للمغرب، كررنا التأكيد على المواد الموجودة في اللائحة، هذه المرة لم نتلق جوابا من فرنسا بل رسالة صارمة من مدير الاتصال بالمغرب ''تبعا لمراسلتكم إلى السيدة ج.ج بتاريخ 06/06/2016 نؤكد لكم أننا نعطي فقط ثمن البيع للعموم لأمصالنا ولقاحاتنا‘‘ وكان الرد أشبه بصفق الباب دون رحمة في وجهنا. تييري بودان Thierry Bodin، وهو مندوب نق