اندهش الرأي العام من خبر دعوة مجلس التعاون الخليجي انضمام المغرب لحظيرته... وسال مداد المحللين، والخبراء، والمستشرفين، لاستكشاف أسرار الحدث الغريب. ومعظم الناس لا يكلف نفسه عناء الغوص في خلفيات وملابسات الخبر المفاجئ. ومنهم من يميل إلى إجمال القول عبر المثل القائل: "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب". وعقلاؤهم يميلون إلى حكمة أكثر جدية : إذا عرف السبب بطل العجب... شيء من التاريخ القريب لاكتشاف السبب: في بداية العقد الثامن من القرن الماضي كان حاج بيت الله، يمكنه الاستماع في مكة إلى علماء المقاومة في أفغانستان، وعلماء حركة الإخوان المسلمين، وكذلك علماء الثورة في إيران. فيظن أنه في "هايدن بارك" في لندرة، لا حدود لحرية التعبير، ولا مضايقات، ولا تكميم لأفواه المسلمين من لدن السلطات السعودية... ولربما تشكل ارتسام عند الحاج آنذاك: أن لا فرق في أهداف، ومواقف، وبواعث، وضوابط الصحوة الإسلامية، بين السنة والشيعة، وبين العرب والعجم. وأن المسلمين بدأوا يرجعون إلى نبع الإسلام الأصيل، الذي "لا فضل فيه لعربي على عجمي إلا بالتقوى". بل يغلب على تصور الحاج في تلك المواقف العظيمة، أن انبعاث الأمة سينطلق إلى عنان السماء بجناحين اثنين: أحدهما تمثله الحركة السنية، والآخر الحركة الشيعية. وسيلتقيان بداية في التحالف ضد العدو المشترك الذي يريد تحريف دينهم، ومسخ هويتهم، والسيطرة على عقولهم وعلى ثرواتهم؛ ونهاية لبناء صرح الأمة من جديد، والرجوع إلى عهد الخلافة الإسلامية التي قضت عليها العلمانية في تركيا سنة 1925. تلك أماني الحاج حينئذ، وذاك هو التصور الشائع لمصير التيار المضاد للادينية العلمانية التي تنخر بلاد المسلمين. ما ظن أحد أن مكائد أعداء الأمة سوف تحاول قص الجناحين معا، وسوف تجد من العملاء من ينفذ مخططاتها لتمزيق جسدها، ولتكريس تخلفها وتبعيتها إلى العقل الصهيوني الذي يسعى في الأرض فسادا، همه إشعال نار الحروب، من أجل الاسترزاق بها، والارتواء " الصادي " بدمائها ... بعد بضع سنين ستفجع الأمة بخبر تسخير صدام حسين لقص جناح الصحوة الإسلامية الشيعي، فكان غزوه المشؤوم لإيران... الذي دشن سلسلة أحداث جرَّت ولا تزال تجر الويلات على المسلمين وعلى العالمين أجمعين. بعد إيران غزا هذا الغبي الدموي الكويت... وضربت صواريخه خبط عشواء السعودية وإسرائيل... فاستنجد أمراء الجزيرة بالأمريكان... وأمرتهم إسرائيل بتأديب ذلك الوحش الكاسر الذي خرج عن السيطرة، فانقلب على أسياده الذين سخروه لضرب إيران، فصار يعضهم يمنة ويسارا... وهكذا استباح الأمريكان بلاد وثروات العرب، وحلت جيوشهم الجرارة بالجزيرة العربية... فانبرى من بين العرب ذلك التيار الذي كان قد هزم الشيوعيين في أفغانستان: لقد تدمروا من وجود الصهاينة والأمريكان فوق أرض النبوة وفي أطرافها... فأعلنوا الحرب المفتوحة على الغزاة الأمريكان... فدمروا برجي نيويورك، ومقر قيادة القوات الأمريكية في العاصمة الأمريكية... فكانت ردة فعل "بوش" الفيل الجريح المذعور، الذي يحطم كل شيء جاء في طريقه: كان غزو أفغانستان والعراق... وكان ما كان إلى يومنا هذا من مآسي وإرهاب وأشجان... ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم... فيبدو أن مخاض الصحوة الإسلامية في مشرقنا المكلوم ليس بالهين. سقطت عليها التحديات من كل جانب وارتفع سقفها، وتشابكت الأحداث، واختلط حابل الإعلام بنابله، وتضببت الرؤية وتعسر فهم ما حدث ... إلا على من توسل مفاتيح القرآن والسيرة النبوية أدوات لتحليل الواقع المنكوب، ولاستشراف ما ستصير إليه الأمور... ولربما هناك من الأمريكان من بدأ يشعر أن العقل الشيطاني الموجه لهم ورطهم في اللعنات التي تتنزل على من قال في حقهم رب العباد الذي لا يظلم أحدا: ( ... كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة:64) . والتحليل الصحيح لما حدث، أتى كذلك حكمة عقلية تفتق عنها فهم أحد المسؤولين الكبار في وزارة الحرب الأمريكية: قال: " يبدو وكأننا فقدنا عقلنا وأصبحنا خداما للدولة الإسلامية في إيران، نحقق لها جميع أهدافها الاستراتيجية." وأمضى مفتاح لفهم ما جرى، هو الحديث القدسي المعروف في صحيح البخاري: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب... الحديث"... والولي في نظر كل مستبصر متجرد عن الهوى، هم ورثة الأنبياء : علماء الصحوة الإسلامية السنية، وكذلك الأئمة القائمون من آل البيت في إيران. ومن عاداهم هو التيار "الصهيوإنجيلي"، وخدامه القوميون العلمانيون الأغبياء، من أمثال صدام ومن تبعه من قتلة أهل القبلة، وممولوهم من أمراء النفط الذين ضيعوا أموال شعوبهم الطائلة، لمساندتهم في حرب إبادة الشيعة والأكراد . فضرب الله الظالمين بالكافرين، ثم انتقم ولا زال ينتقم من الجميع. وذلك نموذج من نماذج الكيد الرباني الذي لا يضاهى: ( ... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (لأنفال:30) . و" إذا أراد الله نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم فإذا أنفذ قضاءه وقدره رد عليهم عقولهم ليعتبروا" كما جاء في الأثر. التاريخ يعيد نفسه: وهم اليوم ربما يريدون إعادة التاريخ نفسه، بتعديل بسيط: يعهد للجيش المغربي، ذلك الدور الخسيس الذي أداه الجيش العراقي بقيادة صدام في غزوه لإيران. فهل سينبطح العقل العربي مرة أخرى أمام العقل الصهيوني؟ وهل سيسقط الجيش المغربي في الفخ الذي سقط فيه جيش صدام المشنوق بحبل أخلائه؟ وما هو مصير الأنظمة الملكية المنفذة للمكيدة، بعد تخليهم عن واجبات إقامة الدين كله، كي لا تكون فتنة وفساد في الأرض كبير؟ وما هو وقع هذه المخططات الشيطانية على القضايا المصيرية الكبرى كضياع القدس برهة قصيرة من الزمن واسترداده بعد صولة الحق، ونصرة الدين على يد المسلمين العجم، الفرس والترك والأقباط والأمازيغ وغيرهم؟ وغيرها من التنبؤات الشرعيّة القطعية التي سنناقشها إن شاء الله في عنوان لاحق. فلربما صور إبليس لملوك الطوائف الجدد، أن طاعة العقل الصهيوني المتمرد على الرسل وما أنزل إليهم من تعاليم ربانية، صار من الضروريات لحماية عروشهم من التداعي كما تداعى إيوان كسرى... فأقبلوا متهافتين على مشروعهم الداعي لتوريط الشعوب المسلمة، وتأديبها في حروب داخلية، تشغلهم عنهم وعن المطالبة بحقوقهم المشروعة. فذاك هم الملاذ الآمن ضد رياح التغيير التي تهب على المنطقة في هذه الأيام المباركة، تجتث بقوة روحية سلمية أنظمة الفساد والاستبداد. ولربما تصور بعضهم في المغرب أن الحلول الجذرية لمشاكل انعدام فرص تشغيل الشباب، هي الزج بهم، خاصة الشباب الأمازيغي، في صفوف القوات المسلحة المرشحة لفتح جبهة الحرب الكونية على إيران، كما فتحوها على الأمبراطورية العثمانية في بداية القرن الماضي. ولربما سال لعاب بعض السفهاء المغاربة، فتخيل البصقة بترودولارا يلمع في أفقه الضيق المظلم. ولربما صور إبليس لقادة الغرب أن الكساد سوف يستفحل في بلدانهم، إن لم يكن هناك من سيستعمل السلاح المفروض على السعودية شراؤه منهم ... نظرا لكثافتها السكانية المتدنية... ولربما تكهنوا أن ملايين الأرواح سوف تزهق بسبب القوة الضاربة الإيرانية المدعمة من قبل قوتها الذاتية، ثم من سوق الأسلحة الصينية وكذلك الروسية... فرأوا أن الأولى أن تكون جبهات القتال مفروشة بقتلى الجيش المغربي الأمازيغي، فأرواحهم أرخص بكثير من أرواح غيرهم... وقس على ذلك من مخططات لا تصدر إلا عن العقل الشيطاني المهوس بإشعال نار الحروب بين المسلمين ... والنبأ العظيم الذي هم عنه منشغلون، هو أن الإرادة الربانية تكون لهم دائما بالمرصاد: تدبيرهم الشيطاني يكون دائما هو السبب في تدميرهم. والتدمير سوف يعم حلفهم ومن شاركهم في الجريمة... أولئك الذين سخروا من أمر الله في الحذر من موالاة حلف الشيطان... وسوف يشرف الله بحمل رسالته العجم المسلمين، فينقلبوا إلى بلدانهم منتقمين ممن ظلمهم بالزج بهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولاجمل... وهي المعاني الواضحة المعنى والكاملة المبنى، في محكم التنزيل الذي هم به يستهزئون: قول ربنا الخبير الحكيم: {{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ(52) }}... ومباشرة يخبرنا رب العزة والجبروت عن دور المسلمين العجم عندما يتخاذل العرب عن حمل الرسالة، قوله تعالى: {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}} " سورة المائدة ". صدق الله العظيم. ولتجدن أكثرهم يسخرون من هذه الحقائق القرآنية الخالدة بسبب طمس أصابهم في الفهم. فلربما كانوا هم المعنيين بقوله تعالى : {{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }} " الزمر 45 ". وفي هذه الحال، لا ملجأ ولا منجى إلا طلب الهداية إلى الصراط المستقيم لأمتنا لما تشعبت بها السبل. وهو المعنى الذي جاء في الآية الموالية : {{ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}} " الزمر 46 ". وقد أرشدنا الحبيب المصطفى في مثل هذه الظروف أن نكثر من الدعاء التالي : "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم." " رواه مسلم "...