25 يوليوز, 2016 - 02:05:00 لم يكن اسم الوالي عبد الوافي لفتيت، يحتاج إلى "صفقة" بيع "مشبوهة"، أو إلى بلاغ ناري مشترك صادر عن وزيرين لهما ثقلهما داخل الحكومة تبثه الوكالة الرسمية للأنباء، ليعرف عامة الناس بوجوده، ويعي رعاع الشعب وهَوامُه بأن في مملكتهم السعيدة، يُصنف "الرعايا" أنواع وطبقات. إسم لفتيت لم يقفز فجأة إلى عناوين الصحافة بكل مشاربها الرقمية والورقية، فقد كان الرجل في مقدمة المشهد عندما قاد باسم الحكومة ونيابة عنها المفاوضات مع الأساتذة المتدربين لإعادتهم إلى مقاعد أقسام تكوينهم. وللمفارقة، ففي نفس الفترة التي كان يعقد فيها الوالي لفتيت لقاءاته الماراثونية مع الأساتذة المتدربين، وجد الوقت الكافي ذات يوم 2 فبراير 2016 ليبرم صفقة العمر ويشتري بثمن بخس البقعة الأرضية التي وضعت تحت كاشفات الضوء. وقبل ذلك ظهر الرجل في أول استقبال ملكي له عندما كلفه الملك محمد السادس بتولي مشروع إعادة هيكلة ميناء طنجة وتحويله إلى مرسى ترفيهي ومارينا ترسو فيه يخوت "أثرياء الوطن". وسيٌذكر اسم لفتيت أيضا مقرونا بتقرير أسود صاغه قضاة "المجلس الأعلى للحسابات" عن مشاريع ضخمة في إقليمالناظور لم ترى النور، وكان لفتيت آنذاك عاملا على الإقليم الذي حلم سكانه بتحويله إلى منطقة جاذبة تنافس "كوسطا دل صول" (ساحل الشمس) بالجنوب الإسباني. وسيتكرر اسم "لفتيت" مرة أخرى، لكن هذه المرة مقرونا بشقيق الوالي الأكبر، عندما سيخلف أنس العلمي، على رأس امبراطورية "سي دي جي" (صندوق الإيداع والتدبير) الذراع المالي للدولة ورأس حربتها في مشاريع "الأوراش الكبرى" التي تدخل في إطار "برامج الملك" مقابل "برامج الحكومة". "البلدوزر" يوصف الوالي لفتيت بأنه "بلدوزر" ليس لكونه "ماكينة" عمل جبارة، وإنما للسلطة التي تعطى له لتنفيذ مشاريع ملكية على أراض تتطلب إخلاءها من سكانها الشرعيين ب "قوة السلطة"، وليس ب "قوة القانون". سيتم تكليفه بالمركز الوطني للاستثمار لجهة طنجة سنة 2002، وهناك سيتم تدبير الملف القانوني لشركة طنجة المتوسط، ثم سيتم تكليفه في سنة 2003 بعمالة الفحص لنجرة، العمالة التي أنشأت خصيصا لمواكبة مشروع طنجة المتوسط. من المعلوم أن هذا المشروع واكبته منذ بداياته تعديات كبرى على الملكية العقارية لآلاف المواطنين، الذين أنتزعت منهم ملكياتهم العقارية وخارج قانون نزع الملكية حيث كانوا يجبرون على إبرام تسميات ودية مع شركة طنجة المتوسط قسراً بدعوى أن المشروع يتم تحت رعاية الملك، وبالتاويتم تهديدهم بعرقلة "مشروع ملكي"، ويطلب منهم الذهاب إلى المحكمة للمنازعة في التعويضات الهزيلة المقترحة من طرف الشركة من أجل نزع ملكيات عقاراتهم. فيكون عليهم أن يقبلوا بالتسوية المفروضة وأن يتنازلوا عن مساطرهم التي يضمنها القانون أمام المحاكم. وقد أحدثت هذه "التسويات" القسرية ضجة سياسية عندما قامت النائبة فاطمة بلحسن عن حزب "العدالة والتنمية"، بطنجة بالتنديد بالتعدي على الملكيات العقارية للمواطنين عام 2004. وهو ما سيستدعي أن إصدار الوكيل العام بطنجة آنذاك (الحسن الداكي، الوكيل العام للرباط الحالي) بيانا ينفي فيه ذلك، دون فتح أي تحقيق قضائي في الموضوع. صدر البيان بإيعاز من كاتب الدولة في الداخلية آنذاك، وتم إبلاغ حزب "العدالة و التنمية" بإنزعاج المحيط الملكي من الموضوع، فتم إغلاقه إلى أجل غير مسمى. أما في إقليمالناظور فكل ما قام به العامل لفتيت هو هدم العديد من المنازل بدل ترميمها، وأغلبها مباني قديمة كانت شاهدة على فترة الاستعمار الإسباني للمدينة تشكل إرثا ثقافيا وتاريخيا بها. حيث قام بهدم أجزاء من مقر البلدية السابق، وهدم عدد من منازل الجنود بالقرب من كورنيش الناظور، والتي كان يقطنها ناظوريون لديهم ملكيات تسليم من طرف الاسبان، وقد كان العامل السابق خلال عمليات الهدم، يدك المنازل أولا، وبعد ذلك يطلب ترخيص الهدم، وهي الواقعة التي حصلت مع أحد كبار المنعشين العقاريين بالمنطقة، والذي قام ببناء إحدى العمارات التي لم ترق ذوق العامل، لكونه خبير في الهندسة، حيث طالبه بالتقوف عن أشغال البناء ريثما يتم تصحيح الوضعية، الأمر الذي لم ينصع له المنعش العقاري، وهو ما جعل لفتيت يعتبر الأمر تحديا شخصيا له، حيث انتهى الصراع بين الطرفين بهدم العمارة بدون ترخيص من البلدية، ليقوم لفتيت بعد ذلك بالاتصال برئيس البلدية السابق ويأمره بتوقيع رخصة هدم بتاريخ قبلي. الإستيلاء بدل النزع القانوني سينبني المسار المهني للفتيت على أخذ مسؤوليات السلطة التي تتطلب تجريد الخواص من ملكياتهم العقارية من أجل إنجاز مشاريع يشرف عليها الملك. فتعيينه على رأس عمالة الناظور سيكون من أجل مواكبة تجريد الخواص من عقاراتهم اللازمة لإنجاز مشروع "مارشيكا"، عبر استعمال نفس الأسلوب الذي استعمله في طنجة. ثم سيتم وضعه على رأس الشركة التي أنشأت من أحل تهيئة منطقة الميناء التاريخي لمدينة طنجة، وهي مهمة تتطلب حيازة وعاء عقاري مهم وتصفيته من حقوق الخواص. تقوم طريقة لفتيت في حيازة عقارات الخواص والتي يعتبرها البعض بأنها كانت عنصرا محددا من أجل إستقدامه لمدينة الرباط، في خرق قوانين نزع الملكية، والتي أفردت لها جميع دساتير العالم حماية خاصة. تقوم هذه الطريقة على عدم سلوك مسطرة نزع الملكية، و إنما الاعتداء المادي على الملكيات الخاصة. حيث يحوز الوالي العقار دون اللجوء إلى مسطرة إصدار مرسوم رئيس الحكومة باقتراح من الوزير المعني من أجل إعلان المنفعة العامة التي تبرر اقتناء العقار المعني، وهي مسطرة طويلة لحماية للملكية، كما أنه يختصر مسطرة التقاضي الخاصة بالمنازعة في التعويض المقترح للخواص مقابل عقاراتهم. فبعد الاعتداء المادي يلجأ مالكو العقارات إلى المحكمة الإدارية للمطالبة بالتعويض المادي عما لحقهم من اعتداء، ليستصدروا أحكاما بعد ضياع عقاراتهم، وأغلبها أحكام قد تكون غير قابلة للتنفيذ. في حين أن مبدأ نزع الملكية يقوم على وجوب إثبات المنفعة العامة، والتعويض العادل، والناجز والسريع مقابل فقدان الملكية. أيضا، طريقة لفتيت في "انتزاع" الملكية الخاصة تتم من خلال "التعدي على القانون" بسحب اختصاص تحديد المنفعة العامة من الحكومة ورئيسها، وسحب صلاحية توفير الاعتمادات المالية اللازمة لاقتناء العقارات من البرلمان، ومن الآمرين بالصرف المختصين لفائدته، فهو يحصل على العقارات دون أن يتوفر على سعرها، ودون اتفاق مسبق مع الجهة التي ستتحمل كلفتها عند صدور دعاوي التعويض. وهو ما يقع حاليا مع العديد من المدن والجماعات، كمدينة طنجة التي تواجه أحكاما بالتعويض قد تؤدي إلى إفلاس المدينة بسبب قرارات اتخذها الوالي لفتيت، في مجال التعدي على أملاك الخواص، وهو ما قد تتعرض له في المستقبل مدن أخرى كالرباط التي أٌعطي للوالي لفتيت مشروع تحويلها ب "قوة السلطة" إلى "مدينة للأنوار" رغم أنفها وعلى حساب ممتلكات خواصها. "حزب البون إي شوصي" والوالي لفتيت، هو من أقطاب ما كان يسميه امحمد الخليفة، القائد الاستقلالي، الذي اختفى عن الأنظار ب "حزب البونشو إي شوصي"، تم استقطابه من المكتب الوطني للموانئ على عهد الوالي حلاب ( أحد أقطاب نفس الحزب) عندما كان واليا على طنجة عام 2002، ضمن شبكة مهندسي القناطر التي أسسها الزعيم الروحي لهذا الحزب التكنوقراطي محمد مزيان بلفقيه الذي وجه كل استثمارات الدولة الكبرى في بداية عهد الملك محمد السادس إلى مدن الشمال والشرق التي يتحذر منها (من منطقة تاوريرت)، طنجة والناضور والحسيمة والسعيدية، انطلاقا من أن الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في عهد الملك الراحل في منطقة الصحراء كٌلفتها أكثر من مردودها. ازداد لفتيت في 29 شتنبر 1967 بتافريست بمنطقة الناضور، وهو حاصل على دبلوم مدرسة البوليتكنيك بباريس سنة 1989 ودبلوم المدرسة الوطنية للقناطر والطرق سنة 1991 ، بدأ مشواره المهني بفرنسا في المجال المالي قبل أن يلتحق بمكتب استغلال الموانئ ليعين بين سنتي 1992 و2002 على رأس مديرية الموانئ على التوالي بكل من أكادير وآسفي وطنجة. وبتاريخ فاتح ماي 2002 تم تعيينه مديرا للمركز الجهوي للاستثمار بطنجة - تطوان. وفي 13 شتنبر 2003، عين عاملا على إقليم الفحص - أنجرة، قبل أن يعين في أكتوبر 2006 عاملا على إقليمالناظور، وهو المنصب الذي ظل يتولاه إلى أن عين واليا على جهة الرباط - سلا - زمور - زعير بتاريخ 9 مارس 2010، ورئيسا مديرا عاما لشركة مشروع الرباط مدينة الأنوار لأن والي مدينة الرباط يتمتع بوضع خاص حيث أنه هو الآمر بالصرف وليس عمدة المدينة. "مشاريع لم تكتمل" كل المشاريع التي أسند الإشراف عليها إلى الوالي لفتيت تم تنقيله منها وهي لم تكتمل أو تعيش مشاكل عويصة كان هو السبب فيها. فمشروع مارينا وكورنيش طنجةالمدينة بدأه وتم تنقيله قبل أن ينتهي، وأسند إليه مشروع آخر هو "مارتشيكا ميد" بمنطقة الناظور، وتم تنقله وترك المشروع يتخبط في المشاكل التي كان لفتيت ورائها. وفي كل العمالات والأقاليم التي مر منها لفتيت، لا يتذكره سكانها إلا بالخراب الذي أنزله ببعض سكانها. من عملة الفحص نجرة بطنجة إلى كورنيش طنجة ومدينة الناظور وأخيرا بالرباطوسلا.. إنه مثل "الزلزال" كما وصفه أحد المواقع الرقمية بمدينة البوغاز لا يخلف ورائه سوى الدمار والحطام. أما سكان مدينة الناظور فأصبحوا يصفون شارع محمد الخامس بالمدينة بشارع المطبات. فهذا الشارع الذي ظل صامدا منذ عهد الاستعمار تحول إلى مطبات وحفرا بسبب الغش في الأعمال التي تمت به في عهد العامل عبد الوافي لفتيت. تقرير أسود وفي عام 2011 أعد "المجلس الأعلى للحسابات" تقريرا عن إقليمالناظور، وصف ب "التقرير الأسود". التقرير يتناول الفترة بين 2007 و 2010، وهي الفترة التي كان لفتيت يتولى فيها منصب المسؤول الأول بالإقليم، أكد أن العشرات من المشاريع التي عرفها هذا الإقليم لم تخضع للمعايير المعمول بها، وهو الأمر الذي فضحته فيضانات عام 2008 التي كشفت عن الزيف والغش في الكثير من تلك المشاريع خاصة ما يتعلق منها بالبنية التحتية. أما أموال تمويل تلك المشاريع الضخمة التي كانت توضع تصرف لفتيت في طنجةوالناظور وحاليا الرباط (تسعمة ملايير لمشروع مدينة الأنوار)، فلم تصدر حتى الآن أية تقارير عن كيفية صرفها، وكل مشاريعها كان يتم تفويتها بدون صفقات عمومية في غالب الأحيان لنفس الشركات أو لشركات تولد من عدم على مقاس المشاريع التي تمنح لأصحابها.