29 يونيو, 2016 - 05:51:00 لأول مرة منذ دستور 2011، يثار النقاش حول دور المؤسسة الملكية في التنافس السياسي القائم بين الأحزاب السياسية المعترف بها. فالنقاش الذي كان محصورا بين قلائل من رموز النخبة المغربية ممن مازالوا قادرين على النقد، ويتردد صداه همسا في بعض الصالونات السياسية المغلقة في الرباط والدار البيضاء، ويدور عن احتمال وجود "دولة عميقة" داخل الدولة في المغرب، خرج إلى العلن، وهذه المرة على لسان أشخاص كانوا حتى الأمس القريب ينتقدون كل من يتحدث عن وجود قوى نافذة داخل الدولة و"حكومة ظل" بصلاحيات تنفيذية واسعة، إلى جانب الحكومة الرسمية. تصريح بنكيران هذا النقاش انطلق بتصريحات صادرة عن عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، الذي تحدث لأول مرة في لقاء علني عن وجود دولتين داخل الدولة المغربية، دولة وصفها ب "الدولة الرسمية" يرأسها الملك محمد السادس، ودولة أخرى قال إنه لا يعرف من أين تأتي بقراراتها وتعييناتها، مع العلم أن الدستور المغربي كان واضحا في تقسيم مهام التعيينات في المناصب الكبيرة داخل الدولة ما بين المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك بحضور رئيس الحكومة وأعضائها، ومجلس الحكومة الذي يحسم في قراراته رئيسها. ونفس الشئ يكاد ينطبق على قرارات الدولة التي من المفروض أن يحسم فيها داخل نفس المجلسين. لذلك تمت قراءة تصريحات بنكيران على أنها تلميح إلى وجود دولة أخرى داخل الدولة "الرسمية"، تنافسها وتزاحمها في صلاحياتها. حديث بنكيران جاء في سياق هجومه على غريمه السياسي حزب "الأصالة والمعاصرة"، وفي أفق السباق المحموم الذي بدأ قبل أوانه نحو استحقاقات 7 أكتوبر المقبل. فالنسبة لبنكيران فإن فوز حزبه، المحسوم بالنسبة إليه، في تلك الاستحقاقات سيكون من مصلحة البلد ومن مصلحة "الدولة الرسمية" التي يرأسها الملك، وبالمقابل فإن كل نتيجة عكسية ستكون في صالح "دولة الظل" التي وصفها بنكيران بدولة "التعيينات والقرارات". تساؤل البقالي وقبيل تصريح بنكيران، صدر تصريح آخر لا يقل أهمية عنه، لفاعل سياسي آخر هو عبد الله البقالي، القيادي في حزب "الاستقلال"، ومدير عام الجريدة الناطقة بالحزب، عبارة عن تساؤل حول الموقع الذي يقف فيه الملك في الصراع القائم بين حزبه وما وصفه ب "التحكم"، في إشارة إلى حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، المستشار الخاص للملك محمد السادس. البقالي ذهب أبعد من بنكيران عندما اعتبر النقاش السياسي الدائر حاليا، ويقصد الصراع ما بين حزبه وحزب "العدالة والتنمية"، من جهة، وحزب "الأصالة والمعاصرة" من جهة، هو إلهاء للطبقة السياسية عن الصراع الحقيقي الذي قال إن "مؤسسة قوية هي التي تدير هذا الصراع (الصوري والمزيف) وتستفيد من النقاش الدائر حوله". وطرح البقالي السؤال الذي يردد صداه داخل بعض الصالونات السياسية في الرباط عندما قال: "أتساءل إذا كانت المؤسسة الملكية معنية بهذا التحكم؟". هجوم الشرعي الجواب عن سؤال البقالي وتصريحات بنكيران لم يتأخر كثيرا، وصدر على شكل مقال افتتاحي هجومي في جريدة "الأحداث المغربية"، بتوقيع من صاحب المجموعة الإعلامية التي تصدرها، أحمد الشرعي، المعروف بقربه من مسؤولين نافذين داخل الدائرة الصغيرة لصنع القرار في المغرب. مقال الشرعي، الذي أعيد نشره على أحد الموقع الإلكترونية التابعة لمجموعته، حمل اتهامات خطيرة للرجلين معتبرا أن كلامهما من شأنه المس ب "استقرار البلاد"، الذي يقوم حسب رأيه على "استمرار المؤسسة الملكية"، ووصف تصريحاتها ب "المشككة" في دور المؤسسة الملكية عندما كتب بأنه حتى "خلال مظاهرات 20 فبراير، لم تكن المؤسسة الملكية أبدا محل تشكيك في حد ذاتها." وذهب الشرعي أيضا إلى حد اعتبار أن تصريحات بنكيران والبقالي تطرح مدى تحليهما بالمسؤولية في عملهما السياسي عندما يتحدثون عن ما وصفها ب "دولة الظل"، قبل أن يتساءل "باسم ماذا يتم إقحام المؤسسة الملكية في هذا النقاش، والتحدث عن قوى غامضة، والتي حسب بنكيران حتى الملك لا يتحكم فيها؟ هل هذا يعني أن الملكية هي تحدي في الانتخابات المقبلة؟ إذا صوت المغاربة ضد الأصالة والمعاصرة، ما هو الدرس الذي يجب استخلاصه؟" ووصف الشرعي هذه الاستراتيجية الانتخابية بأنها "خطيرة وخرقاء على حد السواء"، متسائلا مرة أخرى "هذان الحزبان يدعيان أن هناك قوة خفية تتجاوز كل المؤسسات. إذا كان الأمر كذلك فلماذا سيكون على المواطنين الذهاب والتصويت على مؤسسات تمثيلية، لن تكون سوى كومبارسات؟ هل هذا هو الموقف الصحيح لتقوية الانخراط الشعبي في البناء الديمقراطي؟". وفي خلاصة مقاله يصل الشرعي إلى مربط فرسه عندما يكتب: "قادة الأحزاب الحاليين يهبطون بالنقاش نحو الحضيض. لا العدالة والتنمية، ولا الاستقلال يملكان رؤية استراتيجية". وبانتقاد لاذع لرئيس الحكومة، ختم الشرعي افتتاحيته بالقول ساخرا: "إنه لأمر مثير للسخرية أن يقوم رئيس الحكومة، لا يتحمل حتى اختصاصاته، بإقحام القصر في حملة انتخابية". رد يتيم من الجهة الأخرى لم يتأخر الرد أيضا على اتهامات الشرعي لرئيس الحكومة وحزبه، وجاء الرد هذه المرة على شكل مقال افتتاحي بالموقع الرسمي لحزب "العدالة والتنمية" (بي ج يدي. ما"، وقعه قيادي ومنظر الحزب محمد يتيم. أول ما آخذه يتيم على الشرعي، هو توقيت خروجه، معتبرا أن الغاية من ذلك هو "خلط الأوراق". ومن خلال مقاله الطويل نسبيا، اتضح أن الشرعي نجح فعلا في وضع يتيم، ومن خرج هو الآخر يدافع عنهم، في موقع "الدفاع عن النفس"، حيث خصص يتيم جزءا كبيرا من مقاله للدفاع عن تشبث بنكيران ب "المؤسسة الملكية" ودفاعه عنها عندما كان في المعارضة وحرصه على التعاون والتوافق معها وهو في الحكومة. وعندما انتقل يتيم إلى الهجوم على خصمه، أعاد التذكير بوجود ما أسماها "قوى نافذة في مستويات معينة وتعمل بوسائل تعتمد على استخدام النفوذ وتزرع مؤيدين لها في مستويات متعددة من الإدارة (بل حتى الرياضة لم تسلم من ذلك)". ولتعزيز موقفه استشهد يتيم بأن هناك أحزاب أخرى تشاطر حزبه الرأي بوجود "جهات نافذة تعمل من وراء آليات العمل المؤسساتي"، وهذه الأحزاب هي بالإضافة إلى "العدالة والتنمية"، أحزاب " التقدم والاشتراكية" و"الاستقلال" و"الحزب الاشتراكي الموحد"، وقبلهما "الاتحاد الاشتراكي"، الذي قال عنه يتيم إنه هو من أبدع مصطلح "الوافد الجديد"، في إشارة إلى حزب "الأصالة والمعاصرة". أما في النصف الثاني من مقاله، فقد تحول يتيم إلى مهاجم شرس، موجها نباله إلى حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي اتهمه بأنه هو المسؤول الأول عن إقحام المؤسسة الملكية في الصراع السياسي. لأن هذا الحزب، حسب يتيم، هو من خلق "الوهم الذي تمت إشاعته للإيحاء بأنه هو حزب للملك خاصة بالنظر الى انه مؤسسه الأول كان صديقا للملك"، مطالبا هذا الحزب بحل نفسه أو على الأقل القيام بنقد ذاتي و"التخلى عن سلوك التحكم". وعاد يتيم ليدافع عن تصريحات رئيسه في الحزب عبد الإله بنكيران، عندما كتب بأن "ابن كيران لا يطلق الكلام على عواهنه ، لكن ميزته انه تكلم حين سكتوا وأفشى ما عنه صمتوا". وفي تساؤلات عبارة عن اتهامات مباشرة لحزب "الأصالة والمعاصرة"، كتب يتيم متسائلا ومتهما "هل يستطيع الشرعي أن يجيب عن كيف استطاع هذا الحزب أن يصل الى رئاسة جهة ورئاسة مجلس المستشارين؟ وكيف تم تحويل مشروع استثماري من جهة دكالة عبدة سابقا الى جهة الشمال التي يرأسها زعيم نفس الحزب؟ وكيف أنشأ إمبراطورية إعلامية؟ وكيف ظهر فجأة مع الوفد الرسمي في زيارة الصين دون غيره من رؤساء الجهات؟" وفي هجوم مباشر على الشرعي، أو على الجهة التي نصب الشرعي نفسه مدافعا عنها، كتب يتيم محذرا بأن البناء الديمقراطي يمكن أن يشهد "حالة نكوص" بسبب ما وصفها ب "قوى الارتداد"، كما يمكن أن يتأثر ب "الربيع العربي وبالخريف العربي"، ومعتبرا أن الدولة ليست كيانا واحدا منسجما و"على درجة واحدة من الإيمان والحماس للمشروع الإصلاحي". وردا على وصف الشرعي لتصريحات بنكيران ب "النقاش السطحي"، وصف يتيم يتيم ما كتبه الشرعي بأنه من قبيل "الكلام المتملق والمنافق"، وبالمقابل اعتبر قول رئيسه في الحزب بأنه "فضح.. وكلام صريح لا يتنافي مع الاحترام الواجب للملك حتى لو انتقد سياسات الدولة "، وبأنه دفاع عن استقلال المؤسسة الملكية، "ضدا على محاولة إقحامها (في الصراع السياسي) من قبل بعض المحيطين بها".