انتابني حزن عميق بعد الحدث المأساوي الذي عرفته مدينة مراكش يوم أمس بمقهى اركانة. حزن عميق بطبيعة الحال على الضحايا الأبرياء الستة عشر من مواطنين مغاربة و أجانب الذين قضوا في هذا الحادث إلى جانب 23 من الجرحى حالة العديد منهم خطيرة. ضحايا ذنبهم الوحيد أنهم اختاروا الجلوس ذات الصباح بإحدى أشهر المقاهي بساحة الفناء و الاستمتاع بالمنظر الرائع التي تتيحه شرفتها. أغلب الضحايا سياح لم تثنيهم الاحتجاجات الشعبية عن زيارة المدينة، نضالات و مسيرات سلمية تنظم بشكل دوري بالمدينة الحمراء من طرف شابات و شباب 20 فبراير منذ أزيد من شهرين كان آخرها المسيرة الرائعة التي نظمت يوم الأحد الماضي و جابت شوارع المدينة دون أدنى حادث يذكر. حزن عميق عن منفذ العملية الانتحارية (إذا صدقت رواية الداخلية حتى الآن) حيث يصعب علي تخيل ما يدور في رأسه دقائق قبل تنفيذ عمليته و كيف يمكنه تبرير فعلته هاته. حزن عميق على عجز الأجهزة الأمنية التي تمتص جزءا هاما من أموال دافعي الضرائب على حماية أحد المناطق الأكثر شهرة في المدينة الأكثر زيارة من طرف السياح في المغرب و ربما في المنطقة ككل. أجهزة أمنية نجدها مجتهدة و "باهرة" في قمع و تعقب المناضلين و شرفاء هذا الوطن. حزن عميق عن الوضع السياسي، الاقتصادي و الثقافي المنحط الذي شكل دوما الأرض الخصبة للمسئولين المباشرين و الغير مباشرين عن مثل هذه الجرائم الشنعاء في إطار الهمجية المعولمة التي يعيشها عالمنا اليوم أو ما يدعى بصراع الهمجيات حسب تعبير "جلبير الأشقر". حزن عميق على نوايا مسئولينا الحكوميين و حتى بعض السياسيين الذين سارعوا إلى استغلال هذه الأحداث من أجل الحديث مرة أخرى عن تهديد الاستقرار و ضرورة التصدي بحزم لمن يهدد أمن البلاد بطبيعة الحال و حتى الدفاع عن التراجعات في حقوق الإنسان و الحريات العامة و على رأسها قانون الإرهاب السيئ الذكر. إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو من له المصلحة في توجيه ضربة كهاته و خلق جو من الرعب و الترهيب في هذه الظروف التي تتميز بالتعبئة الرائعة و المتزايدة التي يعرفها المغرب منذ 20 فبراير كان آخرها مسيرات الأحد الماضي 24 أبريل التي عرفت مشاركة قياسية من حيت الأعداد 800 ألف و كذلك عدد المدن الذي انتقل من 53 إلى أزيد من 106 مدينة و هو ما عملت جل وسائل الإعلام الرسمية و الشبه المستقلة على تجاهله أو حتى التنقيص من أهميته أو إعلان تراجعه. التصريحات المتسرعة و المتسارعة للعديد من المسئولين و السياسيين المحسوبين على دار المخزن ينذر بمحاولة استثمار هذه الأحداث لمهاجمة تطلعات المناضلين و المواطنين المطالبين بالمزيد من الحريات و ذلك بالإشارة مجددا إلى الاستثناء المغربي و "الاستقرار" الذي ينعم به المغاربة ... و غيرها من التلميحات للمدافعين عن الوضع القائم Le statuquo. تصريحات تذكر للأسف بتلك التي ثم التعبير عنها مباشرة بعد أحداث 16 ماي 2003 ث التي نتذكر جميعا كيف تم استغلالها من أجل اعتقال و تعذيب العديد من المواطنين الأبرياء و تمرير العديد من القوانين التراجعية و تكميم الأفواه باعتماد إستراتيجية الصدمة La stratégie du choc الأمريكية الصنع باستغلال الحالات الاستثنائية (كوارث بيئية كحالة كاترينا أو تسونامي سيريلانكا، حروب طاحنة كحالة العراق أو هجمات إرهابية كحالة الهجوم على برجي التجارة العالمي في 2001) التي يتعرض لها مجتمع ما من أجل تمرير مخططات و قوانين يصعب تمريرها في الأوقات العادية. تصريحات تنبؤ أن الماسكين بزمام الأمور سيعيدون مسرحية مسيرة البيضاء بعد أحداث مخيم اكديم إيزيك بالعيون و سيتم مرة أخرى اقتياد مواطنين من مختلف المناطق مع استعمال كل موارد الدولة من إعلام رسمي و و سائل نقل عمومية و غيره و تجييش أعوان السلطة في مسيرة رسمية يتقدمها وزراء و مسئولين قد تعيدهم هذه الأحداث إلى الواجهة أمثال لشكر و بنكيران و بيد الله و .... بعد ما تواروا عن الأنظار و قد لفضتهم حركة شباب 20 فبراير. مسيرة يبحث فيها الماسكون بزمام الأمور عن إجماع جديد يرمم الصدع الذي خلفه تسونامي 20 فبراير حتى داخل الأجهزة القمعية و هو ما يفسر تذبذبها في التعاطي مع الحركة. إجماع يغطي و يحجب مرة أخرى أو على الأقل يوقف تنامي وعي أعداد متزايدة من المواطنات و المواطنين بالجرائم الاقتصادية و استفادة المقربين من الدوائر الحاكمة من العديد من الامتيازات و مراكمتهم لثروات هائلة على حساب الأغلبية المفقرة من شعبنا. إجماع حول عدو مشترك يجب ضمان وحدة الأمة ضده، وحدة الشعب المفقر مع ناهبي المال العام، وحدة ضحايا التعذيب مع جلاديهم، وحدة مناضلي مع "بلطجية" النظام... كل ذلك من أجل مواجهة الخطر الجديد القديم : خطر الإرهاب بعد ما كان الخطر في مسيرة البيضاء البوليزاريو و الحزب الشعبي الاسباني .... إجماع وطني متحكم فيه عن بعد télécommandé قد ينضاف إلى لائحة الاجتماعات التي فرضت على الشعب المغربي منذ الاستقلال السياسي و أدى ثمنه غاليا كادحو هذا البلد ومناضليها حيث أن أغلب موجات القمع التي تعرض لها أحرار هذا البلد و أبنائه الأكثر كفاءة كانت بدعوى تهديد وحدته و الخروج عن الإجماع الوطني. إجماع كلفنا سنوات من التخلف الاقتصادي و الثقافي. إجماع يهدف بالأساس إلى تكميم كل الأصوات المعارضة و تكريس وضع قائم يخدم مصالح حفنة من الطفيليين. من هنا تبرز في اعتقادي ضرورة رفض أي إجماع من خارج سيرورة دمقرطة المجتمع المغربي و استعادة المواطنين لتملك مصيرهم السياسي و الاقتصادي التي أطلقتها حركة 20 فبراير و مطالبة المسئولين بالشفافية الكاملة في الكشف عن حقيقية هذا الفعل الإجرامي و المتابعة القانونية للمتورطين فيه بالارتكاز على الضغط الشعبي و النضالات المستمرة التي أثبتت بالملموس فعاليتها في إطار السيرورة الثورية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، نضالات استطاعت أن تحقق و لو بشكل جزئي ما فشلت فيه سنوات من استنجاد و استعطاف الحاكمين من أجل فتات إصلاحات لم يكتب لها أن تكتمل. البيضاء -29 أبريل (مناضل أطاك المغرب عضو الشبكة العالمية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث)