27 يناير, 2016 - 11:37:00 كلما اقتربت الحكومة المغربية من نهاية ولايتها كلما ظهر أن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أشبه برئيس رمزي يجلس على كرسي أرخبيل حكومي، جزره متناثرة، وأكبر الجزر فيه وأهمها تشتغل بشكل مستقل تماما عن الرجل الذي يقال أن دستور 2011 رفعه من سفح الوزير الأول إلى قمة الرئيس ذو الصلاحيات الواسعة والكبيرة. أخنوش العزيز.. عندما حمل بنكيران متاعه من مقر حزبه بحي الليمون وحط الرحال بمقر رئاسة الحكومة، داخل أسوار "التواركة"، وجد أمامه رجل الأعمال السوسي عزيز أخنوش القابض على حقيبة وزارة الفلاحة والصيد البحري باسم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي خرج الى صفوف المعارضة بعد فشل "مناورة G8". استقال أخنوش من حزب مزوار ونفض ما تبقى من ريش الحمامة الزرقاء، من على كتفيه، بما ينسجم ووضعه الجديد كوزير تقنوقراطي يحظى باحترام الجميع كما يحظى بثقة القصر الذي أعطاه مفاتيح الأوراش المهيكلة لقطاع الفلاحة بالمغرب. لم يقدم حزب "العدالة والتنمية" من خلال رئيسه بنكيران أي لمسة أو تغيير أو مراجعة في سياسات قطاع الفلاحة واستمر أخنوش في تدبير هذا القطاع الحيوي، الذي يضم ما يقارب 1.5 مليون فلاح ويساهم بحوالي 15٪ في الناتج الوطني الداخلي الخام إضافة إلى أنه يوفر 40٪ من فرص الشغل، بعيدا عن رئيس الحكومة الذي ظل يثني على أخلاق وطيبة وزير الفلاحة إلى اليوم الذي تسببت فيه المادة 30 من مشروع قانون مالية 2016 في إنهاء شهر العسل الذي كان يجمع الرجلين. أظهرت واقعة المادة 30، والتي تعرف في أوساط الرأي العام ب"صندوق 55 مليار"، أن ترأس بنكيران لحكومته لا يعدو جلسة الخميس التي تجمع أعضاء الحكومة حول طاولة واحدة، وأن وزارة الفلاحة تدبر بشكل مستقل سياساتها وعلى رأسها مخطط المغرب الأخضر ذو الميزانية الضخمة والأثر الكبير على القطاع وكذلك صندوق التنمية القروية، الذي يحوي ميزانية تقدر ب 55 مليار درهم، والذي آل الإشراف عليه للوزير أخنوش ضدا على ما يستوجبه العمل الحكومي المشترك في مجال تنمية العالم القروي والمنظم بمرسوم 8 فبراير 2013 المتعلق بإنشاء اللجنة الوزارية الدائمة لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية التي يرأسها رئيس الحكومة. آخر مظاهر غياب رئيس الحكومة عما يحدث داخل بيته الحكومي كانت قصة شركة "سهام" للتأمين، و فوزرها بصفقة التأمين الفلاحي، التي ستمكن الوزير حفيظ العلمي، مالك الشركة، من تحقيق رقم معاملات مالية، سيصل إلى حدود 2 مليار درهم، ستجنيها من مساهمة الدولة، في اكتتاب الفلاحين، حيث لن تقل مساهمة الدولة للهكتار الواحد عن 1450 درهما، قبل تعليق الصفقة نتيجة الضغط الاعلامي. ومع ذلك يبقى أخنوش عزيزا على قلب رئيس الحكومة، كما صرح بذلك بنكيران غير ما مناسبة. حصاد الداخلية كان تعيين امحند العنصر، أمين عام حزب الحركة الشعبية الحليف في ائتلاف عبد الاله بنكيران، على رأس وزارة الداخلية خطوة إيجابية على اعتبار أن القطاع كان يرفض الحزبيين ويدبر بشكل مباشر من طرف القصر الملكي. غير أن العنصر تقاسم كرسي التدبير مع الشرقي الضريس المجرد من كل تجربة حزبية والنازل من فوق للقيام بدور وزير الداخلية الفعلي بعد تجربة طويلة داخل الإدارة في مراكز حساسة كان آخرها ولاية العيون والادارة العامة للأمن الوطني. أظهرت التجارب المتتالية الوزير أن عنصر المكلف، نظريا، بالإدارة الترابية للمملكة في إطار اختصاصه والساهر على الحفاظ على الأمن العام، لم يكن يزود الحكومة بالمعلومات العامة وفق ما هو مطلوب منه لأن العنصر نفسه لم يكن يمسك بكافة الملفات. ومازال الجميع يتذكر تصريح العنصر، وزير الداخلية آنذاك، عندما قال بأنه لايعرف من أعطى الأمر لتعنيف المتظاهرين الذين خرجوا ليلة 2 غشت عام 2013 للاحتجاج على العفو الملكي على المجرم الاسباني غالفان مغتصب القاصرات. الوزارة الغول التي تشمل المديرية العامة للشؤون الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة للقوات المساعدة والمفتشية العامة للإدارة الترابية والجماعات المحلية والتعمير والشؤون القروية والوقاية المدنية.. وغيرها من المجالات الحساسة لم تكن لتثق في فاعل حزبي مهما كان لينا ومطيعا وهو ما عجل بنقل العنصر الى وزارة شبح واستبداله بمحمد حصاد، رجل الادارة والقادم من قرية أكَرض اوضاض بتافراوت، شأنه شأن أخنوش وزير الفلاحة. يعلم الجميع أن المؤسسات الأمنية بالمغرب بعيدة عن عين الحكومة وكذلك القرار الأمني وهو ما ظهر بشكل جلي في تناقض تصريحات وزير الداخلية ورئيس الحكومة حول مدى التنسيق الحكومي في التدخلات الأمنية التي شهدتها مسيرات الأساتذة المتدربين غير أن القطاع الامني ليس المجال الوحيد البعيد عن بنكيران بل هناك ملفات تبدو خاضعة للرئيس كالانتخابات مثلا غير أن الشكوك الذي اخترقت صدر حزب العدالة والتنمية قبيل الاعلان عن نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة أظهرت بأن الماسك الحقيقي بالعملية الانتخابية في كل مستوياتها هو وزارة الداخلية التي تمشي برأسين يذهبان بخراج القطاع بعيدا عن أعين بنكيران بمناسبة كل حصاد في حقل الداخلية. بنيقة الأحباس تعد إمارة المؤمنين صفة دستورية للملك وهو ما يجعله المرجع الأول في كل السياسات المرتبطة بالشأن الديني لدى فقد بقيت "بنيقة الأحباس"، وهو الاسم الذي كان يطلق على قطاع الأوقاف والشؤون الاسلامية قبل الاستقلال، مجالا خاصا ب "أمير المومنين" يعين فيه من يشاء ويفعل فيه ما يشاء. غير أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي يرأسها أحمد التوفيق، قبل مجيء بنكيران للحكومة بسنوات، تدير عددا من القطاعات التي تفترض سياسة ورقابة حكوميتين أهمها على الإطلاق إدارة شؤون الأوقاف التي تذر ذهبا والإشراف عليها واستثمار الدخول المتحققة منها بالإضافة إلى ما يسمى في أبجديات القطاع بوقف الأموال على جهات البر والأوقاف الخيرية. بلمختار المتمرد تحول قطاع التربية الوطنية الى أرخبيل مستقل هو الأخر بعد خروج محمد الوفا وتعويضه برشيد بلمختار، التقنوقراطي الذي كان وزيرا على نفس القطاع في الحكومتين اللتين ترأسهما عبد اللطيف الفيلالي في 27 فبراير 1995 و13 غشت 1997. في كل المناسبات ظهر أن لا تنسيق بين رئيس الحكومة ومرؤوسه فقد أوقف بنكيران العمل بمذكرة للوزير أرسلت لمدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تدعوهم إلى بدء تدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفيزيائية باللغة الفرنسية كما تبرأ بلمختار في حوار أجرته جريدة " لوموند " الفرنسية من المرسومين واعتبرهما خطة فاشلة. وهو نفس الكلام الذي كرره بمناسبة انعقاد لجنة التعليم والثقافة والتواصل بمجلس المستشارين معتبرا أن رئيس الحكومة ووزيره في الاقتصاد والمالية هما المسؤولان عما وصفه بلمختار ب"بدعة المرسومين". أريد للتعليم أن يخرج من الزمن الحكومي الى الزمني السياسي، وهو ما جعل القطاع خارج سيطرة رئيس الحكومة. غير أن تعيين تقنوقراطي سبق وأن دبر الملف يفرغ السياسة من محتواها المرتكز على مبدأ المحاسبة ويسهل على التقنوقراط ازدراء السياسيين وهو ما ظهر في سلوك بلمختار عندما خرج من الغرفة الثانية غير آبه بالبرلمانيين وعندما أطلق النار على أوراق الجرائد الفرنسية ضد رئيسه وضد مبدأ التضامن الحكومي.