23 نوفمبر, 2015 - 08:33:00 بعد الهجمات الارهابية التي هزت العاصمة الفرنسية مؤخرا عاد الى النقاش موضوع العلاقة الاديولوجية بين بعض الأنظمة والتنظيمات الجهادية. وفي هذا السياق ارتأينا أن نترجم هذا المقال الذي نشرته صحيفة "النيويورك تايمز" امس السبت 21 نوڤمبر 2015، من توقيع الكاتب الجزائري كمال داود، حيث سلط الضوء على العلاقة الايديولوجية بين الحركة الوهابية والنتظيمات الجهادية، معتبرا ان الغرب يتعامل مع الارهاب بنوع من التناقض، أو حالة إنكار بتعبير الكاتب، حيث يصافح السعودية التي وصفها ب"داعش" الابيض، بينما يحارب "داعش" الاسود، مع ان اديولوجية الاول، حسب الكاتب دائما، هي التي افرزت الثاني. نورد في ما يلي الترجمة الكاملة للمقال: ترجمة سعيد السالمي "داعش" أسود، و"داعش" أبيض. الأول يذبح، ويقتل، ويرجم، ويقطع الأيدي، ويدمر التراث الإنساني، ويكره علم الآثار والنساء والدول غير الإسلامية. والثاني أنظف منه ويرتدي لباساَ أفضل، ولكنه يفعل الشيء نفسه. إنهما على التوالي تنظيم "الدولة الإسلامية" والمملكة العربية السعودية. لمكافحة الإرهاب، يشن الغرب الحرب على أحدهما بينما يصافح الآخر. إنها آلية الإنكار وجزاؤه. يسعى الغرب إلى إنقاذ التحالف الاستراتيجي الشهير مع المملكة العربية السعودية، وينسى أن هذه المملكة تقوم على تحالف آخر مع سلطة دينية تنتج، وتشرعن، وتنشر، وتفتي وتدعم الوهابية والإسلام المتطرف المتزمت الذي يتغذى منه "داعش". الوهابية حركة راديكالية ظهرت خلال القرن الثامن عشر، تؤمن بفكرة استعادة دولة الخلافة على صحراء، وكتاب مقدس، ومكانين مقدسين، مكة والمدينة. إنه تيار متزمت ولد من رحم المذابح وإراقة الدماء، تُرجم اليوم إلى علاقة سريالية مع النساء، ومنع غير المسلمين من دخول الأراضي المقدسة، وقانون ديني صارم، وعلاقة مرضية مع الصورة والنحت وبالتالي مع الفن والجسد والعري والحرية. إن المملكة العربية السعودية "داعش" ناجح. إنكار الغرب في تعامله مع هذه الدولة لافت للإنتباه: يثمن الثيوقراطية بصفتها حليفا له، ويغض الطرف عن كونها الراعي الإيديولوجي الرئيسي لثقافة التيار الاسلامي. إن الأجيال الجديدة من المتشددين في العالم المسمى "عربي" لم تولد جهادية، وإنما تربت في أحضان مجمعات الفتاوى، وهي هيئات أشبه ب"فاتيكان إسلامي" ينتج ثيولوجيين وقوانين دينية وكتب وسياسات تحريرية واعلامية عدوانية. قد يعترض البعض بالقول: لكن، أليست السعودية نفسها مستهدفة من طرف "داعش"؟ بلى، ولكن التركيز على هذه النقطة يعني إهمال أهمية الروابط التي تجمع الأسرة الحاكمة ورجال الدين الذين يضمنون لها استقرارها، وكذلك على نحو متزايد عدم استقرارها. هذه العائلة الملكية توجد في فخ حقيقي بسبب قواعد الخلافة التي تضعفتها وتشجع التجديد، وبالتالي فإنها تتمسك بتحالفها التقليدي بين الملك والدعاة. إن السلطة الدينية في السعودية تنتج التيار الإسلامي الذي يشكل تهديدا للبلاد، وفي ذات الآن يضفي شرعية على النظام. يجب أن يعيش المرء في العالم الإسلامي لكي يدرك حدة التأثير الهائل للقنوات التلفزيونية الدينية على المجتمع من خلال أضعف حلقاته: الأسر والنساء، والأوساط القروية. انتشرت ثقافة التيار الإسلامي اليوم على نطاق واسع في العديد من الدول على غرار الجزائر، والمغرب، وتونس، ليبيا، ومصر، ومالي، وموريتانيا. توجد فيها آلاف الصحف والقنوات التلفزيونية الاسلامية (مثل الشروق واقرأ)، وكذلك الدعاة الذين يفرضون رؤية وحيدة للعالم، وللتقاليد واللباس، سواء في الفضاء العام، أو في النصوص القانونية، أو الطقوس في مجتمع يعتبرونه ملوثاً. تجب قراءة بعض الصحف الإسلامية وردود فعلها على هجمات باريس. تتحدث فيها عن الغرب بوصفه أرض "الدول الكافرة"، وتعتبر أن الهجمات نتيجة للهجمات ضد الإسلام، وأن المسلمين والعرب أصبحوا أعداء العلمانيين واليهود. يتم اللعب فيها على وتر التعاطف مع القضية الفلسطينية، واغتصاب العراق، وذكريات الصدمة الاستعمارية، من أجل جذب الجماهير باستخدام خطاب متزمت. وفي الوقت الذي يتم تداول هذا الخطاب في الفضاءَات الاجتماعية، فإن السلطات السياسية، على أعلى مستوى، تقدم تعازيها لفرنسا وتندد بالجريمة ضد الإنسانية. إنها حالة من الفصام الكامل، بالموازاة مع إنكار الغرب أمام المملكة العربية السعودية. هذا يثير الشكوك ازاء التصريحات الرنانة للديمقراطيات الغربية بشأن ضرورة مكافحة الإرهاب. هذه المسماة "حرب" قصيرة النظر لأنها تهاجم النتيجة عوض السبب. وما دام "داعش" ثقافة قبل أن يكون ميليشيا، فكيف يمكن منع الأجيال القادمة من الإنضمام إلى التنظيمات الجهادية إن لم يوضع حد لتأثير "مجمعات الفتاوى"، ودعاتها وثقافتها وصناعتها التحريرية القوية؟ علاج الداء، هل هو سهل إذن؟ قد يكون. إن "داعش" الأبيض الذي تمثله المملكة العربية السعودية حليف للغرب في لعبة الشطرنج في الشرق الأوسط. ويتم تفضيله على إيران، ذلك ال"داعش" الرمادي. وهذا فخ في حد ذاته، ينتهي بحالة الإنكار إلى توازن وهمي: يتم شجب التيارات الجهادية باعتبارها داء القرن، ولا يتم التركيز على الذي خلقها ويدعمها. لعل في ذلك حفظ لماء الوجه، ولكن ليس الارواح. لتنظيم "داعش" أم: هي غزو العراق. وله أيضا أب: وهو المملكة العربية السعودية وصناعتها الأيديولوجية. إذا كان التدخل الغربي يبرر إحباط المحبطين في العالم العربي، فإن المملكة السعودية أعطتهم معتقدات وقناعات. إن لم ندرك هذا، سنخسر الحرب ولو أننا سنربح المعارك. سوف يُقتل الجهاديون لكنهم سيولدون مرة أخرى بين الأجيال القادمة، وسيتزودون من الكتب نفسها. هجمات باريس أعادت إلى السطح هذا التناقض، إلا أنه مهدد، مثلما حدث بعد 11 سبتمبر، بالاختفاء من تحليلاتنا ومن ضمائرنا.