بات من نافلة القول إن الحكومة فشلت في تدبير موضوع اللحوم الحمراء والقطيع الوطني، بعدما أنفقت ملايير الدراهم، في دعم الاستيراد، دون أن يكون لذلك انعكاس لا على انخفاض أسعار اللحوم، ولا على حماية القطيع الوطني، والأثر الوحيد كان هو "تسمين" جيوب قلة محظوظة، تحوم حولها شبهات تضارب المصالح. وجاء قرار عدم نحر الأضحية هذه السنة، ليكون ختما وتأكيدا على هذا الفشل، بعدما تكبدت المالية العمومية ما بين أكتوبر 2022 وأكتوبر 2024 فقط، أزيد من 13 مليار درهم، جراء قرار وقف استيفاء رسم الاستيراد، والإعفاء من القيمة المضافة عند الاستيراد، وهو ما انضافت إليه ملايير أخرى من أكتوبر إلى اليوم جراء إعفاءات استيراد الرؤوس، وأيضا استيراد اللحوم المذبوحة، ناهيك عن الدعم الذي بلغ 500 درهم عن كل رأس خلال عيد الأضحى الماضي.
هذه الكلفة المالية الكبيرة لم يكن لها أي انعكاس على جيوب المواطنين، حيث واصلت أسعار الماشية ارتفاعها، مع وصولها إلى الذروة خلال فترات عيد الأضحى، وبقيت أسعار اللحوم تتراوح ما بين 100 و150 درهما، رغم الدعم الحكومي السخي، الذي أقر وزير الفلاحة قبل أسبوعين بأن المستهلك لم يستفد منه، مبرزا أن فرق السعر ما بين البيع بالجملة والتقسيط كبير، ما يعني أن الوسطاء هم المستفيد إلى جانب المستوردين. وعلى غرار المعارضة التي ظلت تؤكد أن المستفيد الوحيد من إعفاءات الاستيراد هم "لوبيات السوق"، جاء التأكيد أيضا من طرف قيادات بالأغلبية الحكومية، وعلى رأسهم محمد أوجار الوزير السابق والعضو بالمكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وكذا نزار بركة وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال. وخلال كلمة له في تجمع حزبي قبل أيام، لخص الوزير العجز الحكومي في مواجهة لوبيات السوق التي تستغني على حساب المواطنين مرتين، مرة عبر الميزانية العامة، وأخرى عبر جيوبهم مباشرة، حين لم يجد سوى أن يقول لهم "اتقوا الله في المغاربة وباركا ماتاكلو فلوسهم، وقلصو من هواش الربح"، وذلك عوض اتخاذ إجراءات لتحقيق هذه الغايات. وكشف بركة عن جزء من الاختلالات التي تشوب عمليات الاستيراد، إذ أكد أنه خلال عيد الأضحى أعطت الحكومة للمستوردين 500 درهم عن كل رأس، وتم استيراد رأس الغنم ب2000 درهم، وبيعه للمواطن ب 4000 درهم، وهو ما يستمر اليوم، حيث يتم استيراد اللحوم بسعر يتراوح بين 40 و60 درهما، ويتم بيعه للمواطن بما لا يقل عن 100 درهم، حيث كان لهذه الإجراءات الحكومية انعكاس واحد، هو الزيادة في هوامش الربح. وتشير آخر الأرقام التي قدمها وزير الفلاحة قبل أسبوعين إلى أن هذه السنة عرفت ارتفاعا في وتيرة الاستيراد مقارنة مع السنة الماضية، فمنذ يناير وإلى غاية 12 فبراير الجاري، تم استيراد 218 ألف رأس من البقر، و24 ألف رأس من الغنم، و704 أطنان من اللحوم الحمراء، بما يصاحب ذلك من إعفاءات، لكن سعر اللحوم في السوق لا يزال ثابتا. وإلى جانب عدم انعكاس الاستيراد على الأسعار، جاء قرار "إلغاء العيد" ليؤكد أيضا أن هذا الاستيراد لم ينعكس أيضا على استقرار القطيع الوطني، حيث تواصل التراجع الحاد في أعداد الرؤوس. وتواصل الحكومة رمي كل المسؤولية للظروف المناخية، والجفاف المستمر منذ سنوات، في حين تحملها الكثير من الأصوات المسؤولية بسبب سياساتها "الفاشلة"، وسوء تدبيرها للموضوع. وكان عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قد أنكر على الحكومة هذا التحجج، واعتبر أن الجفاف معطى بنيوي يعيشه المغرب منذ سنوات طويلة، ودور الحكومة أن تستخدم الوسائل لمعالجة المشاكل وأن تكون على قدر المسؤولية.