25 أكتوبر, 2015 - 04:00:00 بين أيدينا مقال تحليلي نشرته مؤسسة "بروكينغز" الأمريكية للابحاث من توقيع "سارة يركيس"، وهي باحثة في مركز دراسات الشرق الادني ومستشارة سابقة مكلفة بالتخطيط في وزارة الخارجية الامريكية، ومستشارة جيوسياسية سابقة مكلفة بالبحوث والتخطيط الإستراتيجي في وزارة الدفاع. سلطت فيه الضوء على الجانب الايجابي والسلبي في التطورات السياسية التي تشهدها تونس والمغرب ومصر. نورد في ما يلي الترجمة الكاملة للمقال: ترجمة سعيد السالمي رغم كل المآسي والاضطرابات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط اليوم، فقد شهدت بعض التطورات الإيجابية خلال الآونة الأخيرة، وعلى وجه التحديد جهود الإصلاح السياسي في تونس والمغرب ومصر. وبقدر ما أجدني على العموم متفائلة بخصوص التوقعات حول تحقيق الديمقراطية على المدى البعيد بالنسبة للحالة الأولى، أي تونس، فإني من أكثر المشككين بشأن إمكانية وجود أي جهود جادة للإصلاح بالنسبة الحالتين الأخيرتين. ومع ذلك سأتطرق للتطورات الإيجابية والسلبية في كل بلد على حدة، وسأختم بالتعريج على تأثير السياسة الامريكية. تونس: نقطة مضيئة وبعض العيوب هناك الكثير من الأمور الإيجابية التي يمكن أن نشير إليها بخصوص تونس، بدءًا بجائزة نوبل للسلام التي منحت مؤخرا للجنة الرباعية للحوار الوطني، وهو ما يعتبر اعترافاً دولياً بالنجاح، واقراراً بصعوبة التحديات التي مرّت منها تونس. كما أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2014، التي اعتبرت حرة نزيهة من طرف المراقبين الدوليين والمحليين، تمثل نقطة مضيئة أخرى في حالة تونس. فضلاً عن ذلك فقد صنفتها منظمة "فريدوم هاوس" في خانة "الدول الحرة"، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تحظى بهذا التصنيف. وتتميز أيضا بوجود مجتمع مدني قوي وحيوي ولو أنه لا ينتصر دائما وجه سهام النقد بشكل علني إلى بعض القرارات الحكومية الأخيرة مثل قانون مكافحة الإرهاب وجهود لجنة الحقيقة والمصالحة. أعضاء الروباعية الفائزون بجائزة نوبل للسلام 2015 يتعين على تونس أن تصادق على قانون المصالحة، وتعمل على تنفيذ إجراءَات المصالحة الاقتصادية التي أثارت الكثير من الجدل. وإذا كانت لم تتعامل بعد بشكل كاف مع إرث انتهاكات النظام السابق، فإنها على صعيد آخر تستعد لإجراء أول انتخابات بلدية في أكتوبر 2016 (رغم أن هذا التاريخ يمكن أن يتغير). وتشكل هذه الانتخابات فرصة لتونس للانخراط في عملية جدية لللامركزية ونقل السلطة إلى المستوى المحلي. إنها خطوة مهمة في أي تحول ديمقراطي، ومن ايجابياتها أنها تؤسس لعلاقة مباشرة بين الشعب وحكومته. كما أنها، أي اللامركزية، قد تفيد الحكومة المركزية بتخفيف بعض الضغوط التي تخص التعامل مع القضايا اليومية مثل جمع القمامة وتوفير الخدمات الأخرى. أضف إلى ذلك أن تونس تواجه خطر هجمات إرهابية أخرى. وأن الحكومة لا تزال تحاول أن تتعلم السير على خط رفيع بين حماية الأمن القومي وتفادي العودة إلى الحكم السلطوي، كما يتضح ذلك من خلال القانون الجديد لمكافحة الارهاب، والاعتقالات الجماعية، وقانون الطوارئ الذي فرضته عقب الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة سوسة هذا الصيف. وهذا يتطلب مزيدا من المهنية في تطبيق القانون وعمل الأجهزة الأمنية الأخرى ضمن مشروع إصلاحي واسع للقطاع الأمني. المغرب: لا تخذعنكم الواجهة حقق المغرب بعض التقدم الإيجابي نحو الإصلاح الديمقراطي، حيث أدت احتجاجات 2011 إلى صياغة دستور جديد، وبرلمان منتخب، ورئيس حكومة إسلامي، عبد الإله بن كيران. وهو ما يحمل اكثر من دلالة لأن حزب "العدالة والتنمية" الاسلامي كان في المعارضة قبل سنة 2011، من جهة، ومن جهة أخرى لأنه الحزب الإسلامي الوحيد الذي وصل إلى إلى الحكومة بعد الربيع العربي من خلال صناديق الإقتراع، وظل محافظا على موقعه فيها. الملك محمد السادس أثناء تعيينه أول رئيس حكومة إسلامي في المغرب وفي الشهر الماضي نظم المغرب أول انتخابات محلية وجهوية في إطار عملية اللامركزية الجديدة. هذه العملية، في منطوقها على الورق، تقضي بنقل السلطة من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية. وهو ما من شأنه أن يخفف الأعباء على الحكومة المركزية، وإرساء علاقة مباشرة بين الشعب والحكومة، بشكل يشبه إلى حد كبير ما أشرت إليه آنفا في حالة تونس. ولكنها في واقع الأمر، وعلى غرار العديد من عمليات الإصلاح في المغرب، لا تنقل أي سلطة حقيقية إلى الحكومة المحلية، ذلك أن ولاة الجهات، الذين يتم تعيينهم من قبل الملك، يحتفظون بحق "الفيتو" على مجالس الجهات. لدي شكوك بخصوص فرص المغرب في تحقيق إصلاح حقيقي لعدة أسباب. أولها أن دستور 2011 لم يأت بتغيير حقيقي، حيث أن معظم السلطات لا تزال بيد الملك أو المخزن. ناهيك أن معظم القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور لا تزال، بعد أربع سنوات، لم تفعل بعد، وليس هناك برنامج واضح للتقدم في تفعيلها. لهذا فإن الوثيقة الدستورية، التي تعتبر وثيقة مثيرة للإعجاب على الورق، لا يعكسها الواقع السياسي المغربي وما يدعو إلى القلق أكثر أن الحكومة المغربية بدأت السنة الماضية، بشكل جدي، في تشديد الخناق على الصحفيين ورموز المعارضة، بما في ذلك التضييق على أنشطة الجمعيات الحقوقية وترهيب الناشطين بالتهم الجنائية. إضافة إلى ذلك، فإن الخطوات الموالية في عملية الإصلاح لم تكن واضحة. كان يُنظر إلى الجهود الأخيرة حول اللامركزية بوصفها الدفعة الكبيرة نحو الإصلاح، والآن، بعد أن أن انتهى الجزء الكبير من مسلسل الإصلاح، يجب علينا أن ننتظر لنرى ما ستفعله الحكومة المغربية للحفاظ على تقدمه. مصر: تراجع حقيقي وتقدم زائف من الصعب أن تعثر على إشارات إيجابية على التقدم في مصر، ولكن الانتخابات البرلمانية التي تجرى حاليا تقدم بصيصا من الأمل. أولا، لأن مصر ظلت بدون برلمان منذ سنة 2012، وأن تُقرر أخيراً تنظيم الانتخابات البرلمانية، فهذا على العموم أمر جيد. ثانيا، لأن الحكومة المصرية سمحت للمراقبين المحليين والدوليين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية، بمراقبة الإنتخابات، وهو إجراء غير معهود. ثالثا، من الناحية النظرية يمارس البرلمان بعض النفوذ على سلطة الرئيس السيسي ويستطيع تقييدها. فحسب الدستور المصري لسنة 2014، يجب أن يوافق البرلمان على الحكومة، كما يستطيع أن يدعو إلى انتخابات مبكرة وإقالة الرئيس بموافقة ثلثين من الاصوات.. الجنرال عبد الفتاح السيسي أثناء إعلانه عن إنقلابه العسكري على الحكم المدني ومع ذلك، فإن هذه الرقابة على السلطة الرئاسية لن تتأتى إلا إذا انتخب برلمانيون يحملون وجهات نظر متقاربة إلى حد ما، وتختلف مع توجهات الرئيس، ومستعدون للتضحية بمستقبلهم السياسي (وربما حتى الإعتقال) في سبيل معارضته. لكن، من هم المرشحون للبرلمان؟ العديد من ضباط الجيش والشرطة السابقين، وأعضاء سابقون في حزب مبارك، الحزب الوطني الديمقراطي، تقدموا للترشيح على رأس لوائح حزبية مختلفة، وكمرشحين المستقلين. والعديد من القوائم الحزبية موالية للنظام، بما فيها "في حب مصر"، والتي من المتوقع أن تحقق أداءًا أفضل، وكذلك "ائتلاف الجبهة المصرية" المعروفة بروابطها الوثيقة مع نظام مبارك. وبالمقابل فإن معظم المعارضين إما غير مؤهلين أو يقاطعون الانتخابات. فالكثير من اليساريين، على سبيل المثال، يشككون في قدرة البرلمان على إحداث التغيير، واختاروا عدم الترشح. أما حزب "الحرية والعدالة" الإسلامي الإخواني، الذي فاز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سنة 2011، فقد تم حظره وحله سنة 2014. إن أول اختبار كبير للبرلمان يتمثل في دراسة أزيد من 200 مرسوم وقانون أصدرها الرئيس السيسي في غياب البرلمان. وبما أن الدستور ينص على عرض هذه المراسيم على الفور على البرلمان وإلغائها في حالة فشله في الموافقة عليها في غضون 15 يوما، فإن البرلمان، الذي من المتوقع أن يتشكل من أنصار السيسي، من المرجح أن يوافق على كل المراسيم في تصويت واحد دون قراءتها حتى. هذا دون أن ننسى أن التشكيك في صلاحيات البرلمان قد يؤثر على نسبة المشاركة في الإنتخابات أيضا، حيث ذهبت التوقعات إلى أنها ستكون أقل بكثير مما كانت عليه انتخابات نوفمبر 2011. إن مصر والمغرب في حاجة إلى القطع مع البرلمانات العديمة السلطة، ونأمل من صناع القرار السياسي أن يستوعبوا الدرس الذي خلص إليه علماء السياسة المتخصصون في التحولات الديمقراطية منذ عقود حيث يجمعون أن الانتخابات لا تصنع ديمقراطية. ماذا يجب على واشنطن أن تفعله؟ لم تبد الإدارة الحالية اهتماما يذكر بالضغط من أجل الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط. لقد كشف الرئيس أوباما في تصريحات علنية أن الديمقراطية وحقوق الإنسان، على الرغم من أهميتها، ليست في صميم اهتمامات الولاياتالمتحدةالامريكية. في الوقت الذي يدعم فيه البيت الأبيض ووزارة الخارجية الإصلاح الديمقراطي على مستوى الخطاب، وأشادا بحرارة بالنجاح الذي حققته تونس، فإن الدولارات التي توزعها أمريكا كمساعدات لا تتطابق مع خطابها. وعلى وجه التحديد، فإن المستوى المتدني نسبياً من الدعم العسكري والاقتصادي لتونس لا يتناسب مع وجود إرادة حقيقية لدعم جهود تونس في ترسيخ المكاسب الديمقراطية. هذا التناقض يتضح بشكل صارخ عندما نقارنه بحجم المساعدات التي تقدم لمصر والأردن رغم التراجع السلطوي في الحالة الأولى، وعدم وجود تقدم ديمقراطي في الحالة الثانية. أكيد أن لكل حالة خصوصيتها، والأردن على وجه الخصوص تواجه مجموعة من التحديات تختلف بشكل كبير عن تونس. ولكن، إذا كانت الإدارة جادة في دعم الإصلاح السياسي، فيجب عليها أن تؤكد هذا الدعم على مستوى الخطاب بحزمة مساعدات قارة ومهمة. وبغض النظر عما إذا كان الرئيس المقبل من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، فمن غير المرجح أن يبذل الكثير الجهد والوقت في الضغط من أجل الديمقراطية في العالم العربي. وليس من محض الصدفة أن هذه المسألة لم تطرح في أي نقاش إلى حدود الساعة. من المرجح أن يحافظ معظم المرشحين من كلا الطرفين على علاقاتنا الحالية مع مصر والمغرب، وغيرهما، مثلما لا أتوقع من الإدارة القادمة، مهما يكن من أمر، أن تعود بنا الى نموذج جورج بوش "حرية جدول الأعمال