لم ينتظر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" كثيرا للرد على رسالة أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي تتهمه بالتسرع في الحكم على تصريحه بأن الدولة في المغرب علمانية، ويتهمه بمجانبة اليقين لأن "التعجل" لم يمهله للتبين من صحة التصريح المنسوب لوزير الأوقاف. وفي رده على وزير الأوقاف، قال بنكيران معاتبا أحمد التوفيق "لا أخفيك أن ما صرحت به بالبرلمان ساءَني ولكنني لم أرد عليك ساعتها وأنا لم أرد عليك إطلاقاً، ولكنني لاحظتُ أن جهات معادية ومغرضة أرادت أن تستغل تصريحك لتركب عليه وتقرر في أذهان الناس ما لا تقبله أنت ولا أنا، فأنا أعرفك جيدا وأعرف قناعاتك المُعتدلة والرصينة، ولو كنت أريد أن أرد عليك لفعلت ذلك في نفس اليوم".
وأضاف بنكيران "لقد تجنبت أن أذكر إسمك ولستُ أدري هل استمعت لكلمتي أم لا، وإن كنت لا أخفي أن لها صلة بتصريحك ولكن المقصود بها مباشرة هم المستغلون سَيِّئُو النَّوايا الذين يتربَّصون بالبلد وبمرجعيته وبثوابته الدوائر". وأعرب بنكيران عن إعتذاره لوزير الأوقاف قائلا "إن كنتُ اليوم أتأسَّف إن سَاءَك تصريحي، فإنني أؤكد لك أنك لست المقصود به وإنما الذين أرادوا استغلاله لأغراض سيئة في أنفسهم، فإني أعلن أنني متمسك بتصريحي ومعتز به، وإن كنت قد شعرتَ بأيِّ إساءةٍ فأنا أعتذر لك علانية ومباشرة وكلمتك لم تغير موقفي منك قيد أنملة ولا أشك أن صدرك سيتسع لاستيعاب ما قلته لك". وبخصوص ما أثاره التوفيق في رسالته من نقشا حول الحوار بين ما هو إسلامي في الدولة المغربية وما يمكن أن ينعت بأنه من خلفية علماني، فرد بنكيران بالقول بأن مثل هذا النقاش "موضعه وقت آخر وظرف آخر نرجو أن يجود الزمان به". ولم يفت بنكيران أن يعاتب التوفيق الذي آخد عليه عدم الإتصال به قبل الرد على تصريحه المثير للجدل، قائلا: "بقي فقط أن أشير إلى أنني إن لم أكن اتصلت بك فأنت كذلك لم تتصل بي، وسامحنا الله جميعاً، والسلام". شكوى التوفيق وكان التوفيق قد دبج رسالة مطولة تحت عنوان "شكوى إلى الله"، موجها كلامه إلى بنكيران قائلا: "بلغني أنك ذكرت كلامي في تجمع حزبي، ونسبت إليّ ما فاتك فيه التبيّن وجانبك اليقين. ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية". وفي تنكر للتصريح الذي نسب إليه قال التوفيق "أنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن". وأضاف التوفيق معاتبا بنكيران "كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات "عجلى" قيلت في البرلمان، كان عليك أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وما ذا أردت أن أقول، وحيث إنك لم تفعل فإنك قد استعليتَ فحاديتَ بالبهتان". وعاد التوفيق إلى أصل التصريح الذي نسب إليه أثناء لقائه وزير الداخلية الفرنسي، ليوضح بأن "الشخص الذي حاورته في الموضوع مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها". وفيما يشبه التقريع آخذ التوفيق على بنكيران كيف أنه يعيش في نظام علماني دون أن يعي ذلك قائلا له "إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني. وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني. وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني". وفي تناقض مع نفسه عاد التوفيق إلى التأكيد بأن الدولة المغربية التي توجد فيها عشرات من الظواهر العلميانية وتتبناها بعنوانها الذي هو "التقدم" دون أن تحس بأي غضاضة، فهي نفسها التي تعيش في "أمن وانسجام لأن إمارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعيّاته، ولولا ذلك لعشنا العلمانية التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية، وأنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى "طيبة" متأصلة في مطبخ العلمانية". وخلص التوفيق في نهاية رسالته إلى القول بأن "السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عدداً من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة". بداية السجال وبدأ السجال بين التوفيق وبنكيران عندما رد بنكيران، اعلى تصريح منسوب للتوفيق يقول فيه بأن الدولة في المغرب علمانية، وهو تصريح ورد في إحدى تدخلاته أمام البرلمان في سياق حديثه عن لقاء جمعه بوزير الداخلية الفرنسي أبلغه خلاله أن الدولة المغربية علمانية. وفي لقاء حزبي رد بنكيران على التوفيق مشددا على "المغاربة متشبثون بدينهم وهويتهم الإسلامية عبر التاريخ" وفي تلميح لافت لتصريحات التوفيق، أشار بنكيران إلى أن" المغرب لم يكن يوما دولة علمانية، بل هو بلد يحكمه أمير المؤمنين، حيث يشكل الإسلام العمود الفقري للدولة".