بعدما سبق له أن عقد بتاريخ 30 أكتوبر 2023 لقاء جمعه بالنقابات التعليمية الأربع الموقعة على محضر اتفاق 14 يناير 2023، في حضور كل من وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري، وأعطى وعدا بتجويد مضامين النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي أثار جدلا واسعا فور المصادقة عليه من قبل الحكومة في 27 شتنبر 2023 وتم نشره بالجريدة الرسمية في 9 أكتوبر 2023، متسببا في الرفع من منسوب الاحتقان داخل الساحة التعليمية وإشعال فتيل الإضرابات، حيث خرج عشرات الآلاف من نساء ورجال التعليم بجميع جهات المملكة في مسيرات احتجاجية للمطالبة بإلغائه، باعتباره نظاما تعسفيا وتراجعيا وإقصائيا، وأطلقوا عليه اسم "نظام المآسي". وبعد سحبه الملف من بين يدي الوزير الوصي على قطاع التعليم شكيب بنموسى وتكليف زميله يونس السكوري وزير التشغيل، الذي دعا إلى جلسة استماع جمعته بالنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية يوم الجمعة 3 نونبر 2023، عاد رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال الاجتماع الموسع للأغلبية المنعقد يوم الاثنين 13 نونبر 2023، ليخصص حيزا هاما منه للحديث عما تعرفه الساحة التعليمية من غليان أرخى بظلاله على آلاف الأسر المغربية، التي باتت هي الأخرى تعيش حالة من القلق خوفا على مستقبل أبنائها الذين يتابعون دراستهم بمؤسسات التعليم العمومي، بسبب الاحتجاجات والإضرابات المتوالية، وما يترتب عنها من هدر لزمن التعلمات، قد ينعكس سلبا على مستوياتهم الدراسية ويؤثر على نتائجهم في الامتحانات الإشهادية، خلافا لتلاميذ التعليم الخصوصي الذين يواصلون دراستهم بصفة طبيعية. حيث أبى رئيس الحكومة إلا أن يهتبل فرصة اجتماعه بالأغلبية، ويوجه رسالة مباشرة إلى جميع الأساتذة المضربين، داعيا إياهم إلى استحضار المصلحة العليا للوطن ومصير أولئك التلاميذ الأبرياء، مبديا كامل استعداده لتجويد مواد النظام الأساسي الجديد في إطار الحوار الجاد والمسؤول. وفي السياق ذاته كشف عن تشكيل لجنة من الوزير المثير للجدل شكيب بنموسى ووزير التشغيل يونس السكوري، والوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، وتكليفها بمسؤولية اجتراح حلول ملائمة لمشاكل النظام الأساسي المطروحة، مؤكدا على أنها ستظل تعمل تحت إشرافه الشخصي بعد ترؤسه لأول اجتماعاتها، مطالبا الأساتذة بإعمال "النية" وتجديد الثقة فيه، لأنه سيكون الضامن الأول للحل، مع التلميح كذلك إلى إمكانية التراجع عن الاقتطاع من الأجور، كبادرة حسن نية الحكومة في إنهاء أطوار هذه المعركة الضارية، التي يبقى التلاميذ وأسرهم من بين أبرز ضحاياها، ناهيكم عما تلحقه من أضرار بليغة بصورة المغرب. نعم هي بادرة طيبة لا يمكن إلا تثمينها، لأنها تقر من جهة بأن نظام بنموسى هو فعلا نظام جائر وغير ذي جدوى، وقد يضر بالأساتذة وصورة المدرسة العمومية أكثر مما يفيدهم ويفيدها، وتسعى من جهة ثانية إلى إحداث انفراج وعودة التلاميذ إلى مقاعدهم الدراسية، لكن في المقابل يتساءل الكثيرون عن الأسباب الكامنة خلف هذا التأخر وتعنت الوزير الوصي على القطاع، الذي لم يكن يتوقف لحظة واحدة عن محاولة تضليل المواطنات والمواطنين عبر وسائل الإعلام الرسمية، وإيهامهم بأهمية نظامه المشؤوم، فضلا عن اتهاماته المجانية للأساتذة بالتقصير وتهديدهم بالاقتطاع من أجورهم؟ فالمثير للاستغراب هو أن رئيس الحكومة الذي ظل يردد في أكثر من مناسبة ومن داخل البرلمان، حرص حكومته على الارتقاء بأوضاع المدرسة العمومية، اعتمادا على المشاورات الوطنية كأسلوب شفاف وناجع في العمل الجماعي المتكامل، وسعيا إلى توسيع دائرة المساهمة في البناء المشترك والمتواصل للإصلاح المنشود، مع ضمان انخراط كافة مكونات المجتمع في صياغة وتنفيذ خارطة الطريق 2022/2026، هو نفسه الذي منح حكومته الضوء الأخضر للمصادقة بسرعة ودون أدنى تريث على "نظام المآسي" حتى قبل أن تنتهي المهلة التي أعطاها وزير التربية الوطنية للنقابات التعليمية من أجل تقديم ملاحظاتها واقتراحاتها، كما سمح للجهات المختصة بنشره في الجريدة الرسمية. إنه مهما قيل وما حدث، لا يمكن لأي كان أن ينكر ما ظل الأساتذة يقدمونه منذ فجر الاستقلال من تضحيات ونكران الذات في سبيل تحقيق نهضة تربوية، ويعبرون عنه من استعداد دائم لمزيد من العطاء المثمر، لكنهم في ذات الوقت يرفضون بشدة انتهاك حقوقهم المشروعة والحط من كرامتهم مهما كلفهم الأمر من ثمن باهظ. ثم كيف لهم بأداء واجباتهم على أحسن وجه في ظل ظروف مادية مزرية وانعدام الشروط التربوية الضرورية؟ ومن يضمن لهم عدم تعرضهم للخذلان ثانية من قبل رئيس حزب الأحرار، الذي لم يحسن من شيء منذ توليه رئاسة الحكومة عدا الإخلال بالتزاماته ووعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه؟ نحن بدورنا نتمنى صادقين أن تتسامى الشغيلة التعليمية عما تتعرض له من اتهامات وانتقادات، وتبدي حسن نيتها فيما يعدها به رئيس الحكومة من استعداد لتجويد مضامين النظام الأساسي "المشؤوم"، من خلال رفع كل الأشكال الاحتجاجية من وقفات ومسيرات وإضرابات محلية ووطنية، والعودة إلى حجرات الدرس لتدارك الزمن الضائع، مراعاة لمصلحة ما لا يقل عن سبعة ملايين تلميذا من المسجلين بالمدارس العمومية، ورأفة كذلك بأسرهم التي سارعت إلى إعلان تضامنها مع الأساتذة عبر جمعيات الأمهات والآباء. وأن تضع النقابات المعنية سقفا لا يتجاوز مثلا نهاية شهر دجنبر 2023 لطي الملف.