كان الخوف ولا يزال وسيظل مرتبطا بالسياسية في كل بلد من بلاد المعمور،سيظل في البلد الديمقراطي يتحكم في مسار النهج السياسي لحكومة ذلك البلد وسلوك كل ماسك بالسلطة فيه. أما في البلاد الغير الديمقراطية فإنه تحول، في منطقتنا،من صفوف الشعب وأذهان أفراده إلى صفوف الأنظمة السياسية وأتباعها، الأمر الذي وضع بلادنا والبلدان الأخرى في وضع ثوري وبامتياز، اجتمعت فيه كل العوامل الداخلية أساس كل تغيير وكذا عوامل خارجية(دولية) إيجابية و المساعدة للتغيير. فكان خطاب أبناء شعبنا واضحا في فبراير الماضي : أولا، قضايا الشعب هي قضايا الملك والشعب على حد سواء وتجلى ذلك في انتقاد صريح لعمل الحكومة والبرلمان وفي رصده لبعض رموز الفساد المالي وسطوة الجهاز الأمني القامع للحريات الفردية والجماعية. ثانيا ، وبارتباط وثيق كانت أيضا المطالبة وبشكل قوي بإرساء ملكية برلمانية في بلادنا، الأمر الذي جعل من اختصاصات الملك ودور الملكية، قضية الشعب المغربي بأكمله. وكان الخطاب الملكي في مارس ،ولأول مرة ، يتطرق للإصلاح الدستوري بل ويعد بدسترة عدة حقوق دفعة واحدة ، محددا لتلك الحقوق وللآلية ووفق زمن محدد. فعلا تجاوب الملك وبشكل كبير مع خطاب أبناء شعبنا ، وكأنه يقول لقد فهمتكم ، قضايا الشعب ليست قضيتي وحدي وإنما هي أيضا قضيتكم ، وها هي اقتراحاتي لتفعيل توجه جديد في أسلوب الحكم بالمغرب. لكن ماذا عن الملكية البرلمانية التي أصبحت قضية شعب بأكمله؟ بعد الخطاب الملكي تنفس الصعداء ،الكثير من القادة الحزبيين وبعض الأقلام الإعلامية ،وكعادة المهرولين تسارعوا وتسابقوا في عملية التطبيل وتأويل لفقرات من الخطاب الملكي ، علما أنه لحد الآن ليس في" الطاجين ما يتحرق" وبدأوا يضعون الخطوط الحمراء. ثم استنتجوا وأفتوا بضرورة الصمت الآن، بل وذهب بعضهم وعلى الطريقة القذافية المجنونة بطلب المغاربة أن لا يتظاهروا بعد الخطاب إلا" ليفرحوا ويغنوا ويرقصوا". أما أخطر هؤلاء فهو من اختار السباحة في المنطقة الرمادية، قلبه مع الجماهير في أطراف النهار، و سيفيه مع المخزن آناء الليل. نعم الأعمال بالنيات لكن كذلك ،لكل امرئ ما نوى. لذلك لن نفعل مثل هؤلاء المهرولين ،الطبالين، الذين ،وبدون قناعة راسخة،غيروا مواقفهم 180 درجة ،وهم قادرون ، وبنفس السرعة ، على تغيير مواقفهم 180 درجة إضافية ليرجعوا بالبلاد لنقطة الصفر ليستمر العبث السياسي الذي بدأ سنة 2002 وإن بمسميات أخرى. حدس المغاربة ومبادرة الشباب المغربي انتبهت إلى لُب مشكل الحكم في بلادنا، وعندما طالبت بالملكية البرلمانية ، قدمت حلا جذريا لهذا المشكلة العويصة ، يتمثل في أن تكون المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا ، هي الوسيط الوحيد بين الشعب وملكه ، وبمعنى آخر ، ونظرا للحظة الثورية التي تجتاح الوطن العربي،فإنها تقول : حان الوقت لإسقاط الجهاز المخزني وتفكيك آلياته سياسيا واقتصاديا وماليا، حتى يمكن الانتقال بشكل هادئ وسلس من ملكية مخزنية إلى ملكية برلمانية فالملكية البرلمانية ، الآن ،هي الوحيدة القادرة على توثيق الثقة بين الشعب والملك للدفع بعجلة التغيير. والتغيير لا يتأتى في ترقيع لبعض بنود الدستور بل يتأتى بسن دستور للتغيير . دستور يكون أداة حقيقية لإصلاح مستمر، وليس دستورا ،مَثله كمثل صنم جاهلية العرب ،تمثال جامد يُصنع بيد الناس ، ثم يعبدونه ويقدمون له القربان ويطالبونه بأشياء ومنافع. الملكية البرلمانية التي تطالب بها جماهير شعبنا هو نظام الحكم القادر على بعث الاستقرار ببلادنا ، بما يسمح من ازدهار اقتصادي ونهضة شاملة في كل مناحي حياة أبناء شعبنا.وعليه فالشعب قادر على التمسك بنظام الحكم هذا ، قادر على حمايته وذلك بتطويره باستمرار ، دائما نحو الأفضل و كلما دعت الحاجة إلى ذلك. لا لشيء، فقط لأنه هذا الشعب يشعر أنه جزء من هذا النظام.وبالتالي لا حاجة البتة للأمن السياسي لحماية النظام. والملكية البرلمانية هي القادرة على حل مشاكل الأحزاب القائمة والأحزاب القادمة .و الملكية البرلمانية هي القمينة بالرفع من دور الأحزاب وأدائها في المجتمع، بما يرافقه من إصغاء للمواطنين من قبل هذه الأحزاب ، ودمقرطة صفوفها واستقلال قراراتها . فهي ستكون تحت دوما تحت مراقبة مزدوجة : مراقبة الملك ومراقبة الشعب ، وهذه المراقبة المشتركة من شأنها تعزيز الثقة بين الحاكم والمحكوم بحكم تواجدهما في خندق واحد، مشاركين في اتخاذ القرارات وفي محاسبة الأداء التنفيذي والتشريعي. النوايا الطيبة لملك البلاد التقت في عدة نقاط مع مطالب مشروعة لأبناء شعبنا، وإن تحولت تلك النوايا لإقرار ملكية برلماني ستفضي لا محالة إلى ربح سياسي كبير وتاريخي بل وثوري للطرفين. والخاسر الأكبر سيكون هو الجهاز المخزني المتسلط على رقاب السلاطين والملوك وأفراد الشعب لقرون عديدة. نعم حان الوقت لإسقاط المخزن ، عقلية ونظاما .ويبدأ ، لا بتوجيه التهم ، بل برصد الفساد المالي في كل المجالات وضبط "أبطاله" وهم عماد الجهاز المخزني وذلك بجمع وتوثيق المعطيات وأسماء المشتبه فيهم ، وتداولها بين الناس وبشكل واسع إلى أن يأتي وقت المحاسبة القضائية العادلة لتلك الأسماء، التي إما اغتنت غناء فاحشا وفي ظرف وجيز أو الذين تضخمت ثرواتهم بشكل فاضح وبسرعة قياسية وغير عادية، مستعملة في ذلك السلطة، مباشرة أو بطريقة غير مباشر ، محليا أو وطنيا،للنهب والسرقة واستعباد البشر. نعم حان الوقت لإسقاط المخزن ، وذلك بتفكيك وزارة الداخلية وتحديد صلاحية الأجهزة التابعة لها حصريا في الحفاظ على الأمن العام والأمن الداخلي ، وإلغاء الأمن السياسي الذي جعل من معظم الأحزاب الموالية، درعا للجهاز المخزني ، يقيه من غضب المغاربة ،مما أدى، وبشكل جلى، وبالتتابع إلى عدم احترام أبناء شعبنا للسياسيين ابتداء من سنة 2002 وإلى كراهيتهم انطلاقا من سنة2007، ومنها وإلى يومنا هذا انطلقت مشاعر الحقد اتجاه هؤلاء الساسة. هذا وإلى جانب ذلك، حان الوقت لفصل إدارة الجماعات المحلية نهائيا عن وزارة الداخلية ، فالتعارف والتعايش والتساكن بين المؤسسات المنتخبة محليا والسلطات في الولايات والأقاليم، لم تفض إلا إلى انتشار الفساد بشكل مريع طال ممتلكات وأراض عمومية وخاصة بما صاحبه من نهب وتعسف وطغيان. ويبقى المطلب المستعجل حاليا ، هو إبعاد وزارة الداخلية عن السهر على الاستشارات الشعبية ، وذلك بتكوين لجنة مستقلة للإشراف على تلك الاستشارات، كانت استفتاءات أو انتخابات محلية ، جهوية أو وطنية ، لإعطاء إشارات مطمئنة لمشاركة حقيقية لشعبنا في تلك الاستشارات ،ولاسترجاع الثقة في نتائج تلك الاستشارات الشعبية والتصديق بها وعليها. وللسهر على حسن سير تلك العمليات الاستشارية لا بد من إشراك القضاة وبإشراف مباشر . ومن شأن إعادة الثقة في رجال ونساء القضاء أن يحفزهم للانخراط ،و بمعنوية مرتفعة، في عملية التغيير الشاملة عبر المساهمة والدفاع لإرساء استقلال القضاء ببلادنا، ولن يقوم بهذه المهمة خير قيام إلا المرتبطين يوميا بالقضاء والعاملين فيه. وللاستعجال هذا أسبابه وإن يبقى من أهمها أننا مقبلون على استفتاءين مصيريين وهامين في الشهور المقبلة، تنظيمهما وطريقة تدبيرهما يكتسيان بعدا مركزيا وأساسيا من شأنه أن يعبر بجلاء عن حسن النوايا من عدمه . تنظيمهما وتدبيرهما عمليا هو الذي سيرهن مصداقية نتيجتي الاستفتاءين المقبلين. من المفيد جدا التأكيد على أن تنكب هذه اللجنة فور تكوينها على فتح قوائم التسجيل في اللوائح الانتخابية، لا سيما أمام شباب التغيير ولباقي المواطنين الذين استرجعوا الأمل في المساهمة في بناء الدولة الحديثة وإرساء نظام حكم ديمقراطي ، حتى يعبروا عن موقفهم في الاستفتاءين المقبلين. إن حرمان هؤلاء من التسجيل الآن في اللوائح الانتخابية مقاومة صريحة للتغيير ،و مقاومة واضحة للحرية وللكرامة وللمساواة.كذلك لا بدمن تصفية للمناخ السياسي بإطلاق سراح سجناء الرأي وعلى رأسهم المناضلون السياسيون الستة والذين تمت "التضحية" بهم لتغطية فشل مخباراتي في قضية بلعيرج. إن التعبئة الشعبية أولا :من أجل الحرية وثانيا: من أجل ملكية برلمانية وثالثا: من أجل إسقاط المخزن وسطوته ورابعا :من أجل تكوين لجنة مستقلة للسهر على الاستشارات الشعبية استفتاءات أو انتخابية ، لا بد لها وأن تستمر : سلمية في تحركها ، سليمة في تحديد أهدافها العامة والمرحلية ، غير مستسلمة لدعاة العبودية ولأعداء الحرية وأبواقهم الدعائية وأقلامهم السامة . في الأخير، لن نفوت الفرصة لإعطاء وجهة نظر في مسألة تكوين اللجنة الموكلة إليها أمر إعداد مسودة مشروع الدستور والأخرى المكلفة بالمتابعة، والتي شكلتا من أعلى هرم النظام الحالي. وسنفوت الفرصة على المتشككين، الذين فك الخطاب الملكي عقدة ألسنتهم، للتشكيك في وجهة النظر هاته وفي غيرها من المواقف والآراء الطامحة إلى الحرية ، التواقة نحو التغيير. إشارتان فقط تكفي لتوضيح محدودية منتوج عمل لجن مُنصبة من أعلى في قضايا تهم أزيد من 35 مليون مغربي. أولا : منذ أزيد من سنة عبر ملك البلاد عن رغبته في إصلاح عميق للقضاء ، ولأن ما انكب عليه عُين من أعلى ،حَرم عدة فاعلين مرتبطين بالقضاء من المساهمة في هذا الإصلاح . ورغم مرور أشهر عديدة لم نسمع لا رنينا ولا طنينا في الموضوع إلى حد بدأنا نعتقد أن هذه اللجنة المعينة تعمقت ليس في أرض واقع القضاء بل تعمقت في الكرة الأرض، ولربما ظهرت نتائجها ذات يوم في أرض الصين أي في الجهة المقابلة للمغرب جغرافيا. ثانيا : يكفينا ،في هذا المضمار، ما جاء في خطاب الملك في موضوع عمل اللجنة المكلفة بالجهوية والذي اعتبره الكثيرون، أنه انتقاد إلى حد العتاب في مسألة إقامة بالجهوية بقانون فقط. فهل نعتقد اليوم أن اعتبار التوجهات العامة للملك خطوطا حمراء قد أصبح جزءا من الماضي؟ سنرى. أما بخصوص اللجنة المواكبة والمشكلة من ممثلي الأحزاب والنقابات والتي يرأسها مستشار الملك ، فالخوف كل الخوف أن تكون مشاركتها هو نوع من انتزاع مصادقة قبلية على المشروع قبل طرحه على عموم المغاربة مع حرمان بشع لقواعد الأحزاب والنقابات من حقها في المناقشة ومصادرة رأيهم وقرارهم . وإن حصل فهذا مؤشر خطير يدل على الاستمرار في سياسة التوافق المعمول بها أي استمرار العبث السياسي الذي عمر أكثر من عقد من الزمن، بعواقبه الوخيمة في ظروف وطنية وإقليمية بالغة التوتر وقابلة للانفجار في أي وقت وحين. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.