بعدما هدأ النقاش نسبيا حول الأحداث المتتالية التي عرفتها مصر، منذ أن تعقدت المسألة السياسية، وأفرزت معطيات جديدة، بعضها مأسوف عليه، وبعضها الآخر كان ضرورة ملحة، لإرساء التوازن بالقوة، بعدما وصلت الحلول السياسية، إلى النفق المسدود. لنعود قليلا إلى سيناريو الأحداث، التي أدت إلى ما أدت إليه، من انهيار سريع، وتهاوي مدوي لنظام الإخوان، الهش، أمام أول امتحان حقيقي يوم 30 من يونيو، حينما أقدم قادة الجيش، بتبني مطالب حركة "تمرد" التي كانت تدعو في حينها لانتخابات سابقة لأوانها، وتعليق العمل بالدستور، بعدما تكونت لديها القناعة، بأن مصر ماضية في نفق "الأخونة" بقيادة مرسي، الذي ليس إلا ناطق باسم مجلس الإرشاد، الذي يعتبر أعلى هيئة تقريرية بالنسبة للجماعة، أي مجلس الدولة الحقيقي، الذي يحل، ويعقد، بعيدا عن المشاركة السياسية لباقي القوى المشكلة للطيف المصري. هذه القوى التي تكتلت، برغم الاختلافات الجوهرية أحيانا بين مكوناتها، لأن القادم كان أخطر، في نظر جبهة الإنقاذ، التي شكلت جبهة موحدة، مكونة من قوى سياسية وطنية، للإطاحة بنظام سياسي تيوقراطي، ينضج يوما بعد يوم، حيث أن أي هفوة، أو خطأ من طرف الإخوان، كان بمثابة تحويل مهم في رصيد الجبهة، التي جالت، وطافت، وعبأت، من أجل قطع دابر هذا البعبع القادم، الذي يهدد ويتوعد. وبما أن الفشل الآن، يكون بسبب أخطاء الأمس، لا يجب أن ُينسى أن الإخوان في مصر، نكثوا العهد الذي قطعوه على أنفسهم، حينما تعهدوا لقوى الثورة أنهم لن يرشحوا أنفسهم للرآسة، في في بيان رسمي موقع من طرف مجلس الإرشاد، وبما أن الذاكرة المصرية ليست قصيرة، تتبعت وانتظرت، ماذا يمكن أن يأتي من فضل هذه الجماعة التي تدعي الزهد في الدنيا، والعمل بها، فقط لتواب الآخرة، فبدأت الجماعة بأجرأت مواقفها وآرائها. وكانت أول خطوة في الاتجاه الخطأ، هي الإعلان الدستوري، الذي منح به مرسي، لنفسه سلطات شبهه فيها السياسيون المصريون، بفرعون مصر الجديد. وبعدما بدأت شوكتهم تكبر في تدبير الشأن العام، اتجهوا نحو مصدر "البلاء" في نظرهم، وهو قلاع الفن والإبداع، فقادوا حملة شرسة على بعض الفنانين باعتبارهم يسيؤون للدين والمعتقدات، كانت أولاها، محاكمة عادل إمام، ومحاصرة السيناريوهات، والتضييق على الإبداع، بما يتماشى وروح فكر الجماعة الدينية، متنكرة لكل قيم المجتمع المصري وتاريخه. ليفتحوا باب جهنم على أنفسهم. إن الاعتقاد بأن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري، خطأ فادح في المنهج، والموضوع، على اعتبار أن مفهوم الدولة الحديثة ينبني على المشاركة السياسية المدنية، التي تقوم على احترام الآخر، والاحتكام إلى القانون المتوافق عليه، بعيدا عن دساتير الجماعات، والتنظيمات المغلقة، التي تتوهم أنها تمتلك الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من أمامها، ولا من خلفها.وخصوصا أذا كان المجتمع يتميز بالتنوع المذهبي، والعرقي، تكون المهمة التوافقية أصعب. ولو افترضنا جدلا، أن الجماعة بحكم تاريخها النضالي، والتراكمي في الميدان، عبر التعبئة، والشحن الديني، الذي يُعد أسهل الحلول على اعتبار أن المجتمع العربي الإسلامي، لم يقطع بعد مع موروثه الثقافي. فإن العملية الديموقراطية تبقى إستنساخا يأخد فقط بالشكل، بعيدا كل البعد عن القيم الفلسفية، والعلمية التي إنبنت عليها في مواطنها الأصلية. وبالتالي الركوب على المفاهيم ومحاولة استغلالها تبقى عملية قرصنة، وتضليل للرأي العام، لن يقدم أكثر من الصورة التي نشاهدها الآن. فالديموقراطية وحدة متجانسة، من بين أهم ركائزها الحرية بمفهومها العام، لا وصاية، ولا إرشاد، ولا وهم، ولا هم يحزنون، ولا تباكي على صناديق الاقتراع، لأنه ضرب من الخبل، والحمق، ما لم تتمكن تلك الجماعة والقوى الموالية لها، وكل من يدور في فلكهم، من تقييم حقيقي، وموضوعي بعيدا عن الوهم والتطرف لأفكارهم، وممارساتهم التي كشفت عن كل المغالطات التي يحتويها عقلهم النظري، كي يعودوا بقوة، وفعالية إلى الحياة السياسية المصرية لأن نفي الحقائق لا يعني عدم وجودها.