في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع أن يستفيد إسلاميو المغرب (العدالة والتنمية) المشاركون في اللعبة السياسية من الدرس النموذجي الذي قدمته جماعة الإخوان المسلمين في مصر عقب أحداث 25 يناير، بحكم القواسم المشتركة بين التجربتين وموقعهما داخل نسق اللعبة السياسية في البلدين. إن المتأمل لسيناريو ما قبل 20 فبراير في المغرب يكتشف أن شيئا من هذا لم يحدث، لكن وقعت أشياء أخرى استطاعت أن تكشف عن بصيص المصداقية الذي بقي الإسلاميون يقتاتون عليه. لنتوقف عند الوقائع منذ بدايتها، حين صرح الأمين العام للحزب لموقع إيلاف بما يلي: '' لم توجه إلى حزبنا أية دعوة للمشاركة في هذه المسيرة، وحتى لو تم ذلك ما كان لنا أن نشارك، إننا حزب سياسي مسؤول، وعليه لا يمكننا المشاركة مع كل من دعا إلى الاحتجاج'' ومنه أيضا ''ممكن أن نتقاسم معهم بعض المطالب، لكن لنا اختلاف أساسي معهم، فهم ليسوا حزبا سياسيا، ونحن حزب سياسي مسؤول''. بينما جاء بيان الأمان العامة واضحا بالتأكيد على أن حزب العدالة والتنمية غير معني بالمشاركة في 20 فبراير. إن هذا التصريح غير بريء، فقول السيد بنكيران بأنه "لم يتلق دعوة" وأنه "حزب سياسي مسؤول"، لا يعدو أن يكون له إلا معنيان: أولهما أن كل التنظيمات التي شاركت في هذه التظاهرة غير مسؤولة، وبهذا يترقى السيد بنكيران إلى منزلة توزيع صكوك المسؤولية والرشد من عدمه على التنظيمات. وثانيهما أن حزبه طيلة العقود السالفة لم يكن مسؤولا حين كان ينزل إلى التظاهرات التي تنظم في مناسبات معينة، ما يستلزم من الدولة أن تتدخل لتحجر قانونيا على كافة التصرفات التي قام بها هذا الحزب السياسي. عقب هذا القرار خرجت بعض القيادات المعروفة بولائها الدائم وانحيازها لصوت الشعب الذي ترفعه كشعار لخيارها النضالي (الرميد، الشوباني، أفتاتي، حامي الدين...) لتعلن استقالتها من الأمانة العامة للحزب والنزول إلى الميدان يوم 20 فبراير، في الوقت الذي بقيت فيه بعض الوجوه حائرة في البحث عن مخرج لهذه الورطة التي أدخلهم إليها السيد بكيران، فهذا يتيم يستنجد بابن تيمية و الشاطبي ليفسر لنا الموقف على ضوء قاعدة "درء المفاسد وجلب المصالح"، وهنا نسائله عن أي مصالح تتحدث أيه الرجل وأصوات الشعب تتعالى مطالبا بمحاربة الفساد الذي ما فتئت جريدة التجديد تخصص له صفحات أسبوعية أم أن الواقع لم يكن بتلك الحدة التي تكتبون عنها. ما يجعل لسان حالكم أي جريدة التجديد في موقع الترويج للزائفات. فأي الموقفين تختار؟ أما الكاتب العام السابق لشبيبة السيد عبد العزيز رباح فقد وجد نفسه محرجا أمام أسئلة الصحفي رضوان الرمضاني في "راديو ميد" الذي قام بتغطية مباشرة لهذه المسيرة، بل ظهرت أجوبة السيد رباح أشبه بإنسان مبدأ في عالم السياسية، حيث لم يجد من سبيل سوى تكرار أسطوانة أمينه العام في تصريحه للإيلاف. أما الواقعة الموالية فهي تأكيد شبيبة المصباح على النزول إلى الشارع للتظاهر إلى جانب إخوانهم الفايسبوكيين يوم 20 فبراير الذي جاء على لسان كاتبها مصطفى بابا، غير أن هذا التأكيد ما فتئ يسحب بعدما نجحت صفقة الداخلية مع الحزب في إطلاق القيادي جامع المعتصم الذي كان رهن الاعتقال بتهمة جريمة الفساد. وهنا يكون حريا بنا إعمال منطق يتيم فإطلاق صراح جامع أولى في نظر هؤلاء من المطالب بتحسين أوضاع كل المغاربة والوقوف إلى جانب صوت الشعب. وليسمح لي القراء بالعودة به قليلا إلى الوراء في الوقت الذي كان فيه الإسلاميون يعدون العدة لتأسيس هياكل الشبيبة، حين برز جدال حاد بين تيارين أحدهما يجعلها امتدادا للحزب تابعة له في كل شيء (توجه أبناء الرابطة سابقا) وهو ما تحدث عنه السيد يتيم اليوم بالعصيان والعقوق للأب الذي هو الحزب، أما التيار الثاني الذي يحاول أن يجاري الشبيبة الاتحادية في عز أيامها فقد دعا إلى الاستقلال شبه التام للشبيبة عن الحزب (توجه أبناء حركة الإصلاح والتجديد سابقا). غاية كل هذا السجال آنذاك إطلاق حرية الشبيبة في قراراتها ومواقعها وعدم تحكم الحزب فيها، بل حتى عدم تمكن الدولة فيها عن طريق الحزب، غير أن شيئا من هذا لم يحدث حين قادت أسماء بعينها النقاش العام لصالح التيار الأول أي التبعية الكلية للحزب. بعد كل هذا نتساءل عن أي معارضة يحق لحزب المصباح الحديث بعد اليوم مادام لم يضم صوته إلى صوت الشعب في هذه اللحظة التاريخية؟ ثم أليس موقف حزب الدولة (التراكتور) بأي حال من الأحوال أحسن حالا منكم (وإن كنا نقدر سياقات هذا الموقف)؟ وأنتم من لا يتوانى في التلويح بفزاعته كلها أتيحت لكم الفرصة؟ ما الفرق بين حزب العدالة والتنمية المعارض وحزب الاستقلال الحاكم ماداما الكل يقاطع مطالب الجماهير الشعبية؟ عن أي مصداقية يحق لكم الحديث بعد هذا مادامت مصالحكم الخاصة أولى من مصالح القواعد التي أوصلتكم إلى البرلمان؟ هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.