لم يكن غاندي مخطوفا ذهنيا عندما أكد على أخطاره السبعة والتي تعد من أهم الأعمدة التي يقوم عليها استقرار المجتمع، خصوصا عند الحديث عن السياسة التي عرفها أحدهم بأنها " فن الكذب بامتياز حيث أن السياسي لا يصدق ما يقول ويتعجب عندما يجد الآخر قد صدقه"، ويعرفها آخر بأنها " تدبير الشؤون العامة لخدمة المصلحة الخاصة". إننا نتحدث هنا عن خطر "السياسة بلا مبادئ"، مبادئ تأخذ الطابع الإنساني الأشمل قبل البعد القانوني أوالعرفي. هذه السياسة التي انسلخت عن مبادئها جعلت عزوفا حرجا في صفوف الشعوب لممارستها ويأسا خطيرا من فاعليتها ونجاعتها وقدرتها على التغيير، إنني أ قصد هنا أغلبية شاءت عدم المشاركة في أي لعبة من ألاعيبها أو أي دهليز من دهاليزها. واقع جعل تنظيمات كبيرة تعمل في الظلام وأنظمة مسرفة في غيها ومعولة على قوة عسكرها - أمام المواطن الأعزل وليس العدو في تاكيد لمقولة "أسد علي وفي الحروب نعامة"- وعلى دعايتها الإعلامية وعلى إسكات الداخل بالعصا أو الجزرة والخارج بالمصلحة المشتركة التي لا تتجاوز الحفاظ على استقرار هذه الأنظمة مقابل الوطن كله أرضه وعرضه وماله. فاتسعت الهوة بين الأنظمة والشعوب، فكانت الثورات عاجلا او آجلا المصير المحتوم، ثورة تزيل أنظمة ديكتاتورية فاسدة بأخرى ديمقراطية عادلة غالبا برداء إسلامي. إن تسييس العسكر والشرطة ، وجعل القضاة نشطاء سياسيين بدل السهر على استقلالهم، واحتكار الدين، والكفر بالإختلاف وتحويله إلى خلاف،وعدم توخي المصلحة العامة وتغليب المصلحة الخاصة، وتبني العنف بدل الحوار، وإبادة المعارضة عوض احتوائها... كلها نواقض كبرى لا تصح السياسة إلا دونها.حيث أن من شأن هذه الرؤية - التي تنبني على تجنب هذه النواقض - أن تأسس دولة الحق والقانون وتعيد للحياة السياسية نفسا جديدا يستمر ما استمرت هذه الرؤية واقعا ملموسا. غير أن هذه الديمقراطية لا شك ستتصادم مع قوى داخلية اعتادت على الفساد واستغلال البلاد، ومع أنظمة ديكتاتورية جارة تخاف على نفسها نجاح تجربة شقيقتها ونقل "عدوى" الثورة لها، ومع دول غربية ألفت الخنوع والاستغلال البشع للوطن والذمم. إن كل سياسة مبادئها الظرف الطارئ والزمان الحرج والمكان المتدبدب هي سياسة فاسدة لأن المبادئ لاتتغير وإن بررت الوسائل من أجل الغايات. إن ما يحدث الان في مصر هي انتكاسة للسياسة وخرق فادح لأهم مبادئها المتمثلة في الديمقراطية والعدالة، حيث ان الانقلاب على رئيس وبرلمان منتخبين ودستور مستفتى عليه و اعتقال القيادات وغلق القنوات ومصادرة الصحف وتكميم الأفواه... يؤكد ان هناك تيارات لا تؤمن بالديمقراطية إلا إذا جاءتهم بما يرغبون، ودون ذلك الغاب، إنها كصنم ابن الخطاب يعبده وإن جاع أكله. لكن للأسف الأمر تجاوز الشأن السياسي ليصل إلى الشأن الإنساني ونحن نرى العديد من المجازر التي يقوم بها الجيش و الشرطة أمام شعب سلمي ذنبه الوحيد أن يطلب الحرية و يرجو العدالة و يبكي على أطلال الديمقراطية التي تفصل على مقاسات. من بين الأشياء التي غاب فيها العقل والمنطق، كان دفاع العديد من الحقوقيين و النشطاء عن الاقتصاء السياسي لجماعة الاخوان المسلمين وفي نفس الوقت يؤكدون على بناء الديمقراطية للنظام القديم الجديد في مصر، و كأنني بهم يوهمون أنفسهم بأن الاخوان حفنة من المرتزقة أو قلة ساعية لحكم يسهل إذابتهم و إعادة صياغتهم وفق إرادة العسكر، وهم يعلمون حق العلم أنه تنظيم عالمي و يصل أعضاءه في مصر لوحدها إلى أكثر من مليون عضو أي ضعف تعداد الجيش "العظيم" للدولة و أن المتعاطفين معه لاشك يتجاوز التعداد السكاني لمجموعة كبيرة من دول العالم، وهم يعلمون كذلك أن الإخوان منذ تأسيسهم سنة 1928 وهم يعانون الويلات و الاعتقالات و القتل ... إن جماعة الإخوان خلال سنة من الحكم فقط، أثبت أنها قادرة بالفعل على خلق نظام ديمقراطي وعادل في التعامل مع الشأن الداخلي والمعطيات الاقليمية و الدولية، وما يثبت كلامي هذا أن النيابة العامة المصرية الانقلابية ظلت لأكثر من شهر تبحث عن تهمة للرنيس الشرعي و المنتحب الدكتور المهندس محمد مرسي، ولم تجد إلا التخابر مع حماس والتي أشارت مصادر أنها التهمة الأكثر شيوعا في إسرائيل، فمرحبا بها تهمة وبئسا للظالمين بدلا. لقد أبانت لنا التجارب السابقة أنا ما من تنظيم عارض أنظمة قائمة إلا وصل إلى الحكم طال الزمن أو قصر، وما عودة الإخوان لحكم مصر إلا مسألة وقت لا غير، وأن هذه التجربة ستظل غاية في الأهمية لإعداد تصورعام لمفهوم الثورة و الحكم .وما تعرض له حزب العدالة و التنمية التركي خير دليل في هذا الباب. و مع دخول الأزمة المصرية في نفق مظلم يصعب معه تحديد أي مصير ستلقاه وأي سيناريو سيحدث، يبقى الثبات على المبادئ عصى الرحا لاستمرار الممانعة، وليتأكدوا أن نصر الله قريب مصداقا لقوله تعالى :"حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ". هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.