في خضم الأحداث المتلاحقة التي تشغل بال المواطنين خلال الأيام الأخيرة، سواء ما تعلق منها بالإقصاء المر للمنتخب الوطني من ربع نهائي كأس أمم إفريقيا بالكاميرون، على إثر انهزامه أمام نظيره المصري بحصة (2/1)، أو على مستوى الأزمة الصحية الخانقة والمؤرقة في ظل تفشي جائحة كورونا وتواصل ارتفاع الأسعار ومهاترات بعض "السياسيين" في البرلمان، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي واهتز معها الرأي العام الوطني والدولي للفاجعة الأليمة التي عرفها إقليمشفشاون، جراء سقوط الطفل ريان ذي الخمس سنوات في منتصف يوم الثلاثاء فاتح فبراير 2022، داخل بئر غير مسيج بعمق يقدر بحوالي "32" مترا قرب منزل أسرته في قرية إغران بالجماعة الترابية تمروت. إذ بمجرد ما علمت السلطات المحلية بالمأساة حتى هبت إلى عين المكان مدعومة برجال الوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المساعدة، حيث انطلقت عمليات الحفر منذ الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 2 فبراير 2022 قصد انتشال الطفل ريان قبل اختناقه، إذ تمت تعبئة كل الوسائل الضرورية من جرافات وآليات ثقيلة لكسب معركة الإنقاذ. وساهم في ذلك متطوعون من المستغورين الذين حال ضيق قطر البئر الذي لا يتجاوز 45 سنتمترا دون تحقيق الهدف، لتستمر فرق الإنقاذ تقود جهودا مضنية نحو عمق البئر باحتراس شديد، تفاديا لانجراف التربة… وقد ظل أعضاء لجن الإنقاذ المحلية يوصلون الليل بالنهار مصرين على عدم الاستسلام، يحدوهم الأمل الكبير في تحرير الطفل العالق. إذ أنهم وفي ظل جودة أحوال الطقس وضعوا مجموعة من السيناريوهات الممكنة بتتبع مباشر من وزيري الداخلية والصحة عبد الوفي لفتيت وخالد آيت الطالب، تحت إشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش. الذي تفاعلت حكومته باستعجال مع "صرخات" الاستغاثة التي أطلقها نشطاء الفضاء الأزرق، وتجندت لذلك بوضع سيارة إسعاف رفقة طاقم طبي يتشكل من طبيب مختص في الإنعاش والتخدير وممرضين من المستشفى الإقليمي بالشاون رهن إشارة فرق الإنقاذ. كما حلت بموقع الحادث مروحية طبية تابعة للدرك الملكي من أجل نقل الضحية إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية فور إخراجه. وموازاة مع الأشغال المسترسلة، وسعيا منهم إلى الإبقاء على حياة الطفل ريان، بقي المسعفون متفائلين وأكثر حرصا على حالته الصحية، مرتكزين في ذلك على مده بقارورات الأوكسجين والماء، كما توضح الكاميرات التي تم إنزالها منذ البداية إلى أعماق البئر… وفيما كان ملايين المغاربة وغيرهم من الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب يحبسون أنفاسهم وهم يتابعون بتوجس الأخبار المتواترة عبر مختلف وسائل الإعلام رافعين أعينهم إلى السماء وواضعين أيديهم على قلوبهم، تواصلت أشغال الحفر على قدم وساق بحذر شديد من قبل العشرات من عناصر الوقاية المدنية والسلطة المحلية ورجال الدرك الملكي والقوات المساعدة بحضور مهندس وتقنيين طوبوغرافيين، وتحت أنظار حشود من أهل المنطقة المشرئبة أعناقهم جهة الحفرة العميقة، والجميع يتضرع إلى المولى جل وعلا أن يشمل الطفل بعنايته الواسعة حتى لا يختنق تحت الأنقاض، ويعود سالما معافى إلى أحضان والديه اللذين يمزق الحزن قلبيهما. ترى ما الذي يمكن استخلاصه من هذه الفاجعة المروعة؟ مما لا ريب فيه أن حادثة الطفل ريان التراجيدية علاوة عن كونها سلطت مزيدا من الضوء على واقع ندرة المياه في العديد من المناطق القروية، واضطرار ساكنتها إلى حفر الآبار العشوائية التي تطرح عدة تحديات على مستوى الفرشة المائية، وما ينجم عن إهمال بعضها من أخطار على سلامة المواطنين وخاصة صغار السن، فإنها كشفت كذلك عن غياب دور الأسرة في حسن رعاية وحماية أطفالها، لأن مسؤولية الأبوين تجاه أبنائهم لا تنحصر فقط في توفير الطعام والملبس، بل أيضا في الحرص على ضمان حقهم في التعلم والحياة والسهر على مراقبتهم الدائمة عن قرب. ومن جهة أخرى شكلت الفاجعة محكا حقيقيا ليس للمسؤولين وحسب، بل كذلك لكافة المغاربة الذين أبدوا تعاطفا كبيرا مع الطفل وأسرته، وكشفوا عن معدنهم الأصيل وتشبثهم الدائم بقيم التضامن والتآزر الراسخة في أعماقهم. وإلا ما كان ليهب الجميع عن بكرة أبيهم مبرزين كامل استعدادهم للمساهمة في الدعم والإنقاذ وفق ما يتوفرون عليه من إمكانات مهما كانت بسيطة، ولو بالتوجه إلى الله والدعاء له بالفرج العاجل. كيف لا وهم الذين عودونا على أفعال الخير في الكثير من المحن والشدائد التي عرفتها بلادنا، ولا أدل على ذلك أكثر مما أبانوا عنه من روح وطنية وتكافل اجتماعي خلال الحجر الصحي الشامل الذي فرضه تفشي جائحة "كوفيد -19″، عندما سارعوا إلى إطلاق عدة مبادرات إنسانية لمؤازرة الأسر الفقيرة وخاصة التي فقدت مورد رزقها. إننا إذ نشد على أيدي فرق الإنقاذ التي بذلت جهودا خرافية بمعية بعض المتعاونين معها متحدية صعوبة التضاريس وعديد المخاطر، ونعرب عن أحر تعازينا وأصدق مواساتنا لأسرة الطفل ريان الذي خطفه الموت رغم ما أبداه من مقاومة، سائلين العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، فإننا نرفض بقوة أن تظل عيون مدبري الشأن العام غافلة عما تزخر به بلادنا من نقائص وما يتهدد سلامة المواطنين من أخطار. فهل قدرنا أن نستمر في انتظار حدوث المآسي والكوارث، ليستيقظ المسؤولون من سباتهم العميق على بعض الحقائق الصادمة، وما يترتب عنها من كلفة مادية ومعنوية باهظة؟