لقد خرجت تظاهرات في أكثر من مدينة في الصحراء ، و يبدو أن هناك مناخ متوتر وغير امن ، الهدف منها استفزاز القوات المغربية ، التي لن تتردد في استعمال العنف في مثل هده الحالة ، ولعلها أبشعها والشاهدة في التاريخ الحالي أحداث السبت الأسود بسيدي افني 2008، وبعده أحداث ما عرف ب "اكديم نزيك" ، إلا أن الفرق بين مايحدث ، وماحدث في افني والعيوان ، هو أن أبناء افني عاصمة الصحراء في عهد الإسبان ، لم يستوعبوا الدرس الحقوقي، وهم الواثقون في عدالة قضيتهم ، ورغم نتيجة لجنة سميت بتقصي الحقائق التي ترأسها أقدم الأحزاب حزب الاستقلال ، والتي علقت أمالهم في المصالحة مع التاريخ الأسود للمخزن في المنطقة ، وطي صفحة الماضي الأليم ، والتي تناستها هيئة الإنصاف والمصالحة التي جابت كل المناطق المغربية باستثناء افني ، وهو ما يعزز قناعة هؤلاء اليوم بفكرة أن كل التيارات الممخزنة، بما فيها التلاوين المنتفعة من الريع الحقوقي ، لاتقة فيها ، ورغم قناعتهم بذالك ، لم يبادروا يوما الى تدويل قضيتهم في المحافل الدولية ، على غرار ما يقوم به الحسانييون اليوم في عاصمة الصحراء العيون في ظل الإدارة المغربية ، ليس أن أمازيغ الصحراء يتجاهلون لقضيتهم ولملفاتهم العادلة والمشروعة ، ، وإنما تسامحا وليس تنازلا منهم و تساهلا كما يتصور البعض، إنما اعترفا بان الضرورة تقتضي لم الشمل ، وهم العارفين في أمور الحروب والسياسية ، وكيف انتهى بهم الدهر ، بسبب أخطاء قاتلة ، وهم الذين قال عنهم فرنكوا أيضا أن تحرير عاصمتهم افني يحتاج الى استعمال" الديناميت" ، مايقع اليوم أشبه بما وقع بالأمس ، فخلال مرحلة الستينات، كان المغرب يتفادى أية مواجهة مفتوحة مع إسبانيا دون التنازل على مطالبه الترابية التي كانت تعكر دائما صفاء علاقاتها مع مدريد. ،كانت الرباط تنهج نوعا من الليونة في طرح قضايا ملائمة مطالبها للمحيط الجهوي المتحول و سمح هذا الخطاب التوفيقي للدبلوماسية المغربية في قضية النزاع الترابي بإجراء لقاء بين الجنرال فرانكو و الملك الحسن الثاني في لقاء باراخاس ب"مدريد " في يوليوز 1963 ،و قد جاء هذا التوجه في سياق جهوي تميز بالأزمة الجزائرية المغربية و البرود بين إسبانيا و الجزائر وكذا العلاقات الجيدة بين باريس و الرباط و العلاقات المستحسنة بين فرنسا و إسبانيا بهذا الشكل نجح المغرب مؤقتا في تعطيل تحالف ممكن بين كل من الجزائر موريتانيا و إسبانيا و هي الدول الثلاث التي ظلت حدودها عالقة معها ،و خلال اللقاء بين القائدين إتفقا على بعض المبادئ العامة الموجهة لحل النزاع الترابي المغربي الإسباني مع الدفع بتعاون ثنائي خجول . و أمام الرفض الإسباني للتفاوض حول سبتة و مليلية قبل المغرب بتجميد مطالبته بهاتين المدينتين مقابل فتح مفاوضات بخصوص سيدي افني و الصحراء ، إلا أن اكتشاف مناجم الفوسفاط ببوكراع سنة 1963 دفع بالحكومة الإسبانية إلى تأجيل استقلال الصحراء و البحث عن حل يحفظ لها مصالحها في المنطقة و استبعدت الحكومة المغربية من جهتها كل مسؤولية لها عن هجمات جيش التحرير وصرح أحمد بلا فريج وزير الشؤون الخارجية يوم 8 مارس في داكار عاصمة غرب إفريقيا الفرنسي بعد لقائه بجاستون كوزان أن " الأحداث" سببتها عناصر قلنا أنها غير متحكم بها و من الصعب التحكم بها . في المقابل يبقى خطاء عدم التفاوض على افني-والصحراء كإقليمين ذا خصوصيات مشتركة وفصلهما عن بعضهما البعض من الهفوات التي إعتمد عليها توجه العروبة ،وأدى الى فتح الجدال حول الصحراء الأمازيغية بل أكثر حدة على ما تبقى منها بعد تقزيمها بنظرية الماركسية العربية، وجعل ذالك أكثر تأثيرا على الوحدة الترابية لأية دولة أخرى والذي تطلب ربط تصفية الإستعمار بالإستفتاء لتقرير المصير.و فعلا فقد تمكن تيار العروبة المدعم من طرف الإتحاد السوفياتي، آنذاك إلى الضغط على المنتظم الدولي ومطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ إصدار التوصية2229 (XXI) الصادر بتاريخ 20 ديسمبر1966 وبدون انقطاع، بأن الصحراء الغربية، ما دامت لا تشكل جزءاً من الوحدة الترابية للمغرب، هي إقليم يجب تصفية الإستعمار منه عن طريق إستفتاء لتقرير المصير . وقد ساهم ضعف الدبلوماسية المغربية، و الصراع الإيديولوجي بين لوبيات المعسكرين داخل الأممالمتحدة إلى رفض هذه الأخيرة لمطلب المغربي الذي يطالب باعتبار الصحراء جزءا من الوحدة الترابية لهذا البلد و النزاع الذي أثار المغرب منذ 1961 حولها إلى إبقاء هذا الملف معلقا ما بين 1969 و1974. ،وهي فترة بداية الأخطاء حيث تم خرق دستور المملكة المغربية مادام أن الحديث عن الوحدة الترابية يستدعي استفتاء الشعب المغربي و قبل فيها المغرب دون التخلي عن موقفه القانوني، تطبيق مبدأ تقرير المصير خصوصاً بالنسبة لموريتانيا ،و هو بذالك حاول فصل موريتانيا عن المغرب كما هو حال فصل افني عن الصحراء وهو الخطاء الذي أبان عن ضعف الدبلوماسية المغربية تحت ظل تنازلات على أرض الصحراء الامازيغية وخسر إقليم موريتانيا مستخدما نفس الحجج التي يطالب بها الصحراء في صراعه مع الجزائر في الوقت الحالي. فهل الحلول البديلة اليوم لمشكل الصحراء ، يقتضي استحضار أخطاء تلك التوجهات السياسية البعتية العربية ، والسلفية ، التي كانت وراء فبركت قضية يراد منها أن تتمكن الأقلية من خطف الأغلبية الساحقة ؟ أم أن مشروع الحل السياسي يبدأ من سؤال جوهري ، وهو أن تقسيم الثروة هو الصائب ؟ ، مادام إن أغلبية الصحراويين وان لم نقل جلهم تربوا على تقليد الإحتجاج والتظاهر ، من الصعب أن يتخلصوا من ذالك ، وهو ما يريده الآخرون في الخفاء ، ليس لقتل مشروع الحل ، وإنما للابتزاز ، وتقسيم الثروة ، فالصحراء بنسبة لهؤلاء وأولئك ، من المتخادليين في كلا الجانبين ، بقرة حلوب ، وفي ظل هذا التقليد هل يمكننا في الواقع الحديث عن دويلة ، وبسوق استهلاكية اقل ، واحتجاجات مفبركة ، وأخرى مضادة ؟ كل ذالك من اجل بيع وهم طالما تضرر منه الإنسان الصحراوي ، واستفاد منه أباطرة الفساد والمفسدين ، هل حان الوقت لإعادة النظر في طريقة تدبير ملف الصحراء بدون أطياف ، جعلت من الصحراء واد للذئاب ، وسبق وان تورطت في معاهدة أكوفيون ، وسلحت الصحراويين بعد ذالك ، وشردت الأسر والعائلات ، بل قضت على الخصوصية الامازيغية للصحراء ، فالمفاوضات لم تعد مجدية مادام أن هناك من في مصلحته أن يظل المشكل قائما ، و يمككنا أن نستفيد من تجربة إدارة اسبانيا للصحراء ، وعلاقتها بالصحراويين ، ليتبين ، أن الأعيان والشيوخ والعائدين والذاهبين ، والنساء الملحفات والمجتمع المدني المشبوه، وكل الأساليب الاسترزاقية .... لم تعد تجدي ، فحينما يرفض الشباب الصحراوي الإذعان لولائم الأعيان ، والإستسلام لنصائح شيوخ القبيلة ، و العزوف عن العمل السياسي فالمهمة قد تكون خطيرة وحساسة ، وفي هذه الحالة الحل في الصحراء سياسي ، وأمازيغ الصحراء جزء منه .