تعتبر مشاركة أمين عام جماعة العدل والإحسان ذ محمد عبادي، في أشغال مؤتمر حركة مجتمع السلم "حماس" الخامس بالجزائر حدثا استثنائيا لا يخلو من رسائل سياسية إلى الداخل والخارج، ويرى بعض المتتبعين أن أهمية هذه الزيارة للجزائر لا تأتي فقط من كونها أول زيارة خارج المغرب يقوم بها ذ عبادي بصفته أمينا عاما جديدا للجماعة، خلفا لمرشدها الراحل الأستاذ عبد السلام ياسين –رحمه الله تعالى- أو بسبب انتسابه إلى الجهة الحدودية الشرقية وإلمامه بطبيعة العلاقة التاريخية بين الشعبين الجزائري والمغربي، بل لسببين أكثر أهمية هما : 1-توقيت الزيارة وتزامنها مع ما تشهده الأقاليم الجنوبية من توتر: تطرح المشاركة في هذه الظرفية الخاصة -على المستويين الداخلي والخارجي- في ظل التطورات الأخيرة المتسمة بارتفاع حدة التوتر وأعمال العنف وتصاعد وتيرة الانتهاكات والمطالبة بتوسيع صلاحيات المينورسو، وأيضا بمثل هذا النوع من التمثيلية، حضور الأمين العام للجماعة ونائبه على غير العادة، أكثر من سؤال حول الدور الذي تحاول العدل والإحسان أن تقوم به في ملف الصحراء لنزع فتيل التوتر غير المعلن بين المغرب والجزائر، وللمساهمة إلى جانب حركة المجتمع السلم حماس المعروفة بمواقفها الداعية إلى تسوية الملف -وخاصة مؤسسها الراحل محفوظ النحناح رحمه الله - لطي ملف الصراع في الصحراء، وإيجاد حل سلمي وعادل للقضية، في ظل تهديدات ومخططات غربية لتقسيم المغرب والجزائر، وإضعاف دول الشمال الإفريقي بتقوية النزعات الانفصالية في الريف والصحراء ومناطق "القبايل". ولعل العدل والإحسان بما تملكه من مصداقية لدى الجزائر والبوليساريو بسبب مواقفها الواضحة والحاسمة من طبيعة النظام الحاكم في المغرب، باعتبارها المعارضة الشعبية الحقيقية في المغرب، وبسبب إستراتيجيتها الدعوية الهادفة إلى توحيد العالم الإسلامي ومناهضة كافة أشكال التقسيم والتفتيت التي خلفها الاستعمار تحاول استثمار الوضع في أفق أي حل مستقبلي للملف. 2- طبيعة التصريحات التي أدلى بها الأمين العام: تميزت زيارة ذ العبادي للجزائر بسيل من التصريحات للصحافة المحلية، وبكم من المواقف لعل أبرزها ما عبر عنه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، ويمكن التوقف عند تصريحاته بخصوص قضيتين أولهما الموقف من طبيعة النظام في المغرب، وثانيهما العلاقة مع الجزائر والموقف من قضية الصحراء: الموقف من طبيعة النظام في المغرب: الموقف من طبيعة النظام في المغرب، هي القضية التي حظيت بالتغطية الإعلامية وبأكبر قسط من التحليل السياسي وغلبت عليها للأسف الإثارة المجانية، رغم أن تصريحات الأستاذ العبادي لم تخرج عن سقف مواقف الجماعة المعروفة سلفا والتي تصرح بها قيادات الجماعة في الداخل وفي الخارج ولا تكتسي أي خصوصية كونها أعلنت من الجزائر، فالعدل والإحسان تعلن رفضها الدائم -ووفق قراءتها الخاصة للتاريخ ولمسار التغيير- لنظام الملك القائم على الاستفراد بالسلطة والمغيب للشورى ولإرادة الشعب في اختيار حاكميه، لهذا فليس مستغربا أن يكون جواب ذ العبادي عن كيف تنظرون إلى نظام المخزن، وتحديدا الملك محمد السادس؟"نظام الحكم في الإسلام محدد شرعا، وهو نظام قائم على الشورى وليس على الوراثة الذي بدأ منذ الانكسار التاريخي وتحول الأمر إلى ملكية عامة، نحن نعاني من الملك، وتدريجيا- إن شاء الله- سنتخلص من هذا النظام، ونعود إلى ما جاء في كتاب الله" فهذا ما تؤمن به الجماعة وما تسعى لتحقيقه بكافة الأساليب السلمية والمشروعة.كما أكد الباحث الدكتور محمد ضريف المتخصص في الحركات الإسلامية " أنه يجب فهم تصريح الأمين العام لجماعة العدل والإحسان وفق أدبيات الجماعة بخصوص نظام الحكم، فموقف الجماعة معروف ومعلوم، فهي أسست، وجودها على أن هناك انحرافا أو انكسارا تاريخيا وأن جوهر الحكم في الإسلام قائم على الشورى، بغض النظر عن طبيعة النظام (السياسي)". العلاقة مع الجزائر والموقف من قضية الصحراء: رغم أن الجماعة تقدر أن موقفها من الصحراء، وبالنظر لما تعيشه حاليا من وضعية استثناء، كاف لمن يريد أن يفهم. غير أن بعض المراقبين يجدون أن موقف العدل والإحسان من "قضية الصحراء" موقفا غامضا أو على الأقل غير واضح. ففي حوار أجراه موقع لكم الإلكتروني مع ذ محمد السلمي، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية يصرح:"لقد نال موضوع الصحراء الكثير من اهتمامنا في الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، وفي مكاتب الدراسات والأبحاث التابعة لنا. وحين يفرج عن معتقلينا، وتفتح بيوتنا المشمعة، ويعترف بنا. سيرى الجميع ما يمكن أن تقدمه الجماعة عمليا لهذا الوطن الغالي وهي إجابة ذكية ودبلوماسية، لم تخرج عن الإطار العام الذي تقارب به الجماعة الملف منذ سنوات والمبني على ما يلي: لا يمكن حل الملف بدون الجزائر وفق مخطط عام شمولي وفي إطار وحدة أقطار المغرب العربي مرحليا. تقوده قيادات وطنية وإسلامية في البلدين تراعي مصالح الشعبين المشتركة ومصالح الأمة الإستراتيجية. وهو ما أكده ذ العبادي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر:"أمة التوحيد أمة واحدة، وجواز التنقل بين أطرافها المترامية هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" . وأضاف أنه ينبغي "إسقاط الحدود التي فرقت الأمة ومزقتها فأضعفتها ، في حين أن الإسلام يوحدنا ويقوينا . "وهو نفس كلام ذ عبد السلام ياسين رحمه الله "أما نحن، فقد ظل موقفنا من القضية واضحا-قضية الصحراء-، لا التواء فيه ولا لبس، وهو التشبث بوحدة الشعوب المسلمة عَبْرَ الحدود الغاشمة الموروثة من تاريخنا الاستعماري، قديمه وحديثه"1 لا يمكن إجبار الإخوة في الصحراء على الانضمام إلى المغرب عن طريق الإكراه والغصب وبدون إرادة حرة واعية. فزمن بيعة الإكراه قد ولى. وهو ما عبر عنه الشيخ ياسين رحمه الله صراحة في رسالته المفتوحة إلى الملك محمد السادس منذ عقد من الزمن:"قضية الصحراء ليست سوى إرث مسموم خلفه العهد الغابر، إرث خلفته سياسة التعاظم الدائسة على كرامة الرعية. إخواننا الصحراويون بين خيارين لا ثالث لهما: الخيار الأوّل أن يخضعوا لملك وَطأَ بالقوة أكناف عرشه وألقى إليهم أمره بالركوع له حسب تقاليد البيعة المخزنية المقيتة. طقوس بهلوانية لا تمت بأية صلة إلى الميثاق الإسلامي الجليل الذي يلزم الشعب الحر بطاعة الحاكم ويلزم الحاكم المنتخب بالعدل نحو الرعية. إن الحكم العاض الذي يلقي للمسلمين الأمر بالركوع لغير الله وصمة عار على جبين التاريخ الإسلامي الذي يطبعه الاضطراب. وهكذا، تم إخضاع الصحراويين -ذوي الأنفة والإباء- للمراسيم المخزنية، ورأينا على الشاشات هامات شيوخ القبائل تنحني أمام الجلالة المتصلبة المستعلية . يا للإذلال ! أي جرح غائر أصاب عزة قوم ما برحوا متمسكين بالإسلام !" 1 لا يمكن إقناع أو إغراء الإخوة الصحراويين بالالتحاق ببلد يحكمه نظام ديكتاتوري فاسد لا يحترم تعهداته الدولية في مجال حقوق الإنسان ولا يقبل بإنشاء ديمقراطية حقيقية غير إقصائية. وهو ما يجعلهم أمام الخيار الذي توقعه ذ ياسين رحمه الله:"الخيار الثاني أن يصغوا إلى نداء العصابات المسلحة التي تخاطبهم بلغة العزة. فهل يا ترى سيصوتون في الغد القريب لمغرب موحد مسلم حقا؟ مغرب تعاد صياغته وبناؤه، أم أنهم سيعتبرون من الإهانة التي لحقت بهم سالفا ومن القمع الوحشي الذي مورس عليهم مؤخرا فيختاروا الكرامة والحرية وينضووا تحت اللواء الآخر ؟"1 لا يمكن حل الملف دون وجود إرادة سياسية تشاركية ودون القطع مع خيار الاستفراد بالسلطة وبتدبير الملف. لا يمكن حل الملف في ظل الفساد المستشري في الصحراء وفي ظل وجود مستفيدين عسكريين وأمنيين ومدنين من الوضع القائم-من الطرفين- امتيازات صفقات سلاح. من المؤكد أن ما تقوم به الحركة الإسلامية في المغرب وعلى رأسها العدل والإحسان والتوحيد والإصلاح من توطيد العلاقة مع القوى الإسلامية، التي تمثل القيادة السياسية المستقبلية لكل الأقطار- هو خطوة هامة في تقريب وجهات النظر، وحل بعض الملفات العالقة وتطوير التعاون بين الشعوب. 1-مقتطفات من الرسالة المفتوحة التي بعثها الشيخ عبد السلام ياسين للملك محمد السادس بعد توليه العرش. إسماعيل العلوي هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.