يمكن للقطب الحداثي أن يجمع المثقفين من الجيل الجديد ، عبر تطوير المعرفة و الدفاع عن التسامح و الحرية من خلال قطب حداثي ينكب على مسألة العدالة الاجتماعية و إحياء الأمل التقدمي في مصالحة التاريخ مع الحرية ، و توفير البديل للنزعة الأصولية التي تحاول تدين السياسة. إن المرحلة الحالية مرحلة تحول مفصلية على صعيد الوطني و على الصعيد الإقليمي استوجبها مخاض العولمة و الثورة الرقمية التي ينبغي فهم مغزاها ، و ممارسة نقد ذاتي لقوى اليسار الجدري، فالفضاء الشعبي عرف تغييرا ، بفعل التطور السريع لتعليم الجماهير، هذا الأمر ينبغي معه الانفتاح على الجماهير ، عوض احتكار الكلام في ظل مزاعمهم النخبوية ، باجترارهم لنفس المصطلاحات التي باتت ماضوية. على اليسار الجدري أن يبدأ من ذاته ، من خلال مساءلتها بدل الهروب الذي يؤذي إلى تدمير الذات ، في ظل أنانية مفرطة غارقة بهوس الهوية و تحليلات سياسية متعسفة غير قادرة على الصمود في وجه التنوع المطلق للثقافات، ينبغي معه اتحاد لكل الحداثيين من اجل تأسيس جبهة تؤسس خطها النضالي على تكريس الاختيار الحداثي، و مواجهة كل نكوص في مجال الحريات الفردية و الحريات العامة و خطر أدلجة الدين، فاللحظة التااريخية ليست لحظة الفرز و تبني الاختيار الاشتراكي كما يذهب بعد أصحاب النظرة " الطوباوية التبسيطة" ، ان المرحلة التاريخية التي نمر منها حساسة وجب فهم مغزاها لأمرين هما: - الامر الأول : وجود نخب شعبية ضحية صدمة التحديث . - الامر الثاني: تحريك هذه القوى و دفعها للتضامن يقتضيان وجود قواسم مشتركة فيما بينها من اجل ضمان تأويل حداثي للدستور. من داخل المؤسسات التمثيلية . ان تحالف جميع القوى الحداثية يقوم على أساس تقديم البديل ، بدل إعطاء الفرصة لقوى الخرافة للسيطرة على الشارع، في ظل مشروع يقوم على الإقصاء ، فنظرية التعالي على الواقع لا تعالج الواقع ، و التجارب الدولية تؤكد أنه لا يمكن المرور إلى تأسيس قطب تقدمي من دون تكريس الحداثة، فاليسار الجدري سقط دون أن يدري في نزعة ماضوية ستضعه خارج التاريخ ، ان لم يمنح لنفسه الفرصة لفهم التحول الاجتماعي و السياسي بفعل العولمة ، و التي ينبغي معه تحرير ذاته من عقد التاريخ ، لكون اللحظة تستدعي إعادة تحديد الحداثة عبر مجابهة القوى المحافظة، بأمل في المستقبل و ليس بالاستسلام للحنين للماضي الذي يتناقض مع طموح التغيير و التقدم، فالنضال الحقيقي هو الذي يصنع التاريخ و ليس العكس، و إدراك أن المجتمع عرف تحولا في المبنى و المعنى بفعل التطور السريع للتعليم الجماهيري ، الذي افرز نخبا هائلة، يصعب ممارسة الوصاية بإسم الماضي أو بإسم صراع الخمسينية. بقدر ما يجب توفير الحمولة التنظيمية لمطلبها المتمثلة في الحرية و الكرامة كمطلبين ليبراليين في العمق ، و ليس اشتراكيين . عملت بعض قوى اليسار على محاولة قولبة الحراك الشبابي في أنماطها الجاهزة، مما جعلها تتواجد في صف أعداء التغيير ، كل ذلك تم باسم تبني مطالب الشباب المتطلع للانفتاح الثقافي و الحضاري والتصالح مع روح العصر، متناسين أن أي إيديولوجية لن تحقق النجاح ما لم تعبر بالفعل عن المشاعر و الطموحات و الأفكار الكامنة داخل المجتمع . ان الدستور الجديد اقر مجموعة من المبادئ ، و ترك المشرع تنزيلها للحراك الاجتماعي هذا التنزيل يفترض استجماع كل الحداثيين في جبهة حداثية ، و خلاف سيضيع فرصة تاريخية ، و بالتالي فسح المجال لقوى الانغلاق بإسم التراث . فالفوضى التي يعرفها المشهد السياسي تستوجب ان نتسلح بالأمل و التفاؤل الذي يميزنا كتقدميين ، من خلال تحريك روح الإبداع و الابتكار ، بغية الإجابة على المشاكل الداخلية و في مقدمتها التنمية و القضايا الخارجية و في مقدمتها قضية الصحراء المغربية. في اطار مشروع سياسي بديل ينقلنا من مرحلة التعددية الحزبية إلى التعددية السياسية. الاتحاد الاشتراكي اليوم مدعو ليكون المحرك الأساسي للقطب الحداثي ، عبر تجميع قوى الحداثة يسارا و يمينا على أساس مشروع يحقق المثل التالية : التحررية، التقدمية، الحداثة. ينقل الحداثة من قيم فوقية الى بنية تحتية تغرس من خلال المجتمع المدني والمنظمات الشعبية والمهْنية. و المنظمات الطلابية والعمالية والثقافية، من خلال استخدام التباين السياسي كرافد للقوى التنظيمية للقطب الحداثي. يمكننا من تكريس الاختيار الحداثي، و تجميع القوى المتنورة من مثقفين و اطر أكاديمية و قوى شعبية ، على برنامج بديل يهتم بالمسألة الاجتماعية، و التنمية الاقتصادية، وفي إدارة المؤسسات المحلية. على جميع الحداثيبن إدراك أن التأويل الحداثي للدستور كغاية نشترك فيه جميعا ، يحتم على كل الحداثيين التخلص من عقد الماضي ، و تأسيس خط نضالي قوامه استجماع طاقات كل الحداثيين، من أجل مغرب يستفيد من الجميع و يستفيد منه الجميع، و تكريس الحداثة أولا قبل تحديد فرز أخر بين الحداثة اللبرالية و التقدمية ، ان مضمون التحالف هو تحقيق مشروع متكامل يهم مسألة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشعب ولفئاته الكادحة والفقيرة، و تحقيق مقومات الإبداع الذي يخلق الثروة قبل التفكير في توزيعها العادل ، وتقليص الفجوة الطبقية في المجتمع، وإصلاح القطاع العام وتفعيل أدواره الاقتصادية، وتوفير فرص العمل للمعطلين، ومحاربة الفساد المالي والإداري، وانجاز الإنماء المتوازن للمناطق والجهات، ورفع التهميش والعزلة عن العالم القروي، وإعادة الاعتبار إلى القطاعات المنتجة (الصناعة، الزراعة...) على حساب تضخم القطاعات الطفيلية.. الخ..، بدون ذلك ستستمر هيمنة القوى المحافظة التي تتقوى من خلال تفكك الحداثيين، يسارا و يمينا ، و بذلك نضيع فرصة تاريخية للتصالح مع العصر و مع المكتسبات المحققة في دستور 2011 ، و الذي يتجه رئيس الحكومة إلى تأويله تأويلا أبويا من خلال جعل الديمقراطية مساوية للطاعة و النصيحة ، و ترويجها لخطاب يكرس الالتباس و لعب دور الضحية ، من خلال خروجه بتصريحات مفادها أنهم مستهدفون من طرف قوى هلامية. و غفلة من القوى الحداثية تُهدد المكتسبات على صعيد الحريات العامة و قمع حرية الرأي، و الهيمنة على مفاصل الدولة ... ان هذا الواقع يهددنا ، نحن الجيل الحالي و الأجيال القادمة في الدخول في الأسوأ ، لما فيه من قتل لطاقة الإبداع ، و تقوية الشعور بالاغتراب الحضاري و الثقافي ، و بالتالي شعوره بالأمل الذي يحفز على السعي لتحقيق الأفضل.