المقال الأخير كان صفعة أخرى على خد الرقيب الذي يتحسس الأنفاس ، ولكمة من امرأة فضحت رعونة وتسلط الزمن المدجج بالسلاح لقهر ضعفاء الوطن الأبرياء وإزاحتهم من كل ربوة حتى لا يستقبلوا في كل صباح شروق شمس الحرية . ايتها المرأة التي كتبت على جدران قلوبنا كلمات تمجد حب الوطن لا تنسحبي من قريتي الصغيرة بعد أن بنيت عشا لفراخ الحرية في كل مكان وسقيت كل الأرجاء بحروفك أرض بلادي كنهر يسبق الزمن القاحل لترتوي الفراشات وينبت" أزير" الجبل، وتأتي عشيقتي لتفوح منها رائحته . فلوكانت كل الكلمات ترسم لك تاجا من عشب أرض بلادي لرجوت مجيئ الربيع قبل الربيع لينثر الزهور والنرجس والأقحوان على كل موطئ قدميك وانت ذاهبة في اتجاه الشمس لا تهابين الظلام . ولقلت للنوارس أن تكلم الأمواج عنك وتحمل لأعماق البحار قصص الليل التي تسكن الوطن وتحكيها أنت بكلماتك البسيطة التي تنفذ تحت الجلد المحروق بلسعات حر الأسعار وشقاء استغلال الإنسان للإنسان. لا تنسحبي بهدوء وخجل فأنت لم تكوني تبحثين عن أضواء ولا رخص الغاسول ولا بحثا عن شهرة في الفضاءات المشبوهة . كتبت لأن كل حرف قطرة دم تنزف من جسد تمرغ في تربة الوطن لا تذهب عبثا بل تسقي بذور التحريرمن ذل الزمن الرديئ وتغسل عار الإنحناءة لدمى صنعت على عجل لتلهي الركب عن الرحيل نحو الشمس والأفق البعيد لن تكون الرقصة الأخيرة لطير جريح ولا القبلة الأخيرة لعاشق سيرحل عبر قارب مطاطي لجنة الفردوس. ولا الرحلة الأخيرة لغجرية في وطنها ، لأنني أرى من هنا أناملك كالسنابل تهتز لمعانقة حروف الحاسوب الباردة لتكتب وتكتب بلا توقف ، ليس المقال الأخير بل ستكتب اللحظات الأخيرة لدقات طبول الحرب على السلام وتسكتها لتنبت الزيتونة ويتكاثر الرمان .ستكتبين كما عهدناك وأكثر عن فيراير وكل الشهور المبتورة من يومية الوطن وعن سرقات تمت بالقانون وبحضوره كشاهد في سوق النخاسة . وستكتبين عن بسمة الطفولة المسروقة ودمعة الأم المريضة والأخت التي سافرت لبيع زهرة شبابها للخليج الغارق في الزيت الأسود. ستكتبين عن رسائل الغرام التي ترسلها النساء لرجال الوطن الذين يسجنون في برودة الجدران ويعصرون أيامهم ليعلقوها نياشين على صدورهم مهرا لهن في يوم الزفاف القريب والقريب جدا . لن تكوني وحدك في هذه الرحلة فحقائبنا منذ زمن كانت تنتظر السفر نحو شروق الشمس. ايتها المرأة التي أعطت من أمومتها للوطن وسكبت دمعها حرقة على أبنائه المهجرين في قوارب الموت والمعطلين في مسبح الذل لا تتركينا بلا كتابة ترش علينا الرذاذ لتبتل وجوهنا ونستمر في مواجهة حر الزمن السياسي ونستل منها العصي لنهش بها على الكلاب المسعورة .لن يكون مقالك هو المقال الأخير في صحيفة الوطن ، بل هو الخبرالأخير عن هزيمة الظالمين ونصرة كلمة الحق لن يكون مقالك هذا هو الأخير لأنك لن تتركي ابنك(الوطن ) بلا رضاعة ، هل لك القدرة على ذلك؟ تلك نقطة ضعفك، حب الوطن ، لا تستطعين فراقه ولو لهنيهة ، تسافرين وتسافرين عبر كل مطارات العالم ولكن تعودين للوطن تحملين كل العواطف والهدايا لأبائك في هذا الوطن ، لأنه يسكنك وتسكنينه، هو المتنفس حين تضيق الحياة وحين تزهو، وفي كل حين . فلو حاصروك من كل الجهات فكتابتك ستكون من خلال كل الأقلام الشريفة والأفواه النقية والقلوب المخلصة ترسم كل سحنات هذا الوطن وتنبت على جباه أبنائه البررة تفاحا وبرتقالا وزيتونا . لن تستسلمي لصرخة خائف يتمسك بالأرض التي استوطتنها بلا حق ويضرب في كل الإتجاهات ليبقى سيدا زمن التحرير والربيع . ولا تبالي بالكلاب التي التي تنبح على القافلة فهي مدربة على ذلك لا تفرق بين قوافل الزمن بين المتاجرة في مصير شعب وقوافل المناضلة لإنعتاقة من قيود عهود غابرة. تعلمت أن النضال ليس بالأقدمية فهو متوالية ليس المهم متى يركبه الإنسان لأن الوعي كخير المطر متى جاء يعم الجميع ، لسنا في سباق بيننا بل كل من ساهم بحرف في إضاءة الطريق فهو الرفيق .لا تسمعي تهديد الخائف من شعاع كلماتك فهو صوت مبحوح سقطتت أسنانه في ولائم الثورة الربيعية وما تبقى منها سوى طاقم اصطناعي لا يقوى على جلد شعب قوي. أطلقي العنان لزغرودتك فلا خوف اليوم عن وطن له سند الكلمات الطليقة كالحمام ، فالسماء المغربية لن تضيق وبحارها لن تجف وجبالها لن تنحني مهما كانت الظروف ومهما تكالبت عنها قوى السماسرة ومضاربات الإحتكاريين . . ايتها المرأة التي اختزلت كل نساء البلاد في جرأتها وعذرية كلماتها وصفاء قلبها في حب تراب وشجر البلد وسمائه وجباله وبحاره وكل الوجوه التي تجوب الأسواق بجيوب خاوية وتملأ عيونها بألوان الربيع ورائحته، ليس لمقالاتك مقال أخير تلك نوطة جديدة في لحن انشودة الحرية ابتكرتيها لتكشفي هلع العين الرقيبة وارتجافها من الحرف بالرغم من وقوفه وحده ضمن أبجدية تنتظرالإصطفاف لنسج الكلمة الحرة والمستقلة والتي لا تنحني كأشجارالصفصاف . سيدتي إن كل المقالات التي كتبت والتي ستكتب في تاريخ الحرية هي كتاباتك فليس للحرية إذن مقال أخير . .