نتابع خلال الأيام الحالية،على شاشات التلفاز صور مجموعة من الوزراء المغاربة،ممددين فوق أسِرّة، محاطين بأطقم طبية، يكشفون أياديهم بكل عفوية وحميمية أمام مجموع الشعب،في أفق إخباره ب "التضحية"التي أقدموا عليها وقد مست قطرات من دمهم الغالي،وما يشكله هذا الصنيع من دعوة للباقين،كي يشعروا في قيرورة دواخلهم بضرورة الانخراط بشتى جوارحهم في الحملة الوطنية للتبرع بالدم. موقف جميل،وقيمة رمزية لا أحد يختلف معها.لكن، الذي ليس جميلا،أن يفرط هذا السلوك،في كثير من الرياء والادعاء والسينمائية المبتذلة.فينحدر الدم من سيلان آدمي قيمي،إلى ربما مجرد مشروب غازي منعش،ينتشى به بهرجة خلال حفل كوكتيل ثم كفى وإلى لقاء آخر. وكل عام، وأنتم على أسبوع جديد،ثم تغطية تلفزية :رشوة، تضامن،مدرسة،حوادث السير،عنف،تسامح، إلخ. نعم،لانريد حملات للتبرع أو غيرها،بل أفعالا ملموسة على أرض الوقع يؤطرها مشروع مجتمعي للتنازلات الفعلية والصادقة بغير كاميرا ولامغنيا يغني ، يقدم عليها أهل التدبير والتسيير،بنكران للذات وتفان متواصل في خدمة قضايا بلدنا بتزهد المتصوفة،ودون صخب تسويقي يخلق ضجيجا، لكني لا أرى طحينا. هكذا، ما قول الدم المتلفز، أمام الدم "غير الدم" الملقى به، في غياهب اللا-مبالاة؟هل يقشعر حقا،جسم ذاك الدم المحتفى به، لكونه دما رسميا "مضحى به"؟حيال، مواطنين يتطاير دمهم مجانا تحت أنقاض منزل خرب، يتعفف بانهياره احتراما لهؤلاء الآدميين، أن يتقاسموا زواياه، إلى جوار حشد من الجرذان؟فقط ،لأن هذا الوطن الشاسع والغني قلبا وقالبا،عجز أن يتدبر لهم قسما يسيرا من جلده،إبقاء لإنسانية أبنائه. ماذا،سيفعل دم الإخراج التلفزيوني،والشوارع المخضبة بدماء تسكب من كل مصب،دون رحمة ،لأن ميزانيات الطرقات والممرات والمسالك والقناطر والمنعرجات،قد تلاشت بجرة أصابع ابتلاعا على طريقة السحرة،من طرف العفاريت والتماسيح كما كشف لنا السر رئيس الحكومة،فحلقوا بعيدا جدا إلى غير رجعة،تاركين الناس يهيمون والدماء تفور في عروقهم،فكان لابد أن تجد منافذ.إذن، بما أن البنية الطرقية سوداء،فلاشك أنها على طريقة مصاصي الدماء،ستعثر في السائل الأحمر عن ملاذ للارتواء. إن المواطنين،وهم يلهثون صباحا ومساء،وراء العمل والتعليم والصحة وتوقا نحو رحابة مرجوة للإدارة المغربية بما ضاق تكلسها وغيرها،بغير أن يتحسسوا فعليا مخططات لتفعيل برامج ملموسة التأثير،يسارعون في صميم الأمر،نحو استيفاء أجسادهم حقوقها الطبيعية من لترات الدم،المنصوص عليها في مختلف الشرائع السماوية والأرضية.ومن الناحية المجازية،قطرات دم أبقتها سحن وجوههم،بمعنى الكرامة،تلك القيمة الأنطولوجية،غير القابلة بتاتا للإرجاء والاختزال والالتفاف والتحوير. إن الأغلبية الساحقة، ممن توجه إليهم دعوة التبرع بالدم، هم قبل هذا وبعده، يعتصر ملامحهم الدم في اليوم الواحد ألف مرة،كي يوفروا لأسرهم لقمة عيش نظيفة، حد جفاف ينبوع دمائهم، فصارت الوجوه شاحبة. إذا طرقت أبواب، أيا من مرافقنا العمومية، فعليك يا أخي أن تترك جانبا كل حمولتك الدموية، وتصير رجلا ميتا بلا دم، أو في أحسن الأحوال،تضغط على أخاديد شرايينك،كي لا تتبادل لحظتها فيما بينها،تدفقا للدم.لأنه جدير بك،أن تجمده تجميدا وتتبنى واقعا وافتراضا كل برودة القطب الشمالي،حتى لا يهتاج دمك من حطب النار الهادئة للرتابة والبيروقراطية واستغباء ذكاء الفرد،فتقذف الجميع كلاما يطوي نبرة دموية.النتيجة،وعلى طريقة انتقام حيّة،يتعطل مطلبك إلى يوم لن تبزغ شمسه.لذا،لم يعد ممكنا أن يكون فقط دمك انجليزيا،بل يحبذ لو كنت جنسا أصفر. إذا حدث،وأصابك حادث صحي مستعجل،يستدعي تدخلا علاجيا فوريا.فإن "ملائكة الرحمة" الذين يؤثثون مستشفياتنا،سيصدونك حتما عند المدخل الرئيسي،مشيرين عليك ودمك ينزف،بأنه لا حياة لدمهم،إلا باستحضارك من سابع سماوات أو أرض،كائنا من عين فصيلتك الدموية،لأن وضعك يتجاوز بالمطلق،ممكنات ما يعرف ببنك الدم الذي يفترض وجوده في كل مستشفى. حينئذ، يتحتم عليك أن تشرئب بكلّيتك، نحو بنك المال مستدعيا بخاتم سليمان،رصيدك من المدخر المالي. إن حكومتنا،وهي تنمدج وتهيكل تلفزيا السخاء الدموي،حبذا لو انتقلت علميا وعمليا من هذا الموقع ،لتمسح جديا الآخر المغدور أو النازف ظلما حد التشيؤ الآدمي.طبعا،دم لا أحد يلتفت إليه ويخرج عن منطق حسابات الرسميين"المقتنعين"باستمرار، أن البلد أخضر ينط خضرة واخضرارا،بالتالي،ما موقع الدم من الإعراب،إنه في رأيهم سند لا يحيل عليه إلا هالك.