لازال ملف التعذيب بالمغرب مفتوحا وسيبقى كذلك دائما ما دام أن الحقيقة في ملفات كثيرة لم يتم الكشف عنها وأيضا لاستمرار الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المتورطين في هذه الجرائم، وباختصار وفق القانون الدولي، فإن جرائم التعذيب لا تتقادم مع مرور الزمن ولا يطويها النسيان. موضوع التعذيب في المغرب، سوف يتم تناوله في هذه المقالة من زاوية القانون الدولي، على أساس الملاحظات ستكون محلية. وجهت للمغرب انتقادات بممارسة أجهزته الأمنية للتعذيب، ولا يعقب ذلك فتح تحقيقات، وذلك أثناء تقديم تقريره الرسمي أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل سنة 2017. وبمناسبة تقديمه لتقريره المرحلي/النصف الدوري للتقرير الوطني الثالث للاستعراض الدوري الشامل سنة 2020، وجوابا على هذه الاتهامات، اعتبر أن " النيابات العامة سجلت بالمملكة ما مجموعه 32 شكاية تتعلق بالتعذيب والعنف الممارس من طرف الموظفين العموميين خلال سنة 2018 . بعد البحث في موضوع هذه الشكايات، تم إنهاء الأبحاث في 69 % منها وتقرر حفظ 20 شكاية لانعدام الإثبات بخصوصها ولازالت 10 شكايات في طور البحث، في حين تم فتح شكايتين قضائيتين في قضيتين، الأولى تتعلق بمتابعة 05 دركيين من أجل ارتكابهم جناية الاعتقال التحكمي واستعمال العنف، أحيلوا على قاضي التحقيق لإجراء التحقيق الإعدادي، والثانية تتعلق بمتابعة ضابط شرطة قضائية من أجل استعمال العنف والتهديد ولازالت قضيته معروضة أمام القضاء. وبخصوص 12 شكاية متعلقة بالتعذيب كانت رائجة خلال سنة 2017 ، فقد تم خلال سنة 2018 حفظ 6 منها، في حين أرجعت 6 شكايات المتبقية بتعليمات من طرف النيابات العامة لتعميق البحث. وفي إطار التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية لحماية الاشخاص من التعذيب والكشف عن الممارسات الماسة بالسلامة الجسدية للأفراد، تم إجراء مجموعه 143 فحص طبي خلال سنة 2018." ( ص 9 من التقرير). رد المغرب، يقتضي الوقوف على هذه الأرقام، وإعادة قراءتها وفق القانون الدولي، وليس مجرد استعراض عام للمعطيات الكمية، وقبل ذلك، نعرج على اللجنة الأممية المعنية بمناهضة التعذيب. آخر تقرير قدمه المغرب أمام اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، هو تقريره الرابع في نونبر 2011، ومن توصيات اللجنة أن يقدم المغرب تقريره الخامس "في موعد لا يتجاوز 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 على أبعد تقدير" (توصية 35)، وإلى غاية كتابة هذه المقالة، فإن المغرب لم يفي بالتزاماته الدولية، بمعنى تأخره ب 6 سنوات عن الموعد المحدد. وطبقا للإجراء الاختياري الذي يتمثل في إحالة اللجنة إلى الدولة الطرف مجموعة أسئلة تمهيداً للتقرير الدوري المقبل (أي الخامس)، فقد تم تقديم عدد من الملاحظات ما بين سنة 2011 و2013، ونقتصر على وثيقة واحدة تحت رقم CAT/C/MAR/QPR/5 المؤرخة ب 13 يوليوز 2013، باعتبارها تعيد نفس الملاحظات والإشكاليات الواردة سابقا في القوائم والمسائل المقدمة (يمكن للمهتمين والباحثين وللمزيد من الاطلاع مراجعة الوثيقة رقم CAT/C/SR.1022 المؤرخة ب 15 يونيو 2012، والرد المغربي الذي لم يقنع أعضاء اللجنة في الوثيقة رقم CAT/C/MAR/CO/4/Add.1 المؤرخة ب شتنبر 2013)، والتي نقدمها بتصرف: 1. التعذيب لا يعني فقط مرتكبه، لكون القوانين المغربية "لا تشمل حالة التواطؤ ولا حالة الموافقة الصريحة أو الضمنية من جانب أي موظف من موظفي إنفاذ القانون أو من جانب أي شخص آخر يتصرف بصفة رسمية، ولا تنص أحكام هذه المادة على فرض عقوبات على المسؤولين الذين يوافقون على أفعال التعذيب أو يتسترون عليها، ويجب على الدولة المغربية تقديم معلومات عن ملاحقة المسؤولين العموميين الذين يأمرون بأفعال التعذيب أو يتغاضون عنها أو يتسترون عليها، ويسيؤون استعمال سلطتهم العليا إساءة واضحة، ويرجى في هذا الصدد تقديم إحصاءات عن حالات ملاحقة المسؤولين العموميين والتحقيق في أفعالهم خلال الفترة المشمولة بالتقرير"؛ 2. يحق للمرؤوسين رفض أوامر ممارسة التعذيب وعلى الدولة أن تضع آليات لحمايتهم إذا رفضوا الانصياع لأمر غير مشروع صادر عن موظف أعلى رتبة أو عن سلطة عامة؛ 3. جريمة التعذيب لا تخضع للتقادم ، وعلى المغرب توضيح ذلك في قوانينه، وخاصة التعديل 2 و6 من القانون رقم 11.35 بكون الدعوى العمومية بخصوص هذه الجريمة لا تسقط نهائيا؛ 4. تقديم بيانات إحصائية عن الفترة من بداية عام 2011 حتى الآن، بشأن عدد الشكاوى المقدمة فيما يتعلق بمختلف أشكال العنف الذي مورس ضد متظاهرين بعد اعتقالهم، وخلال نقلهم إلى مراكز الشرطة وفي أثناء الاستجواب، وبشأن انتزاع اعترافات بالإكراه استُخدمت لاحقاً أمام المحاكم للحصول منها على حكم بعقوبة السجن وفي هذا الصدد، يرجى أيضاً ذكر عدد التحقيقات التي بادر بفتحها كل من المحاكم ووكلاء الملك (المدعون العامون) في حالات وجود أسباب معقولة للاعتقاد أن الاعترافات قد انتُزعت تحت التعذيب وإساءة المعاملة. ويُرجى أيضاً ذِكر عدد الحالات التي أُمر فيها بإجراء فحص طبي مستقل فوراً، وتقديم أمثلة عليها؛ 5. توضيح الآليات والإجراءات المعتمدة التي تسمح بالتحقيق بسرعة وبطريقة منهجية ومستقلة في أسباب جميع الوفيات التي تحدث أثناء الاحتجاز، وملاحقة المسؤولين عنها عند اللزوم. وينبغي أن تقدم الدولة الطرف إلى اللجنة معلومات عن كل وفاة تحدث أثناء الاحتجاز ناتجة عن أفعال التعذيب أو إساءة المعاملة أو إهمال متعمد، بالإضافة إلى معلومات عن الفحوص التي أجراها أطباء شرعيون مستقلون؛ 6. توضيح الآليات المنشأة والإجراءات المتخذة لضمان العمل بشكل منهجي على إخضاع المعتقلين لفحص طبي شرعي نزيه ومستقل يُجريه موظفون مؤهلون لذلك. ويرجى أيضاً توضيح أنشطة التكوين العام والمؤهلات الخاصة في مجال الطب الشرعي التي يستفيد منها الأطباء لتطبيق المعايير الدولية الدنيا التي تنظم هذا المجال من أجل تقييم وتفسير وتوثيق أفعال التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة؛ 7. يحق لممثلي المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية بإجراء زيارات مستقلة ومنتظمة ودون سابق إشعار لأماكن الاعتقال؛ 8. يجب تقديم أجوبة تتعلق بادعاءات تفيد بأن القضاة لم يأمروا بالتحقيق في شكاوى قدمها مدعى عليهم تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان كإلقاء القبض على الأشخاص دون سند قانوني، والتعذيب، وإساءة المعاملة أثناء الاستجواب، وانتزاع الاعترافات تحت الإكراه. ويرجى التعليق على الادعاءات التي تفيد بأن أقوالاً انتُزعت تحت التعذيب قُبلت كأدلة في الإجراءات القضائية؛ 9. يرجى تقديم معلومات مفصلة عن التدابير المتخذة لتفادي عدم قبول القضاة اعترافات منتزعة تحت التعذيب. ويرجى شرح التدابير المتخذة لتأييد القرارات بأدلة أخرى وبعناصر مستقاة من إجراءات التحقيق في حال تراجع الشخص عن أقواله أمام المحكمة. ويرجى أيضاً توضيح التدابير المتخذة لتفادي إصدار الحكم بالسجن استناداً إلى اعترافات المتهم، في حال غياب أدلة مادية؛ 1. لا يمكن تحت أي مبرر تسليم شخص إلى دولة "إذا توافرت لديه أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب"، والتسليم يجب أن يكون بضمانات ديبلوماسية؛ 2. تقديم معلومات محدَثة عن التقدم المحرز في الإجراءات القضائية المتصلة بقائد فرقة الدرك الملكي في سطات ( Lieutenant-Colonel) عمر براد (Omar Brad)، الذي كان قد اتُّهم بتعذيب مشتبه فيه أثناء الحراسة النظرية، والتي تم إثارتها بشكل رسمي في تقارير أممية سابقة سنة 2011؛ للإشارة أنه تم انتقاء في هذه المقالة ، فقط 11 ملاحظة من أصل 48 ملاحظة من المسائل العالقة لدى خبراء لجنة مناهضة التعذيب، لكونها تتعلق بقضايا آنية في ثلاث أشهر الحالية من سنة 2021، كما أنه تم الاقتصار على ذكر اسم واحد في هذه المقالة، ويمكن للمهتم والباحث استخراج الأسماء الأخرى من خلال المراجع التي تم طرحها. وفي سياق، دائما لجنة مناهضة التعذيب، وللتذكير أن هناك آلية تسمى " مسطرة تتبع الملاحظات الختامية" Procédure de suivi des observations finales، والتي تقتضي من ضمن كثلة من التوصيات، يتم اختيار ثلاث إلى أربع توصيات أساسية لتنفيذها بسرعة ووجب الرد عليها في غضون سنة، فمن ضمن 48 توصية مقدمة للمغرب سنة 2011، تم انتقاء أربع توصيات أساسية Observations Phares ، وتتعلق ب "1) حماية وتعزيز الضمانات القانونية للأشخاص المعتقلين؛ 2) إجراء تحقيقات فورية ونزيهة وفعالة؛ 3) ملاحقة المتهمين ومعاقبة ممارسي التعذيب وسوء المعاملة؛ 4) منح التعويضات المشار إليها في الفقرات 7 و11 و15 و28 من هذه الوثيقة. وعلاوة على ذلك، تطلب اللجنة من الدولة الطرف معلومات ذات صلة عن تنفيذ التوصيات التي قدمتها إليها بشأن قانون مكافحة الإرهاب المذكور في الفقرة 8 من هذه الوثيقة." (يقصد بالوثيقة الملاحظات الختامية، رقم الوثيقة CAT/C/MAR/CO/4 ، المؤرخة بتاريخ 21 دجنبر 2011). ورغم تقديم المغرب سنة 2012 لأجوبته بخصوص "مسطرة تتبع الملاحظات الختامية"، فإن اللجنة أعادت للمغرب نفس الملاحظات سنة 2013، في التقرير المشار إليه في هذه المقالة (وثيقة تحت رقم CAT/C/MAR/QPR/5 المؤرخة ب 13 يوليوز 2013). وخاصة من خلال الفقرات : 1، 3، 4، 6، 8، 9، 13، 38، 47. وقبل إغلاق هذه المرجعيات الدولية، لابد من الإحاطة علما، أن المغرب بعد مصادقته على البرتوكول الاختيار الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب في نونبر 2014، والتي بموجبها تم إحداث الآلية الوطنية للوقائية من التعذيب، قامت اللجنة الفرعية المعنية بمناهضة التعذيب بزيارة للمغرب في الفترة الممتدة ما بين 22 و28 أكتوبر 2017، وقد طلب المغرب رسميا بعدم نشر تقريرها للعلن و عدم تمكينه للعموم، وإلى الان، حوالي أربع سنوات، والمغرب متمسك بعدم نشر هذا التقرير. نختم المقالة، ببعض الأفكار: يوظف المسؤول المغربي مصطلح "المعزولة"، كون التعذيب في المغرب هو ممارسة معزولة وليست ممنهجة، هذا التوصيف الكاريكاتوري يثير الضحك، لكون جريمة التعذيب جريمة خطيرة، وعندما يتم تواترها واستهداف فئة معينة فإنها تترجم كسياسة الدولة، وأي أنها ممنهجة، فهي جريمة أخطر، وتدخل في أحد الجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي. التعذيب لا يقتصر على ممارسه فقط، بل مسؤولية تراتبية، من أمر، ومن نفذ، ومن صمت، ومن تقع جريمة التعذيب داخل دائرة نفوذه … يحاول المسؤول المغربي خلط الأوراق بين التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة والمعاملة القاسية والمعاملة اللاإنسانية، وكأن القانون الدولي يجرم فقط التعذيب ولا يجرم باقي المعاملات الأخرى، وهي "تخريجة" بهلوانية، لكون المعاملة الحاطة بالكرامة والمعاملة القاسية والمعاملة اللاإنسانية مجرمة دوليا ولها نفس القوة القانونية، وتختلف فيما بينها فقط في التوصيف وليس في أثار الجريمة. قدم المغرب في إطار تقريره النصف الدوري للاستعراض الدوري الشامل الثالث، بعض الارقام، ولكنها أرقام تخص فقط سنة 2018، والتي حددت في 32 حالة، وملفين فقط من وجد مساره القضائي، فما هي الاحصائيات من 2011 إلى الان؟ يختزل المغرب التعذيب في الأثار الجسدية وليس هناك أي حكم قضائي أو ممارسة فضلى تتناول التعذيب النفسي أو العقلي. يقدم المغرب دائما مبرر حفظ ملف التعذيب لغياب الإثبات، وللتأكيد أنه في قضايا التعذيب فإن عبء النفي على عاتق الدولة، وليس على عاتق الضحية المفترض عبء الإثبات وفقا للقانون الدولي؛ تتهرب النيابات العامة من مسؤوليتها في قضايا التعذيب، تحت ذريعة غياب علاقة سببية بين أثار التعذيب على جسد المدعي والمدة التي كان فيها في الحراسة النظرية (بمعنى ترجح النيابة العامة أن الآثار الظاهرة على الجسد قد تكون بسبب ما قبل الاعتقال، أو يمكن أن يكون المعني بالأمر هو من أدى نفسه بالضرب بالحائط أو آلة حادة…)، وهنا لا حق للنيابة العامة في التقدير، لأنه من اختصاص الطب الشرعي، وللتأكيد الطب الشرعي وليس أي طبيب آخر. ويبقى السؤال كم من طبيب شرعي في المغرب؟ وكيف لدولة أن تناهض التعذيب في غياب عدد كافي من الأطباء الشرعيين؟