منذ انطلاق الحملة التشهيرية التي استهدفت الصحافي سليمان الريسوني و التي سبقت اعتقاله، يحاول محركو هذا الملف إقناع الرأي العام الوطني والدولي أن للصحافي عداء ضد المثلية والمثليين وأن المدعي مضطهد بسبب ميولاته الجنسية، وذلك بغرض إضعاف التضامن الدولي مع الصحفي المعروف بمقالاته المنتقدة لجهات نافذة في السلطة والمدافع عن حقوق الإنسان في كونيتها، خصوصا أن ملف حقوق المثليين يعتبر حساسا في الدول الغربية. غير أنهم فشلوا في ذلك، فمنظمة مراسلون بلا حدود، مثلا، اعتبرت أن اعتقال الريسوني كان بسبب آرائه وكتاباته ودعت السلطات المغربية إلى إطلاق سراحه فورا. فشل مهندسو هذا الملف لم يتوقف عند هذا الحد، حيث لم يستطيعوا بعد تسعة أشهر من الاعتقال التعسفي للريسوني نسج رواية متماسكة و تقديم أدلة تدينه، إذ لا وجود لشهادة طبية تؤكد حدوث "هتك للعرض" ولا شهود يثبتون الواقعة المزعومة، فعلى ماذا استند قاضي التحقيق لمتابعة الصحفي سليمان الريسوني بتهمتي"هتك العرض بالعنف" و"الاحتجاز"؟ لنعد إلى رواية المدعي التي تغيرت تفاصيلها بين تصريحاته للضابطة القضائية وقاضي التحقيق، يقول هذا الأخير في تصريحاته للضابطة القضائية "أوكد لكم أن الوقت الذي كنا بصدد التوجه الى غرفة النوم قام سليمان الريسوني بإغلاق باب المطبخ، كما أخبرني أن الخادمة تتواجد في المطبخ"، بينما صرح أمام قاضي التحقيق وفقا لما جاء في قرار الإحالة "جلسا في الصالون في انتظار حضور زوجة الريسوني والمصور مع الإشارة إلى وجود مطبخ على النموذج الأمريكي على اليسار مباشرة بعد الدخول في الباب الرئيسي وأن الريسوني أخبره بأن الخادمة بالبيت بصدد انجاز عملها". لنفترض أن للمشتكي مشكلا في الذاكرة، وخيل إليه أن سليمان أغلق باب المطبخ وبعد شهرين تذكر أن المطبخ ليس له باب وأنه مفتوح على الصالون –مع أن شخصا يتذكر أن المعتدي عليه كان يلمسه بيده اليسرى من المستبعد أن يختلط عليه تفصيل كهذا–، ألم تسعفه ذاكرته أن يتذكر أين كانت الخادمة؟ فهي لا ترتدي "طاقية الإخفاء"، ثم لماذا لم يستدعي قاضي التحقيق الخادمة رغم أن دفاع الريسوني طلبها للشهادة، وهي الشاهدة الوحيدة التي يمكن أن تؤكد أو تنفي ادعاءات المدعي؟ رفض قاضي التحقيق الاستماع للشاهدة الأساسية في الملف ليس هو الذي يطرح التساؤلات فقط، بل حتى تصريح المدعي حول واقعة هتك العرض، إذ يقول إنه تم لمس جزء من جسده وهو يرتدي ملابسه، وعندما عبر عن رفضه لهذا الاعتداء وتهديده بالصراخ، تراجع المدعى عليه عن فعله على الفور، أما عن واقعة الاحتجاز فيقول إن الريسوني أغلق الباب بالمفتاح بعد دخوله لغرفة النوم وبعد 15 دقيقة أخلى سبيله، وبعدما خرج من الغرفة ذهب وجلس على الأريكة في الصالون. هل من المنطقي أن يجلس شخص كان عرضة لمحاولة اعتداء جنسي، على أريكة المعتدي المتواجدة في الصالون المفتوح على المطبخ، رغم ما وصفه من ضرر نفسي تعرض له جراء الحادثة، وبعدما أخذ أنفاسه بهدوء وأريحية، طلب من المعتدي، أن يفتح له الباب، وبكل بساطة يفتح له الباب ويتركه يذهب، وبعد ذلك بدقائق يتصل به المعتدي في الهاتف فيجيب على المكالمة ويقبل أن ينتظر من اعتدى عليه وسبب له صدمة نفسية ليتحدثا. وبما أن المدعي "فطن" لهذه الدرجة وقرر أن يسجل للمعتدي تسجيلا صوتيا يدينه عندما قدم إليه وهو مازال تحت الصدمة، لماذا لم نجد في المحادثة كلمة تشير إلى الاعتداء الجنسي أو محاول هتك العرض أو الاغتصاب، فالمنطق يقول إنه حين تريد تسجيل دليل يدين شخصا تسبب لك بسوء تستدرجه بالكلام، لكن هذا لم يحدث والتسجيل لا يوجد فيه كلمة تشير إلى أنه قبل اللقاء كان هناك اعتداء جنسي. حتى الجملة التي اعتبرتها النيابة العامة تدين سليمان واستنتجت منها أن المدعي "يعاتب" سليمان على فعله قام به دون ذكر ما هو هذا الفعل: هي "pourquoi tu dramatise les choses"، وبما أن النيابة العامة طرف في القضية وهي من حركت المتابعة، فقد أولت هذه الجملة مباشرة على أنها اعتذار عن "هتك العرض". أما المحادثة على موقع "مسينجر" التي تم اعتبارها دليل إدانة ضد الصحفي سليمان الريسوني فكانت كل ردوده عادية، بينما المدعي كان يجيبه بكلمات من قبيل "حبيبي" و "عزيزي"، فعلى ماذا بنت النيابة العامة لاعتبار محادثة تخلو من أي كلمة تدين سليمان على أنها دليل ضده؟ وبغض النظر عن أن هذه الحجج ليس فيها ما يدين سليمان، إلا أنها فاقدة للقيمة القانونية والقضائية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال نسبة اتصالات عبر وسيلة تخص الشخص المدعي إلى شخص مدعى عليه، دون تأكيد صريح و قانوني من الشخص المدعى عليه نفسه، أو عن طريقة معاينة وجود نفس هذه الاتصالات في وسيلة الاتصال الخاصة بالمدعى عليه، من طرف الشرطة القضائية. ختاما لا يمكن إلا أن نسلم أن اعتقال الصحافي سليمان الريسوني هو اعتقال انتقامي من كتاباته وآرائه ونشاطه الحقوقي، خاصة أن أسلوب استهداف الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان المنتقدين للسلطة أصبح نمطا قائم الذات، من خلال استعمال التهم الجنسية لقتلهم رمزيا قبل صدور حكم المحكمة.