سأمسح برأسي ، تماما كما فعل المواطن السيد أحمد الحفناوي الذي بات يُعرف بحكيم ثورة تونس الخضراء ، وسأستسمحه على ترديد مقولته الشهيرة ولكن بإدخال تعديل بسيط عليها لأردد :" هرمنا .. هرمنا .. من أجل هذا الدرس الديمقراطي" ، والدرس الديمقراطي الذي نود الحديث عنه في هذا المقال ،هو درس تابعه المغاربة بشغف شديد من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، قدمه الأمير هشام العلوي حينما حل شخصيا بمدينة الدارالبيضاء ساعيا إلى إنصافه من لدن القضاء المغربي ضد السيد عبد الهادي خيرات الذي اتهمه في ندوة عقدها ببني ملال بالاستفادة من قرض منحه إياه البنك العقاري السياحي دون الإدلاء بضمانات. لا شك أن السيد خيرات ، وهو يوجه إلى الأمير هشام اتهامات خطيرة ، استحضر أنه في فترة سنوات الرصاص لم يكن يجرؤ مكون من مكونات أحزابنا ، بما فيها مكونات الاتحاد الاشتراكي ، على مجرد الحديث بخصوص مشاريع أو سلوكات أو خصوصيات فرد من أفراد العائلة الملكية ، ولكن يبدو أنه مع هبوب رياح الربيع العربي الديمقراطي ، ومجيء السيد بنكيران إلى "سدة الحكم " على صهوة دعوته الجوفاء ، إلى محاربة الفساد والمفسدين ،التي " نُسخت " مباشرة بدون ذكر" أسباب النزول" بدعوة أخرى ، نقيضة لها تماما ، إلى العفو عما سلف ، تجرأ عبد الهادي خيرات المناضل السياسي المفوه ، وتأجج بداخله نضاله وحماسه الزائد ودفعه إلى البوح بكلام غير مؤسس لإعادة "خيرات " المغرب المنهوبة ، ولم يكن يدرك أن مياه عين أسردون ببني ملال ، المدينة التي احتضنت الندوة التي نُسب ما نُسب فيها للأمير هشام ، ستحمل هذا الكلام الغير المحسوب ، وسيذيع صيته كما ذاع صيت هذه العين الكريمة بتلك المدينة الجميلة ، وعلم بذلك الأمير هشام ، ولم يتردد في أخذ هذا الكلام المطلق على عواهنه ، المأخوذ من أرشيف السيد خيرات ، وقرر بسطه أمام القضاء المغربي ، مطالبا بحكم يقضي بإلزام السيد خيرات بأداء درهم رمزي أو الإدلاء بأدلة دامغة على ادعائه . ولكن وبعد أن بلغت القلوب الاتحادية الحناجر ، بادر عبد الواحد الراضي إلى مراسلة السيد الأمير هشام العلوي، ثم قدم بعده السيد خيرات اعتذارا رسميا للأمير، كل من قرأ نصه خرج بانطباع يشي بأن الاعتذار كُتب على مضض . إن الاعتذار هو لغة العظماء كما يقال ، ولكن إذا تقدم به صاحبه في إبانه عن طواعية واعتراف بالخطأ وبعيدا عن أي نوع من الضغوطات ، أما إذا حدث العكس؛ أي جاء الاعتذار بعد مدة من ارتكاب الخطأ ، وبعد تفكير وتقييم مجريات الأحداث ، ومعرفة خواتم الأمور والمآلات ، فإننا نكون بصدد الحديث عن " اعتذار كلغة للمُجبرين المنهزمين " ، وليس كلغة للعظماء . إن المرء منا لا يملك إلا أن يتقدم بالشكر للأمير حينما قبل بالاعتذار ، وهو في موقع قوة ، فالتواضع والمواطنة والإنسانية، كلها صفات تمظهرت بجلاء في موقف الأمير حينما عفا عند المقدرة ، فالرجل كان متواضعا جدا حينما اختار القضاء المغربي لبث شكواه ضد خيرات ، وكان مواطنا بامتياز عندما سلك الطريق الديمقراطي المتعارف عليه دوليا لنيل حقه ممن تجرأ عليه وحاول الخدش بتاريخه الشخصي والعائلي ، وكان إنسانا بما في الكلمة من معنى حينما عفا عما سلف ،وحرر خيرات ، ثم صحح مشكورا ال{ عفا الله عما سلف } البنكيرانية الشهيرة. إنه حينما طالب الأمير بإنصافه ورد الاعتبار اللازم له من القضاء المغربي ، كان ينتظر من السيد خيرات اعتذارا رسميا ، وهو ما نفذه هذا الأخير بعد تردد ملحوظ ، وربما بعد مشاورات دارت في كواليس الحزب الذي ينتمي إليه ، وفي كواليس جهات أخرى كانت لا تريد أن يعرف الملف تطورات قد تنعكس سلبا على المشهد السياسي عموما ، وعلى تاريخ الاتحاد الاشتراكي الحزب بوجه خاص ، فكان القرار أن بادر عبد الواحد الراضي بمراسلة السيد الأمير هشام العلوي، وتبعه في ذلك السيد خيرات بتقديم اعتذار رسمي ، وبذلك يكون الأمير قد أعاد أولا وبضربة معلم الأمور إلى نصابها ،حيث برأ نفسه مما نُسب إليه بسلوك حضاري وديمقراطي رائع ، ليسمو بشخصه الذي اتُهم بنهب المال العام المغربي إلى أعلى درجات ، وليُلقن درسا لن يُنسى للسيد خيرات الذي لم يؤسس كلامه على أدلة دامغة ،هذا الأخير الذي سيفقد جراء هذا الاعتذار الكثير من وهج "كاريزماه السياسية " التي كان يتمتع بها في صفوف مكونات حزبه على الأقل . وليقدم ، أي الأمير ، ثانيا، الدليل القاطع للمغاربة على وفائه ، لقيمه الإنسانية التي يتشبع بها ، ولأخلاقه العالية وسمو فكره ومبادئه وصفاء ضميره ، وليقدم ثالثا وأخيرا درسا ديمقراطيا بليغا لكل مكونات أحزابنا المحافظين ، الجدد منهم والقدامى، واليساريين ، الصقور منهم والحمائم، الذين لا يملون من التشدق بقيم الديمقراطية الكونية وهم عنها بعيدون بُعد الشمس عن الأرض ،وختاما لا يسعني إلا أن أقول للأمير شكرا جزيلا ، فقد بلغت رسائلك لكل المغاربة من خلال درسك الديمقراطي ، وفي نفس الوقت أقول للسيد خيرات ما كل مرة تسلم الجرة .