عشت هذا الأسبوع ليلة ثلاثاء مُروعة. اتصل بي أحد الأصدقاء ليخبرني بأنه توصل مني بإيميل أقل ما يمكن أن أقول عنه إنه مبتذل وبذيء وسوقي. حاولت بعد ذلك أن أدخل إلى علبة رسائلي لأفهم الموضوع، فاكتشفت أن ذلك متعذر، لأن أحدا دخل علبة رسائلي وغيّر كلمة السر. توالت الرسائل فيما بعد تُعْلمني بمحتويات الإيميلات المخجلة التي كان مجموعة من الأصدقاء يتوصلون بها «مني» تداركت الموقف واستطعت الاتصال بالموقع الذي توجد عليه علبة بريدي الإلكتروني (yahoo) للحصول على كلمة سر جديدة، كما بعثت رسالة لمعارفي لأخبرهم بالأمر تفاديا لأي إحراج، أو على الأقل، لجزء منهم، مادام توصلهم بالإيميلات السابقة في حد ذاته أمر محرج بالنسبة لي. إلى جانب الإحراج الشخصي الذي تعرضت له، فالمسألة تستدعي منا وقفة حقيقية حول مفهوم الهوية المعلوماتية وعلاقتنا بالأنترنيت. هويتنا العنكبوتية (علبة بريدنا الإلكترونية، صفحاتنا على المواقع الاجتماعية، مدوناتنا، مواقعنا على الأنترنيت) تعبر عنا، عن آرائنا، عن مواقفنا... لكن، أين يوجد الفاصل بين الهوية الحقيقية والهوية التخييلية-العنكبوتية؟ أحد الأصدقاء الذين توصلوا بالإيميل طمأنني على أساس أن «من يعرفونني سيعرفون أن الكلام المكتوب لا يمكن أن يصدر عني، لأن جرأتي لا تصل إلى هذا الحد من الوقاحة». تساءلت هنا: هل هوياتنا العنكبوتية هي مرآة تخييلية لنا، تعكس ما شئنا من هوياتنا الحقيقية، أم أنها هي نحن بالذات؟ التساؤل جد مشروع، مادامت التقنيات المعلوماتية تعطي –تقريبا- لأي كان إمكانية قرصنة هوياتنا العنكبوتية وانتحال شخصياتنا. هناك، في هذا الصدد، عدة إشكاليات تستحق نقاشا حقيقيا في ما يتعلق بعلاقتنا، كأفراد، بالشبكة العنكبوتية. هناك أولا الجانب القانوني. حكايات انتحال الشخصيات العمومية على الأنترنيت أصبحت تتكرر بشكل كبير، سواء في المغرب أو على المستوى العالمي. باراك أوباما نفسه تعرض لقرصنة حسابه على تويتر مؤخرا. إلى أي حد يمكننا إذن حماية هوياتنا على الأنترنيت من القرصنة والانتحال؟ ثم، هل يمكن لأي شخص أن يفتح عنوانا إلكترونيا أو حسابا على الفايسبوك أو تويتر أو غيرها من المواقع الاحتماعية باسم شخص آخر وأن يبعث رسائل باسمه؟ الترسانة القضائية تحركت منذ بضع سنوات، حين تعلق الأمر بانتحال شخصية الأمير مولاي رشيد على الفايسبوك. لكن كيف يمكن لأي شخص آخر أن يحمي نفسه ضد هذه التجاوزات العنكبوتية، إذا لم يكن ذا علاقة بالعائلة الملكية (علما أن بعض وزرائنا أنفسهم تعرضوا لقرصنة بريدهم الإلكتروني)؟ إضافة إلى الجانب القانوني، هناك أيضا العلاقة الاجتماعية الوطيدة التي أصبحت تربطنا بالأنترنيت. عادة، نحن نعتبر علب رسائلنا مخبأ أسرارنا. عليها رسائلنا الخاصة، علاقاتنا المهنية، بعض ملفاتنا المهمة، بعض أسرارنا... حين يحطم أحد كلمة السر ويخترق بريدنا، فهو يملك -تقريبا- كل شيء عنا: أسماء وعناوين الأشخاص الذين نتواصل معهم، مراسلاتنا، ملفاتنا... خاصة أن هناك أشخاصا كثيرين (وأنا منهم) يضعون الملفات التي يخافون ضياعها أو إتلافها في أجهزة حواسيبهم (بسبب السرقة أو الفيروسات)، في علبهم الإلكترونية حماية لها، ولكي يتمكنوا أيضا من الاطلاع عليها في مناطق أخرى، أي بعيدا عن أجهزة حواسيبهم الخاصة. تجربتي يوم الثلاثاء المنصرم جعلتني أعيد النظر في هذه العلاقة. علبة بريدي الإلكتروني ليست بمنأى عن خطر القرصنة والتجسس. بانتظار ترسانة قانونية تحمي حياتنا الخاصة ومعلوماتنا على الأنترنيت، من المستحب جدا أن نأخذ جميع الأخطار العنكبوتية بعين الاعتبار وأن نحاول، قدر الإمكان، عدم الاحتفاظ بالمعلومات الحساسة على علب بريدنا الإلكتروني. علينا أيضا أن نعي حمولة هوياتنا العنكبوتية وما يمكن أن تعكس عنا من صور. وقانا الله وإياكم من شر القرصنة.