السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير بوعياش.. الكيل بمكيالين وتوصيات بلا هوية (1/2)
نشر في لكم يوم 18 - 04 - 2020

نشر المجلس الوطني لحقوق الانسان بتاريخ 17 أبريل 2020 تقريره السنوي على موقعه الإلكتروني، ويأتي نشر هذا التقرير في سياق وطني ودولي يتسم بالتجند لمواجهة جائحة الكورونا، مما يتطلب تكثيف الجهود والتنسيق بين عموم المواطنين والسلطات العمومية لتجاوز هذه المحنة، ونشر هذا التقرير في هذا الظرفية يعتبر مبادرة غير سليمة وغير ضرورية، لكون الفعل الحقوقي أو الفعل العمومي بشكل عام يتطلب أن يراعي ما يسمى ب"الزمن السياسي" أو "الزمن التاريخي"، حتى تكون لأي مبادرة أثر في الحياة والشأن العامين.
مع ذلك، وبالعودة للتقرير يمكن رصد عدد من الملاحظات، منها ملاحظات منهجية وأخرى موضوعية تتعلق بمتن التقرير.

أولا: الملاحظات المنهجية
1- غياب أسباب النزول
تختلف التقارير والدراسات التي تنتجها المؤسسات الرسمية، عن تلك التي تنتجها جمعيات المجتمع المدني، فإن كانت هذه الأخيرة لها هامش التقدير في إصدار أي وثيقة بغض النظر عن السياق العام أو الخاص، فإن المؤسسات الرسمية مقيّدة بنصوص قانونية محددة.
فالتقرير السنوي للمجلس المنشور، سواء في تقديم رئيسته أو في مقدمته أو على طول سرد الوقائع والأنشطة، لم تتم الاشارة نهائيا للمادة 35 من القانون رقم 76.15 المنظم لأشغال المجلس، التي تعتبر المرجع القانوني لإصدار التقرير السنوي، وترك المجال مفتوح للمتتبع أن يعود للتنقيب في مواد القانون لمعرفة السند التشريعي لإصدار هذا التقرير.
إذ من المفروض بل من اللازم أن يكون الإستناد على المادة 35 من القانون في أول سطر من التقرير السنوي لكونه هو الحيثية القانونية لوجوده.
2- خرق القانون والأعراف المرعية
تنص المادة 35 من القانون على أن المجلس يعد تقريرا سنويا عن "حالة حقوق الانسان"، ويرفع للملك أولا، ثم توجه نسخة منه إلى رئيس الحكومة ورئيسي البرلمان ثانيا، ونشره وإطلاع العموم عليه ثالثا، وهذا التقرير ينشر في الجريدة الرسمية.
إلا أن نشر هذا التقرير خرق النص القانوني، حيث وجه للعموم أولا، في انتظار أن سيرفع "إلى نظر جلالة الملك، كما ستوجه نسخة إلى رئيس الحكومة ورئيسي مجلس البرلمان، وسيعمل على نشره وإطلاع العموم عليه" (ص 8 من التقرير)، مما يعني أن هناك خللا ما في مسطرة إعداد ونشر التقرير.
إن المشرع المغربي بوضعه لمسطرة خاصة للتقارير السنوية للمجلس التي توجه للملك، قد راعى "الأعراف التقليدية" التي تعتبر أن رئيس الدولة هو الأولى بالاطلاع على الوثائق الموجهة إليه من قبل الحكومة والبرلمان والشعب، وهو ما تعمل به كل المؤسسات الدستورية الأخرى كالمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي… وذلك تماشيا مع هرمية السلطة بالبلاد حيث يحتل فيها الملك المكانة السامية والسامقة والعالية.
ولهذا فنشر التقرير على العموم قبل المؤسسات الدستورية، يعد سابقة وخرقا لمقتضى النص القانوني وأيضا للأعراف التقليدية.
3- خلط بين "حالة حقوق الانسان" و"حصيلة العمل"
المطلع على التقرير يلاحظ فيه سردا لعدد من الأنشطة، بشكل كبير، كالندوات والدورات التدريبية والمشاركات في اللقاءات … وأيضا عملا للآليات التنظيمية داخل المجلس، في حين، وبالرجوع للمادة 35 من القانون المنظم للمجلس، فإن التقرير السنوي حصري فقط ب"حالة حقوق الانسان"، أما التقرير عن حصيلة عمله، فهو تقرير مستقل لا علاقة له بالتقرير السنوي، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 35 إذ ورد فيها " كما يقدم رئيس المجلس، تطبيقا لأحكام الفصل 160 من الدستور، تقرير عن أعماله مرة واحدة في السنة على الأقل يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان"، وينشر أيضا في الجريدة الرسمية.
إن المادة 35 من القانون ميزت بين ثلاثة أنماط من التقارير، تقارير سنوية محددة زمنيا كل سنة ومحددة موضعا عن "حالة حقوق الانسان"، وتقارير موضوعاتية وخاصة محددة حسب أسباب النزول والسياق، وهما معا لهما نفس المسطرة، وهي أولا رفعها للملك، ثانيا توجيهها لرئيس الحكومة ورئيسي البرلمان وأخيرا نشرها للعموم، النمط الثالث، هي تقارير الحصيلة أو الأعمال والتي لها مسطرة مستقلة خاضعة للفصل 160 من الدستور، حيث توجه فقط لرئيسي البرلمان وتعقبها مناقشة، ولا توجه أي نسخة من هذه التقارير لا للملك ولا لرئيس الحكومة.
فإغراق التقرير السنوي بحصيلة للأنشطة وأعمال المجلس كان على حساب تهميش قضايا مهمة في مجال "حالة حقوق الانسان"، كإصلاح منظومة العدالة الذي لازالت فيه مستجدات، الحكامة الأمنية المغيبة في النقاشات الرسمية، رغم أنها من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، الحقوق البيئية التي تم الحديث عنها بشكل جد مقتضب مع العلم أن المغرب كان حاضنا لمؤتمر المناخ كوب 22، وغيره من القضايا الاستراتيجية.
4- خرق لأحكام المادة 20 من القانون 76.15
عند إحداث الآليات الحمائية الثلاث داخل المجلس الوطني لحقوق الانسان، حرص المشرع على تمكينها من بعض تدابير "الاستقلالية"، ومنها ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 20 من القانون المنظم لعمل المجلس حيث نص على: "يعد كل منسق من منسقي الآليات الوطنية تقريرا سنويا عن حصيلة أنشطتها يدرج كاملا ضمن التقرير السنوي للمجلس".
وبمقتضى هذه المادة، فإن التقرير السنوي للمجلس مكون من أربع أجزاء مستقلة عن بعضها البعض، جزء عن حالة حقوق الانسان، وثلاث أجزاء كل جزء منها مخصص لآلية من الآليات الثلاثة.
وبالعودة للتقرير المنشور، يلاحظ أن تقارير الثلاث آليات خصصت لها ثلاث صفحات فقط و18 فقرة من أصل 378 فقرة، كما أنه اعتبر مجرد محور ضمن المحاور الأخرى للتقرير، دون أن تكون لتقارير الآليات الثلاث "هوية" مستقلة تتماشى والاستقلالية المعبّر عنها في المادة 20، عن باقي محاور التقرير لكون المشرع خصص لأعمالها نصا قانونيا فريدا، كما أن مضمون ما ورد في الصفحات الثلاث لا يشير بالمُطلق بكون مُعديه هم منسقو الآليات الثلاث، بل يلاحظ أن معد التقرير كاملا جهة واحدة، وليس أربع جهات.
وما يزكي هذه الملاحظة هو ما ورد في الفقرة 333 التي تتحدث عن جدول أعمال كل اجتماعات الآلية الوقائية للتعذيب ولم تتم الإشارة نهائيا إلى نقطة تتعلق ب "المناقشة" أو "المصادقة" أو "الاطلاع" أو "الإعداد" للتقرير السنوي للآلية.
5- "التدليس" بخصوص المادة 21 من القانون
ورد في التقرير أن الضمانات المتعلقة باستقلالية الآلية الوقائية من التعذيب، وذلك منذ تعيين أعضائها في الجمعية العامة (أي 21 شتنبر 2019)، تكمن في" التفرغ الكامل لمنسق الآلية وأعضائها والإستغلال طيلة الوقت" (الفقرة 332)، وهو ما يتماشى مع الفقرة الثالثة من المادة 21 من القانون رقم 76.15.
ولكن بالعودة إلى بعض القصاصات الخبرية، نجد أن الدكتور محمد بنعجيبة منسق الآلية للوقاية من التعذيب، بتاريخ 20 يناير قد أجرى حوارا مع جريدة "الصحراء المغربية" بصفته مديرا للمركز الوطني لتحاقن الدم بالرباط، ونشر في الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية حيث: "دعا مدير المركز الوطني لتحاقن الدم بالرباط، محمد بنعجيبة، إلى التفاعل مع حملات التبرع بالدم"، وبتاريخ 26 مارس في موقع الإلكتروني لنفس الجريدة: "ثمن محمد بنعجيبة، مدير المركز الوطني لتحاقن الدم بالرباط، استجابة المواطنين لنداء التبرع بالدم"، وأيضا الوصلة "التوعوية" المنشورة على صفحة المجلس في الفايسبوك بتاريخ 17 مارس تم تقديم الدكتور بنعجيبة كطبيب وعضو المجلس ولم يقدم بصفته منسقا لآلية الوقاية من التعذيب وهي الصفة المحددة قانونا ورسميا، وما يسقط على منسق الآلية يسقط على باقي أعضائها، هل تم بالفعل "التفرغ" للاشتغال في آلية الوقاية من التعذيب حسب ما ينص عليه القانون أم لا؟
6- خلط بين الحماية والنهوض
ترتكز منظومة حقوق الإنسان على عمودين، الحماية , وهي التدخل الاستباقي أو البعد لوقف انتهاك معين يمس فردا أو مجموعة والأليات المعنية، والنهوض أو التعزيز ويهدف إلى التكوين والآراء المتعلقة بالقوانين والملاءمة مع التشريعات والمصادقة على الاتفاقيات والسياسات العمومية، فمثلا ملاحظة وتتبع محاكمة شخص ما، تدخل في الجانب الحمائي، أما تدريب المدافعين عن حقوق الإنسان على ملاحظة المحاكمات يدخل في جانب النهوض، وأيضا رصد استعمال الشطط أو التعسف لرجل أمن ضد مواطن يدخل في الجانب الحمائي، وتكوين المكلفين بإنفاذ القوانين الخاصة بثقافة حقوق الإنسان، أو تقديم رأي متعلق بتحديد تعريف دقيق للتعذيب أو إلغاء قوانين معينة أو إعداد تقرير يتعلق بضرورة المحامي في اللحظات الأولى للإعتقال… كلها تدخل في دائرة النهوض والتعزيز.
بالعودة للتقرير موضوع المقالة نجد، في المحور الأول المتعلق بحماية حقوق الإنسان، عشرات الأنشطة لا علاقة لها بالحماية: كالترافع حول إلغاء قانون، عقد شراكات والمشاركة في الندوات الإقليمية والدولية والوطنية، الانضمام لاتفاقية معينة ( فقرات: 10، 11، 12، 13 كمثال، ولا يسع المقال لجردها كلها، ولكن بمعدل 60 من الفقرات تدخل في مجال النهوض وليس الحماية).
وهو ما أثر على هندسة التقرير حيث يلاحظ أن محور الحماية يتكون من ثمان فصول و 32 نقطة موزعة على 40 صفحة و210 فقرة، في مقابل أن محور النهوض لم يتجاوز فصلا واحدا ونقطتين موزعة على ثلاث صفحات و21 فقرة.
وإن كانت هذه الملاحظة على التقرير جد شكلية، إلا أنها جوهرية في مجال حقوق الإنسان، إذ سبق وأن ذكرنا أن الحماية والنهوض هما مثل رجلي منظومة حقوق الانسان، ويجب أن يكونا معا في نفس القيمة والأهمية وإلا أصبحت المنظومة "عرجاء".
7- الكيل بمكيالين بخصوص المحاكمات
سجل التقرير أنه لازال يتابع بعض المحاكمة، كقضية السيد معطي منجيب ومن معه، والسيد عبد العالي حامي الدين، والسيد توفيق بوعشرين ومحمد منير (الكناوي) (فقرة 95)، والسيد حميد المهداوي (فقرة 117)، ولكنه لم يبد أي موقف من هذه القضايا.
في مقابل أن المجلس سجل أنه يتابع قضية حل جمعية جذور، وأنه يتطلع إلى "مراجعة القرار من طرف محكمة النقض في إعادة تقدير القانون المطبق على الحالة". (فقرة 76).
ويلاحظ المتتبع أن حالة كل من الصحفي حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين تتطابق مسطريا مع قضية جمعية جذور، لأن كليهما في مرحلة النقض، فلماذا أخذ المجلس موقفا في القضية الثانية ولم يأخذ أي موقف من الصحفيين؟ مما يدل أن المجلس يتعامل بمنطق الكيل بمكيالين في قضية كل من حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين.
فقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان تسمح للآليات الحمائية بالتدخل في القضايا الرائجة أمام القضاء، إذ نلاحظ لجنة المعاهدات والإجراءات الخاصة، تتقدم بتوصيات بإطلاق سراح معتقل ما إذا تبين أن اعتقاله لا يتلاءم مع القانون الدولي، سواء أثناء مرحلة التحقيق أو مرحلة الحكم الابتدائي أو الاستئنافي، فما قرار عدم تدخل المجلس الوطني لحقوق الانسان في القضايا الرائجة أمام القضاء إلا "بدعة" مغربية خالصة، لأنه سيطرح سؤال: ما قيمة تقرير الملاحظة إذا صدر حكم نهائي؟
بل إن الإحالة على محكمة النقض تعفي المجلس الوطني من التقيد ببدعته، لأن النقض قضاء قانون وليس قضاء موضوع، مما يعني أنه على المجلس أن يبدي رأيه في الموضوع صراحة وبشكل مباشر.
وبالعودة أيضا إلى تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نجده يقر أنه يتابع محاكمة الصحفيين الأربعة وأنه "يسجل حق الصحفي في حماية مصادره"، وأن الحكم الابتدائي والاستئنافي، وإن بطريقة غير مباشرة "لايتماشى مع التعليق العام رقم 34 الصادر عن لجنة حقوق الإنسان".
وبالعودة إلى قضية الصحفي حميد المهداوي، الذي تتطابق قضيته مع حيثيات ما ذهب إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالاستناد على التعليق العام رقم 34 في شأن الصحفيين الأربعة، فلماذا لم يتطرق المجلس لقضية الهداوي؟
هذا التناقض يبيّن بجلاء تعامل المجلس على أساس مبدأ "الكيل بمكيالين" في قضايا حرية الرأي والتعبير والمحاكمات والأفراد.
8- توصيات بلا هوية
في قواعد وأساليب إعداد وصياغة التقارير، يجب أن تكون لكل توصية حيثية أو متن أو حالات أو وقائع، إلا أننا في التقرير موضوع المقالة نجد عشرات التوصيات وضعت عنوة دون أن نجد لها سببا داخل محاور التقرير.
وفي هذا السياق نسرد الأمثلة التالية:
توصية "بتمكين الأطفال ما بين 15 إلى 18 سنة من الحق بتأسيس جمعيات خاصة بهم (ص 25)، وبالعودة إلى محاور حرية الجمعيات الفقرات 75 إلى 77، لا نجد أي سند لهذه التوصية، لا وجود لأية إشارة لا لمنع جمعية للأطفال ولا إشارة إلى الشروط القانونية في قانون الحريات العامة. فإن كان هذا المطلب حقوقيا فعلى الأقل أن تسبق التوصية، التشخيص أو السند لا أن تسقط بدون معنى.
توصية "استبدال العقوبات السالبة للحرية بالغرامة في شأن المقتضيات المتعلقة بتأسيس الجمعيات"، حيث لا نجد أي ترابط بين التوصية وما تم سرده في شأن حرية الجمعيات.
التوصيات المتعلقة بالحق في التجمع (ص 25) كلها لا علاقة لها بالمتن، بل إن محور الحق في التجمع تطرق إلى تشميع بيوت جماعة العدل والاحسان (الفقرتين 73 و74)، وذلك بسرد الوقائع الرسمية، دون أن يبدي أي موقف منها سوى أنها معروضة على القضاء.
توصية "تبسيط ومراجعة نظام المساعدة القضائية بما يكفل الحق في الولوج للعدالة وخاصة للفئات الهشة"، وبالرجوع إلى محور المحاكمة العادلة لا نجد رصد أو ملاحظة أي محاكمة تهم الفئات الهشة (أي الأشخاص في وضعية إعاقة أو المهاجرين أو الهشاشة الاجتماعية المرتبطة بالفقر …). بل إن الفقرات من 90 إلى 95 تطرقت إلى حالات ليست بحاجة للمساعدة القضائية ولم تطلبها.
توصية "حماية حق الطفل في النسب" وإن كانت توصية حقوقية متفقا عليها، ولا أثر لها في التشخيص لا من حيث القوانين ولا من حيث الممارسة (الفقرات 98 إلى 106).
وغيرها من التوصيات الأخرى، وإن كانت متفقا عليها من حيث المبدأ، إلا أنه كان من الواجب البيداغوجي والمنهجي ذكر أسباب نزول التوصية، سواء بسبب قانوني أو ممارسة أو سياسة عمومية.
9- تقرير "حكواتي"
تتميز التقارير الحقوقية بتكثيف الإحالات على الاتفاقيات الدولية والتوصيات الأممية وأيضا الدستور والقوانين الوطنية وقانون المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلا أن تقرير المجلس عبارة عن سرد "حكواتي" تغيب فيه الإحالات بشكل مطلق إذا استثنينا حالات معدودة على رؤوس الأصابع.
كأمثلة من هذا التقدير، حيث لا تسعفنا المقالة للتطرق لها كلها:
الحديث عن المستشار البرلماني عن الفريق الكونفدرالي حيث تم ربط قضيته بالحق في التعبير والحق في الوصول للمعلومة، مثله مثل الصحفيين الأربعة معه (فقرة 91)، وهو أمر لا يستقيم لأن السيد حيسان مشمول بحقوق المتعلقة بحماية المبلغين والشهود كما نصت على ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005 في المادتين 32 و33 وهو ما أكد عليه قرار مؤتمر الاطراف سنة 2019 الوثيقة CAC/COSP/2019/11، الفقرات من 20 إلى 26.
فيما يتعلق بالتقصي بشأن التعذيب لا نجد سند أي مقابلة مستندة على معايير اسطنبول، باستثناء لغة انشائية تتعلق: استمعنا وعاينا ولم نجد آثارا للتعذيب (وهو ما سوف نفصل فيه في اللاحق من المقال).
رصد العمل البرلماني لم تتم الإشارة فيه لأهم وثيقة مرجعية في هذا المجال وهي إعلان مبادئ براغ المتعلقة بعلاقة المؤسسات الوطنية بالبرلمانات، ولم يتم اعتمادها كمؤشر لهذه العلاقة، باستثناء الحديث عن عدد الأسئلة والمشاركة في ندوات وأنشطة مجلس المستشارين.
10 – عدم الاقتراب من "طابو" الإدارة العامة للأمن الوطني
رغم أن اتفاقية مناهضة التعذيب والبرتوكول الملحق بها حدد مراكز سلب الحرية، ومنها السجون وأيضا مراكز الشرطة والدرك وغيرها، إلا أن التقرير لم يتطرق نهائيا لأية زيارة لمراكز الشرطة حيث يقضي الموقوفون فترة الحراسة النظرية.
وتوقفنا على مركز الأمن نظرا لكون المجلس سجل في الفقرة 96 أن "حقوق المشتبه فيه أثناء الإيداع تحت تدابير الحراسة النظرية: يتظلم المشتبه فيهم عند الإيداع تحت تدابير الحراسة النظرية، بصفة عامة، من عدم توفر شروط نظافة الزنازين وعدم توفر العدد الكافي من المراحيض ونظافتها، وعدم تخصيص زنازين للنساء مجهزة بالمراحيض، منفصلة عن أماكن إيداع باقي السجناء، بالإضافة إلى التشكي من عدم تقديم وجبات الطعام"، وأوصى المجلس "تخصيص أماكن للحراسة النظرية تستجيب لمعايير النظافة والتهوية".
في حين أن مثل هذه الادعاءات أو التظلمات تقتضي أن يقوم المجلس بزيارات لمخافر الشرطة وأيضا الدرك والإطلاع على الأوضاع بشكل مباشر، لكون هناك حالات اشتكت من سوء المعاملة داخل هذه المراكز، حتى وإن كانت مجرد زيارة واحدة شكلية فعلى المجلس إعمال القانون المنظم له وصلاحياته القانونية، فكما يقوم بزيارات اعتيادية للسجون، فعليه قانونا وأخلاقيا (ولو في إطار المجاملات) اختراق ذلك "العالم المظلم" المتعلق بمخافر الشرطة.
وللعلم فالمجلس الوطني منذ إحداثه في نسخته السابقة والحالية، أي منذ سنة 2011 الى غاية 2020، لم يزر ولو مرة واحدة أي مخفر من مخافر الشرطة ولا الدرك.
ختاما:
نتوقف عند هذا الحد فيما يتعلق بالملاحظات الشكلية والمنهجية، والانتقال إلى الملاحظات الموضوعاتية التي تهم الأفراد والقوانين والسياسات والممارسة الاتفاقية في الجزء الثاني من هذه المقالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.