قبل أشهر فاجأنا أعضاء مجلس المستشارين بطلب موجه إلى الملك، مطالبين إياه ومتوسلين إليه من أجل الإبقاء على مجلس المستشارين دون تجديد، كما يقتضي دستور 2011، مبررين ذلك بالديون التي عليهم والنفقات التي لا طائل لهم بها في حالة حل المجلس، فهم على، حد تعبيرهم، ملتزمون بنفقات أبنائهم الباهضة التي تكلفهم إياها المدارس الخاصة (ومع ذلك يطالبنا البعض بدليل على فشل التعليم العمومي). واليوم يستمر السادة، المفروض فيهم تمثيل الشعب والحرص على ماليته العامة، في غيهم ومخالفتهم للقانون، فهم يريدون، وخلافا للدستور، أن يتجاوز العدد ما نص عليه الدستور (مابين 90 و120) لكي يبقى مجلس المستشارين منصة لمن يريد أن يغتني أو يرضي أكبر عدد من الأتباع والمحازبين. لعلنا نستفيد من القصة الشهيرة التي حدثت في ابريطانيا، لإقناع "القائمين على الأم" بأن يعملوا على اتخاذ قرار، ليس جريئا لو كنا في بلد ديمقراطي. ولكننا في المغرب، نعتبر حتى مثل هذه الخطوات نابعة من الجرأة والقوة. فالقصة حدثت إبان الحرب العالمية الثانية، حيث كان هناك مطار حربى بالجزيرة البريطانية يقع بجوار إحدى المدارس، وقد أعاق أزيز الطائرات عند الإقلاع والهبوط الطلاب، فما كان من إدارة المدرسة إلا أن أقامت دعوى أمام المحكمة المختصة، فأصدر قاضيها حكماً بنقل المطار إلى جهة أخرى بعيداً عن نطاق المدرسة، ورفض قائد المطار تنفيذ الحكم. وقد يرى البعض أن هذا أمر بديهي، فالمملكة البريطانية معرضة للزوال وتواجه خطراً محدقاً، وهجمات الجيش النازي على أشده، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، (كما سيقال عندنا اليوم بأن المصلحة العليا للبلد أهم من التمسك بالشكليات القانونية من قبل مجموعة من فضوليي الكلام القانوني)، لكن رئيس الوزراء الأسبق البريطاني «ونستون تشرشل» كان له رأي مغاير، فعندما عرضوا عليه الأمر قال قولته الشهيرة «من الأفضل أن تخسر بريطانيا الحرب على أن يقال إنها لا تنفذ أحكام القضاء ». فبينما تحرص البلدان الديمقراطية على احترام القوانين وعدم التعذر بأي مبرر لإبطال أحكام القضاء وبنود الدستور، يستمر بعض من يسمون نوابا عن الشعب المغربي (مجموعة من أعضاء مجلس المستشارين) في معاكسة القانون و التاريخ والانتصار إلى المصالح. حتى إذا كان وضع هذا المجلس، الذي أضحى أداة للاغتناء، سيؤول، بعد شهر من الآن، إلى الخارج عن الشرعية القانونية ومهدرا للمال العام (هناك من يعتبر وجوده أصلا إهدار للمال العام)، فهو من جهة سيخالف الدستور السابق بعدم تجديد ثلثه خلال دورة أكتوبر(نعي جيدا أن أحكام الدستور السابق لم تعد مطبقة)، وسيخالف من جهة ثانية الدستور الحالي بالاستمرار ب 270 مستشار بدل ال 90 مستشارا المنصوص عليها في الدستور الحالي، وسيتعرض بالتالي لتهمة إهدار المال العام وإمكانية متابعة أعضائه قانونيا أو متابعة من يسمح لهم بذلك. ينص الدستور الحالي في فصله ال 176 على «إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين » وهو الأمر الذي تحقق مع أحد مجلسي البرلمان وهو مجلس النواب الذي تجدد عبر انتخابات 25 نونبر 2011 ( بغض النظر عن الموقف من مشروعيته الشعبية)، بينما يستمر مجلس المستشارين خارج اللحظة الدستورية. وإلى يومنا هذا لم يجدد مجلس المستشارين ولم يخفض عدد أعضائه كما ينص على ذلك الدستور الحالي، إذ يستمر المجلس ب 270 مستشارا بدل 90 مستشارا كما ما جاء في الفصل 63، أي بفارق 180 مستشارا. وهو ما يكلف ميزانية المغاربة أكثر من 650 مليون سنتيم في الشهر. إذ لو كانت للمغرب محكمة دستورية حقيقية وقضاء إداري وازن لكان من تسبب في هذا الإهدار للمال العام في قفص الاتهام والمحاسبة، خاصة مع حلول دورة أكتوبر. فما معنى الإبقاء على مجلس لا دور، حقيقي، له غير الحفاظ على رواتب أعضائه. فمن المعروف أنه، بعد أي تجربة دستورية جديدة، يتم تجديد كل المؤسسات الدستورية في أقرب وقت ممكن، بما يتساوق والأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية فضلا عن روح ما بعد الدستور وانعكاسها على البعدين المحلي والدولي. فمجلس المستشارين الحالي منتخب بناء على دستور 1996 ويخضع في تجديد تركيبته لفصوله، وخاصة الفصل 38 الذي يحدد مدة انتخاب أعضاء مجلس المستشارين في تسع سنوات، ويجدد ثلثه كل ثلاث سنوات، إذ أن موعد تجديد الثلث المنتخب سنة 2003 سيحين مع افتتاح دورة أكتوبر2012 كما هو منصوص عليه قانونيا وكما جرت عليه التجديدات السالفة. وبما أن طريقة تجديد مجلس المستشارين السابقة لا يمكن تطبيقها بعد إقرار الدستور الجديد الذي ألغى الدستور السابق، وبما أن تركيبة مجلس المستشارين في ضوء الدستور الحالي وأسلوب تجديده غير متوافرين في المجلس الحالي، وبما أن الدستور الحالي لا ينص على مسألة التجديد الجزئي لمجلس المستشارين، وبما أن المدة التي تلت إقرار الدستور الجديد تجاوزت السنة ونيف، فما هي الحلول القانونية المقترحة لكي لا يدخل مجلس المستشارين في إطار اللاشرعية؟ ثلاث حلول ممكنة: أولا: مع الأخذ بعين الاعتبار أن المدة المتبقية لن تكون كافية، إلا أن فكرة إجراء انتخابات محلية وجهوية عاجلة، هي الأسلوب، الأقرب، للخروج من هذا المأزق القانوني والحفاظ على ما تبقى من دولة القانون.( نتكلم هنا من داخل القانون والدستور بغض النظر عن موقفنا من مجلس المستشارين من الناحية السياسية والديمقراطية). ثانيا: حل مجلس المستشارين في انتظار إجراء انتخابات محلية وجهوية ثم انتخاب مجلس مستشارين جديد على ضوء فصول الدستور الحالي، إذ يجد هذا المقترح مشروعيته في كون الحاجة إلى مجلس المستشارين غير ملحة وغير ذات موضوع، فهذا المجلس الذي تشبه صلاحياته، تقريبا، تلك التي لمجلس النواب، اعتبر في كثير من الدراسات مفرملا لأعمال مجلس النواب في إطار العقلنة السلبية التي ينهجها النظام السياسي المغربي. وبالتالي فحل مجلس المستشارين أو إلغائه من الأصل لن يؤثر على عمليتي التشريع والمراقبة، اللتان يختص بهما البرلمان، في ظل وجود مجلس النواب. ثالثا: حل مجلس المستشارين قانوينا والإبقاء عليه فعليا، أي أن يتم الاحتفاظ بمجلس المستشارين بعد حله في إطار ما يسمى في العلوم السياسية بالموظف الفعلي، في انتظار إجراء انتخابات جديدة، على غرار ما يحصل مع حكومات تصريف الأعمال التي تستمر في اشتغالها رغم إقالتها أو استقالتها. وإن كان هذا المقترح لا يحمل أية معقولية، رغم قانونيته، بالنظر إلى عدم إلحاحية وجود مجلس المستشارين من الأصل. ثلاث مخارج غير ديمقراطية: أولا: الإبقاء على مجلس المستشارين الحالي إلى حين انتخاب آخر، على أساس أن الدستور الحالي لم ينص على حل مجلسي البرلمان إلا بعد انتخاب مجلسين جديدين. غير أن هذا المقترح لا يخلو من عوار قانوني، فصحيح أن الدستور الحالي ينص في فصله ال 176 على أن المجلسان القائمان يستمران في ممارسة صلاحياتهما إلى حين انتخاب مجلسين جديدين، إلا أن السؤال يطرح حول ماهي هذه الصلاحيات؟. لقد أجاب الدستور نفسه على هذا السؤال عندما نص في نفس الفصل على " ليقوما على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين". إذن، فالمهمة الوحيدة التي من أجلها تم الإبقاء على مجلسي البرلمان هي إقرار النصوص القانونية التي تساعد على انتخاب مجلسين جديدين، أما استمرار مجلس المستشارين الحالي في أداء مهامه الرقابية والتشريعية وكأنه مجلس شرعي ولا غبار قانوني عليه، فذاك محط مخالفة للقوانين وضدا على السياق المحلي والدولي وغير متساوق مع التجارب المقارنة التي تجدد جميع المؤسسات عقب أي تجربة دستورية جديدة . ثانيا: إسقاط ثلث مجلس المستشارين الذي أكمل مدة انتدابه المتمثلة في تسع سنوات، والإبقاء على الثلثين المتبقيين لحين انتخاب مجلس جديد. غير أن هذا الاقتراح لا يخلو من عيوب، فهو من جهة يؤسس لعرف لم يسبق العمل به في أي من التجارب الديمقراطية بحيث يستمر عمل مجلس منتخب من دون ثلثه. ومن جهة ثانية يقدم على عمل غير منصوص عليه في أي من القوانين، إذ لابد لخطوة كهذه من سند قانوني تسند إليه لكي تنال الشرعية والمشروعية. ثالثا: وأما القائلون بإمكانية تمديد مدة انتداب مجلس المستشارين بظهير ملكي، فهم يخالفون بقولهم هذا أحكام الدستور الذي لا يعطي للملك الحق في تمديد مدة انتداب أحد مجلسي البرلمان أو كلاهما، وإنما للملك الحق فقط في حل البرلمان كما ينص على ذلك الفصل 51، ومن تم تصبح أي دعوة موجهة للملك من أجل التمديد لمجلس المستشارين عبارة عن دعوة لمخالفة الدستور و ترسيخ دولة اللاقانون والحكم عبر المزاج والظروف الاجتماعية لشاغلي عضوية المجالس، مع الضرب بعرض الحائط الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر منها البلاد. فكل يوم جديد في عمر مجلس المستشارين هو يوم خارج الشرعية ولن يسهم إلا في إهدار مالية الدولة. فمن المعروف، حسب "دي توكفيل" أن «الناس لا تفسد بممارسة السلطة ولا تفسد بالخضوع للسلطة، وإنما تفسد بممارسة سلطة غير شرعية و بالخضوع لسلطة غير شرعية ».وبالتالي وحتى لا يفسد من يحكم عليه أن يرفض التمديد لمجلس غير مشروع وغير شرعي، وأن يمتثل لأحكام القانون ولا يستخف بها، وإلا أنطلت عليه، اكثر، صفتي الاستبداد والدكتاتورية. ومن جهة ثانية وحتى لا يفسد المحكوم وجب عليه ألا يخضع لشرعية زائفة وأن يبادر بإجراءات من شأنها رفض التمديد لمجلس المستشارين من قبيل رفع دعاوي قضائية أمام القضاء الإداري أو عبر التظاهر السلمي أمام هذا المجلس أو أمام أي مؤسسة امتلكت جرأة التمديد لمجلس غير شرعي واستخفت بالدستور الذي صوتوا عليه هم بنعم، رغم أن نسبة مهمة رفضت هذا الدستور. باحث في العلوم السياسية هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.