لأول مرة مجموعة من الكتاب والمهتمين أضربوا عن الكلام، من هول هذه الجائحة المسماة كورونة، وجدوا صعوبة كبيرة في تفسير خطورة هذا الوباء المباغث، بحيث لم يترك لأحد منهم أية فرصة ليستجمع أنفاسه ويخرج برأي يعطينا تفسيرا قريبا لما نعيش من صدمات بشكل يومي. وبالفعل فالصدمة كانت قوية، وهذه شهادة من شخص مجرب تعدى تسعين عاما وهو الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي " ألان تورين " في حوار له مؤخرا حين قال : " نحن في فراغ…ويجب ألا نتحرك… بل أكثر من ذلك فنحن لانفهم مايجري ". العالم أجمع أصيب بالدهشة، ليس بسبب خطورة الوباء، ولا بسبب انتشاره المهول، ولكن بسبب الصور التي تنقلها القنوات التلفزية للعدد الهائل من الجثث التي يتم نقلها يوميا من المستشفيات إلى أماكن الدفن. الصور تتكلم كل يوم، لم يعد يحتاج سكان العالم إلى معلق ماهر، واللغة رغم جاذبيتها وفتنتها لم تعد لها أية وظيفة في تبليغ الرسالة، الرسالة واضحة وبليغة جدا مع هذا الكم من الصور المفزعة والمخيفة . في هذه الأوقات العصيبة، المثيرة، ماذا بقي للباحث أو الكاتب أن يبشر به، أو يفسره ؟ فهو لم يجد مايقوله ولهذا فهو من تلقاء نفسه ركن إلى الصمت، فهو ممنوع من الكلام إلى وقت لاحق إن كان محظوظا، كل ماعليه هو أن يلزم البيت ويسجن نفسه بنفسه وينتظر الخلاص الذي يأتي وقد لايأتي. يالها من حقيقة قاسية، لاأحد منا يستطيع أن يتكلم، لأننا لانعرف ماذا يحدث بالضبط، كل ما نعرفه، هو مانسمعه بين الحين والآخر، أن هناك صراعا بين قوتين، تبادل الاتهامات، صراع بين المختبرات، وكل ماتعلمناه خلال هذه الفترة من العزلة الصحية هو أن هناك حربا ضروسا يطلق عليها حرب الفيروسات بين هذه القوى، إننا مدينون لهذا الوباء العجيب كورونا لأنه جعلنا لأول مرة نكتشف مدن الجهل التي كنا نقطن بها ، لكن المعضلة الكبرى، هل نستطيع مغادرة هذه المدن التي تم ترويضنا فيها زمنا طويلا ؟ لاأحد يستطيع أن ينكر أنه تم تربيتنا منذ الصغر كيف نكون كائنات استهلاكية، كان همنا الوحيد كيف نعثر على الماركات الجديدة من كل المنتوجات، كل المواهب التي نتمتع بها، نستخدمها في التنافس على استهلاك كل مايشبع رغباتنا وشهواتنا، لقد تحولنا جميعا إلى سجناء الشهوة، وكل ماينبغي علينا اتقانه هو كيف ننتظر الخدمة في أسرع مدة، لايهم من يقدم هذه الخدمة، المهم هو السرعة في انجاز ما نطلب وهذا هو العمل الوحيد الذي يطفئ بركان غريزتنا. لهذا علينا أن نظل في بيوتنا، لأننا لانتكهن ماذا سيحدث غدا، سواء صحيا أو اقتصاديا، ولهذا علينا أن نظل خائفين، من المرآة، ومن كل أكسسورات المنزل، لانلمسها، وإن كان هناك حيوان أليف، فيجب أن نتجنب لمسه أو اللعب معه كأصدقاء ، وحتى مجرد الكلام فقد أصبح ممنوعا علينا، كل ماعلينا هو التسليم هو أننا كائنات مرفوضة من طرف بعضنا البعض وكذلك من طرف الطبيعة التي هجمنا عليها في مناطق جديدة، وهذا هو أكبر اعتداء ارتكبه الإنسان دون حرج. علينا أن نعترف، باعتبارنا مساهمين في صناعة الأزمة عن وعي أو بدون وعي، أننا أخفقنا جميعا دولة ومجتمع في هدم أركان الأمن الاجتماعي، وذلك بالرهان على حراس وهميين (معجزة القطاع الخاص ) الذي لايؤمن بالدولة والمجتمع القويين، وكل مايهمه هو دولة تحمي جشعه، ومجتمع يؤدي فاتورة باهظة تحمي إفلاسه، وهذا يعطينا إشارة قوية أننا فقدنا كل شيء يربطنا بالحياة، أصبحنا مجرد أرقام، مجرد بطون جائعة باستمرار، أجساد هشة تنظر جرعة لقاح من طرف مختبر بارع. ومع مرور الوقت بدأ يزداد خوفنا من كل شيء يحيط بنا، نخاف من العدوى في كل لحظة، أضحى " أمننا الوجودي " مهددا بشكل مباشر على حد تعبير السوسيولوجي " أنتوني جيدنز " ، وأي محاولة للبحث عن الخروج من الجحر، يعني موتنا المحقق، إننا جميعا في ورطة، علينا أن نفكر، علينا أن نتكلم بصوت مرتفع عن أخطاءنا الفادحة … كاتب وباحث مغربي