يستعيد الكاتب حسن نجمي في روايته الجديدة "جيرترود" من خلال استحضار المرور العابر للكاتبة الأمريكية جيرترود ستاين بمدينة البوغاز، ألق طنجة الدولية التي نجحت في أن تشكل حلما وفردوسا لعدد من مبدعي العالم. فمن خلال لعبة سردية متقنة نجح الإصدار الروائي الأخير لنجمي في أن يستدرج حياة الكاتبة الأمريكية جيرترود ستاين ( 1898 / 1946) انطلاقا من زيارتها لطنجة سنة 1912 بما كانت تمثله آنذاك من سحر وغموض وأسطورة يتداخل فيها الواقعي والخيالي، ولقائها بشاب مغربي يدعى محمد ساعدها على التعرف على معالم ومتاهات مدينة "مفتوحة ومتعددة". وينطلق الكاتب في هذه الرواية الصادرة عن المركز الثقافي العربي من واقعة تاريخية حقيقية تتمثل في زيارة الكاتبة الأمريكية الشهيرة "جيرترود ستاين" رفقة صديقتها "أليس طوكلاس" لطنجة سنة 1912 ولقائها بدليل سياحي يدعى محمد لم يكتف بتعريفهما بأسرار المدينة ومعالمها بل أطلعهما على الأحداث السياسية حيث أخبرهما مثلا بتنحي السلطان مولاي عبد الحفيظ حتى قبل أن يحدث ذلك. واعتمد الروائي هذه الواقعة التي تضمنتها بضع مقاطع من سيرة جيرترود ستاين "السيرة الذاتية لأليس طوكلاس" الصادرة سنة 1934 والتي أوردها الكاتب في مستهل الرواية لتشكل انطلاقا للعبة التخييل، وليمنح بذلك لشخصية محمد المجهول ملامح وهوية ويجعله شاهدا على ما كان يحدث في طنجة وباريس آنذاك. يحول الكاتب الإشارة العابرة لمحمد في السيرة المذكورة إلى محور عمله الروائي، حيث سيجعل الشاب الطنجاوي يلعب دوار أساسيا في المتن الحكائي إذ سيسافر من طنجة إلى باريس ويستقر مع الكاتبة الأمريكية في بيتها ويساهم في إبراز رؤيتها الذاتية للعالم وعلاقتها الاجتماعية والثقافية والفنية وما كان يميزها من نقاط القوة والضعف. كما ترصد الرواية، التي صمم غلافها الفنان عبد الله الحريري وتحمل بورتريه لجيرترود رسمه بيكاسو، علاقة الكاتبة الأمريكية بماتيس وبيكاسو وأبولينير وهيمنغواي وفيتزجرالد وأناييس نان وآخرين وإقامتها الباريسية الدائمة وصالونها الفني الأدبي الشهير، ومقتنياتها المتنوعة لكبار رسامي عصرها. وبالموازاة مع العلاقة المركزية بين محمد وجيرترود ينسج المؤلف علاقة أخرى بين الراوي وهو كاتب شاب عاش بطنجة وتعرف على محمد في أواخر حياته بعد عودته خائبا من هجرته الفرنسية، وبين ليديا الدبلوماسية الأمريكية التي تعمل بالرباط. وسيتولى الراوي إعادة كتابة حياة محمد وإعادة بنائها ، عن طريق تجميع ذكرياته الشخصية معه وقراءة بعض أوراقه الشخصية والنبش في مؤلفات "جيرترود ستاين" وما كتب عنها، ساعدته في ذلك علاقته مع الدبلوماسية الأمريكية بالرباط التي تعرف عليها عرضا أثناء اشتغاله بموضوع الكتابة عن محمد وجيرترود. وتسير الحكاية داخل الرواية خطين متوازنين عبر علاقتين مختلفتين في الزمان والمكان وأساسا من حيث الرؤية وزاوية النظر إلى الأشياء، فبينما يرتبط محمد بعلاقة يطبعها الانبهار والتبعية والضعف تجاه جيرترود، تجمع الكاتب علاقة متوترة ونقدية بالدبلوماسية الأمريكية، لتصل في النهاية إلى الأفق المسدود، لتكون هذه العلاقة الصدامية إحالة بشكل من الأشكال على العلاقة بين الشرق والغرب. وحسب الناشر فإن الكاتب يندس في هذه الرواية وهي من الحجم المتوسط (335 صفحة)، "في متخيل خصب بالتداعيات والإحالات حافل بمناخات الأدب والتصوير الجديدين وببعض الأسماء الكبرى في تاريخ الحركات الطليعية في الفن الحديث". كما يتوقف هذا العمل الروائي الذي يعد ثاني إصدار لحسن نجمي بعد رواية (الحجاب) 1996 عند بيكاسو وهو يرسم البورتريه التكعيبي لجيرترود الذي أنجزه "بعد 87 جلسة في عزلة محترفه، حيث استسلمت الكاتبة كموديل ليفعل بها الفنان ما شاء على الأقل كما خمن ذلك الشاب المندهش القادم من طنجة إلى باريس الذي سلبته الأضواء والمادة الجسدية اسمه وبعض توازنه وألقت به إلى هاوية النكران". وبخصوص التقنيات التي اعتمدها في هذه الرواية ، أوضح حسن نجمي أنه اعتمد "البناء السينمائي، من خلال استحضار مدينة طنجة الدولية التي كانت محجا للمبدعين العالميين ومن خلال مثلا وصف طريقة وصول البطلة وصديقتها إلى ميناء المدينة، وأيضا من خلال الاشتغال على الشخصيات والأمكنة". وأبرز نجمي أن البناء السينمائي في الرواية يبرز أيضا من خلال فصل مصائر (دليل صغير) الذي أعطى فيه الكاتب ملخصا عن مصير كل شخصية في الرواية (جيرترود ستاين وأليس طوكلاس وبيكاسو وأناييس نان وغونزالو وبرنار والراوي). وأضاف الكاتب، القادم إلى الرواية من الشعر، أنه اشتغل لوقت طويل حول تجميع المادة المعرفية للرواية حيث زار الأمكنة التي عاشت فيها الكاتبة الأمريكية وزار المنزل الذي سكنته في باريس لعدة مرات، كما زار المتحف الذي يعرض لوحة جيرترود عدة مرات. واعتبر نجمي أن خصوصية هذه الرواية تتمثل أساسا في كونها مختلفة عن المتن الروائي المغربي لأنها خرجت من مدونة التيمات المعروفة في الروايات المغربية لتحلق ربما في تيمة تنطلق من المحلي لتعانق قضايا عالمية. وأشار إلى أنه أصبح مسكونا بهذه الرواية وبشخصياتها ولم يستطع بعد التخلص من عوالمها وتأثيراتها، مشبها نفسه ببطل سينمائي يمثل دورا مهما ويرفض في عناد أن يتخلص من الشخصية التي جسدها. وعلى الرغم من أن حسن نجمي نحت شخصيات الرواية بعناية فائقة وصور عمق هشاشتها الداخلية ورسم مجرى الأحداث في انسجام ومنطقية إلا أنه لم يتنازل عن الشرط الجمالي، حيث يبدو واضحا اشتغاله على اللغة منتصرا بذلك لشاعريته ، وهو ما يشكل من دون شك إغناء للعمل الإبداعي. وحسن نجمي الذي ولد بمدينة ابن احمد سنة 1960، عمل كصحفي بجريدة (الاتحاد الاشتراكي) ، ثم مسؤولا عن الملحق الثقافي للجريدة (1984-1999) ثم التحق بعد ذلك بسلك التدريس بمدرسة تكوين الأساتذة بالرباط، وعين مديرا لمديرية الكتاب والمكتبات العمومية والأرشيف منذ 2008. وانتخب رئيسا لاتحاد كتاب المغرب مرتين (1998 / 2005) كما انتخب سنة 1996 نائبا لرئيس بيت الشعر، ثم رئيسا لهذا البيت سنة 2007. ومن أعماله الشعرية "لك الإمارة أيتها الخزامى" (1982) و"سقط سهوا" (1990) و"الرياح البنية" (1993) بالاشتراك مع الراحل محمد القاسمي و"حياة صغيرة" (1990) و"المستحمات " (2002) تليها "أبدية صغيرة " (2002) و "مفتاح غرناطة" (2004) بالاشتراك مع الفنان التشكيلي عبد القادر لعرج و"على انفراد" (2006) و"أذى كالحب" (2011). وحظي حسن نجمي بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة (2005) وجائزة روكا فليا للشعر من إيطاليا عن مجموعته الشعرية "المستحمات" سنة 2009. *و م ع