لست بصدد تحليل قولة ماركس :"الدين أفيون الشعوب" وفق المادية الجدلية في مقاربة الدين وإن كان هذا الأخير كما يصوره أولوا الأمر في بلادنا يجسد هذا التوصيف أو يتجاوزه أحيانا بتقديم نماذج تجعل من الدين أداة التسلط والاستبداد بالنسبة للفئة القليلة المستبدة بالسلطة والمالا والجاه,وأفيونا مفعوله أقوى من الأقراص المهلوسة للفئة الباقية , يجعلها ناكصة خاضعة, إما متدينة تدينا شكليا مظهريا تستغله لقضاء مآربها أو علاقة سطحية عمودية تربط الإنسان بربه دونما أي تأثير في الواقع ودونما تمظهر في الفعل والفكر والممارسة . فحين تجد وزيرا للأوقاف المنوط به أمر الدين, في ظل صمت من هم أحق بالصدع به,حين تجده يشبه بيعة المظلة في حفل الولاء ببيعة الرضوان تحت الشجرة في تناقض سافر بين النص وأسباب تنزيله و البون الشاسع في وجه الشبه بين المثالين (أنظر مقالا للدبلوماسي المغربي السابق بالسعودية علاء الدين بنهادي على مدونة شباب أيت بعمران التفاعلية ),وتجد "علماء" ووعاظا ودعاة همهم نيل رضا السلطان قبل السلطان الأعظم عز وجل يفتون في كل شيئ و يشترون بآيات الله ثمنا قليلا كأمثال الزمزمي الذي أفتى بعدم جواز خلع البيعة بعيد تقديمه لطلب الحصول على مأذونية للنقل قربانا وعربونا يعبربه عن حسن النية حتى قبل رد الجواب من البلاط وتجد الأئمة في المساجد همهم الوحيد قبل الوعظ والوعيد تحصيل شواهد حسن السيرة الدينية لدى من يراقبونهم ويمدونهم بخطبهم الموجهة لضرب الآراء المعادية تارة أو تمجيدا للمخزن عند كل ذكرى دينية أو وطنية تارة أخرى ,وليست ببعيدة عنا خطب الدستور وحكم جل الخطباء بوجوب التصويت فيه وب"نعم" ليبدو الرافضون من المصوتين ب"لا" ودعاة المقاطعة حينها فساقا جهالا خارجين عن الطاعة هدفهم نشر الفتنة بين العباد . وتجد رئيس الحكومة المنحدر من حزب يدعي الإسلام يقول عن المفسدين وناهبي أموالنا في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة "عفا الله عما سلف" وكان ربه عفا على كبار المفسدين ولم يعف عن المعتقلين وسجناء الرأي الذين قدموا أرواحهم وحرياتهم و كانو سببا في توليه ذلك المنصب ليقارن بين العفو في دم الصيد في الأشهر الحرم كما في الآية الكريمة والعفو عن الذين "اصطادو وما زالو" من الغنائم ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولو القوة .من حاربو الله ورسوله وعباده وسعو في الأرض فسادا وهو الذي كان يتبجح بشعاراته ضد الفساد والإستبداد.أسوق هذا المثال فقط لتبيان مظهر آخر من مظاهر تكريس الدين كأفيون للشعوب. و من أجل تكريس هذا المفهوم الديني الذي ما جاء به الله ولا رسوله نجد دعما ماديا ومعنويا واسعا لجهات تختزل الدين في العلاقة العمودية بين الإنسان وربه وتمجيد الحكام وحتى تأليهها أحيانا والعلاقة الروحانية بين الشيخ والمريد التي تتم في جو فولكلوري استعراضي تتخلله رقصات وآهات أقرب إلى "الجذبة" و"عيساوة" والقعدة من الدين كي لا تترك للمفهوم الحقيقي للدين مكانة:الدين الحقيقي الذي ليس بأفيون الشعوب بل زفرة المضطهدين .ذلك الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بالجهاد ويوجبه ويحل الطيبات ويحرم الخبائث ويفتينا في أحوالنا وأحوال أولياء أمورنا وشروطهم وفي الشورى والديمقراطية والحداثة و...و... و وفي الحقيقة لا ننتظر من "علمائنا" "الأجلاء" إفتائنا في شروط إمارة المؤمنين وحكم الربا والقروض البنكية وحكم الجهاد حين يضطهد المسلمون في بقعة من بقاع المعمور وحكم خمور مرجان وتخفيف عقوبتها مقارنة ب"ماء الحياة" وحكم الإحتكاروزيارة الأضرحة والشرك بالله و... و...و لأننا نعرف جيدا أنهم لم ولن يفعلو ولن يتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين. لكننا بالمقابل نطلب منهم ألا يتمادوا و يضيفوا لكل ما أمرو بالإفتاء به ما تفتيه عليهم نزواتهم وأهواؤهم كمثل خطيب مسجد جماعة تيوغزة ا الذي خرج ذات جمعة في عز رمضان يفتي وينذر ويحذر من كرة القدم ويربطها بالمخدرات والفسق والفجور بمناسبة دوي رمضان الذي نظمته مشكورة إحدى جمعيات المنطقة ونسي الخطيب أن الدين أمرنا بتعليم أبنائنا الرماية والفروسية وكل الألعاب الأولمبية التي لا تحوي ميسرا ولا تنشر فاحشة وليته أفتى بذلك في كرة القدم الوطنية وأجرة المدرب الوطني حيث تهدر الملايير من أموال المسلمين ويشهر الميسر والربا وكل أنواع الموبقات ولو فعل ذلك لتم عزله ومحاسبته كما يفعل بالقلة التي ما زالت تقوم بدورها في الوعظ على قلتهم. ليت خطيبنا هذا وهو الفقيه بالمدرسة العتيقة,ليته تحدث عن واقع التعليم العتيق وما يقع داخل مدارسه من ظلم و فسق وفجور ولواط ...(دون التعميم على كل المدارس العتيقة ) بدل غمر الأنف في أمور لها أصحابها وتنظيماتها وجمعياتها ونسي أنه يمثل سلطة دينية من المفروض أن تكون مسؤولة عن أقوالها ما دام له أتباع يقتدون به وليس بغريب أن ينعتوا الرياضيين بالعصاة والفاسقين الذين يعصون الله في عز رمضان اعتمادا على "فتواه" مسببا بذلك في صراع مفتعل بين جيل الشباب الذي لا يجد أماكن للتثقيف أو الترفيه وجيل المتقدنين في السن الذين صارو يعارضونهم وتسبب ذلك بمشاكل لكثير من الشباب مع ذويهم. وقد حكى لي أحد الأصدقاء يوم أمس أنه بينما اصطف الناس في المسجد في إحدى الصلوات ينتظرون قدوم الإمام إذابه يهرول من بعيد مرددا:"الخطاب الملكي"..."الخطاب الملكي"...في إشارة إلى خطاب عيد العرش ثم انسحب فظل المصلون ينتظرونه ومنهم من غادر المسجد للصلاة في بيته بسبب الحر وطول المكوث فما دخل الخطاب في الصلاة ؟ أليست كل هذه الأمورتعكس التكريس الأفيوني للدين الذي يشرعن الذل والاستبدادو يلهي الناس عن الأمور الحقيقية التي يفترض أن تناقش وتعطى فيها مواقف وأحكام ثابثة تراعي المبادئ الكونيةو يأخدها رجال لا يخافون في الله لومة لائم ولا يضرهم في الحق شيء دون خوف ولا طمع ولا محاباة وهؤلاء في هذا الزمان قليل