أعطت الاحتجاجات الشعبية البطولية التي عرفتها بلدة بني بوعياش قبل وبعد 20 فبراير من سنة 2011 نموذجا يقتدى به في كفاحية وصمود الجماهير الشعبية وقدرتها على إرباك أوراق النظام القائم بالمغرب... فقبل انطلاق احتجاجات حركة 20 فبراير كانت جماهير بني بوعياش قد خرجت في مسيرات شعبية ضخمة ونظمت اعتصامات مطولة أمام مؤسسات الدولة، واستطاعت الجماهير بقيادة اللجنة المركزية للدفاع عن قضايا وهموم ساكنة بني بوعياش – التي كان الناشط عبد الحليم البقالي من أبرز مناضليها- استطاعت تحقيق العديد من المطالب الاجتماعية وعلى رأسها توفير السكن والتطبيب المجاني لإحدى الأسر المشردة وإصلاح البنيات التحتية ووعود بتوفير المرافق العمومية الضرورية. وفي انتفاضة يوم 20 فبراير 2011 التاريخية، كانت مشاركة جماهير بني بوعياش في المسيرة الاقليمية تجاه الحسيمة وازنة وقوية تجاوزت 10 آلاف مشارك من بني بوعياش وذلك نتيجة التعبئة الواسعة التي قام بها مناضلي المنطقة. ورغم تراجع الحركة في العديد من المدن مع مرور الوقت فقد حافظت حركة 20 فبراير ببني بوعياش على زخمها الشعبي وسجلت ملاحم نضالية فريدة (الخروج في مسيرة حاشدة يوم الاستفتاء على الدستور، رفع شعار إسقاط النظام لأول مرة بالمغرب، مقاطعة شبه شاملة في الانتخابات البرلمانية، تحويل الاحتجاجات إلى أشكال شبه يومية ، الحضور البارز والقوي للرموز الثورية الوطنية والاممية في ملصقات ولافتات الحركة كصور عبد الكريم الخطابي وتشي غيفارا...) إن هذا الزخم النضالي والخط الكفاحي الواضح الذي اختارته الحركة الاحتجاجية بالمدينة منذ البداية سيجعل النظام يلجأ إلى كل الوسائل لفرض معادلة التراجع على الجماهير الشعبية ومناضليها القياديين، ففي البداية وبحكم الانتشار الواسع للاحتجاج على الصعيد الوطني كانت مقاربة النظام تجاه احتجاجات جماهير بني بوعياش هو غض الطرف وممارسة التعتيم الإعلامي وتجنب أي شكل من أشكال الاصطدام نتيجة اندلاع مواجهات في العديد من المدن بين الجماهير وقوات النظام وتشتت هذه القوات، ثم لجأ إلى مقاربة التخويف والترهيب عبر تسخير أجهزة مخابراته وملاحقتها للمناضلين وتهديدهم بالقتل والاختطاف. وسرعان ما تحول هذا التهديد إلى أمر واقع حين تم اختطاف الناشط عبد الحليم البقالي ثم اغتيال الشهيد كمال الحساني، وأمام رد الفعل الجماهيري الذي كان قويا من خلال المسيرات والإضرابات العامة التي نظمتها تنديدا باغتيال كمال الحساني، وفي ظل تحول احتجاجات بني بوعياش والشعارات التي ترفعها الحركة إلى نموذج تحتذي به العديد من المدن سيضطر النظام مرة أخرى إلى التراجع، لكن هذه المرة للترتيب للهجوم الشامل الذي سيدشنه يوم 2 مارس 2012 باعتقال البشير بنشعيب، ثم يوم 08 مارس بقمع المعتصم المنظم أمام الباشوية وملاحقة المناضلين واقتحام البيوت واستعمال الكلاب المدربة والغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه في مواجهة صمود واستماتة شباب المدينة وقتاليتهم دفاعا عن أسرهم وبلدتهم. إن الاعتقالات الواسعة التي شنها النظام في صفوف قيادات الحركة الاحتجاجية بمدينة بني بوعياش تعد تتويجا لهذا المسار الذي اختاره في تعامله مع الاحتجاجات المشروعة للجماهير الشعبية، والتهم التي وجهت للمعتقلين ليست سوى ذرائع لإخماد الحركة والانتقام من المناضلين الذين أحرجوا النظام في الاوقات العصيبة التي مر منها. ومن أجل تسليط الضوء على التهم التي لفقت للمناضلين وتأكيد رأينا حول الطابع السياسي والانتقامي الذي اتخذته محاكماتهم، سنورد نموذج محاكمة المعتقل عبد الحليم البقالي لأنها تكشف بشكل واضح عن طبيعة القضاء بالمغرب والدور الذي يلعبه في معادلة الصراع الطبقي بالبلاد. فلا أحد ينكر الدور البارز الذي لعبه البقالي في مواصلة مسيرة بناء تنسيق إقليمي قوي بالحسيمة للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب ودوره في تعزيز وتطوير الأشكال التنظيمية والنضالية الجهوية للمعطلين بالريف، حيث تحمل مسؤولية كاتب عام للسكرتارية الاقليميةبالحسيمة لمدة اربع سنوات وكان من المناضلين الذين تحمسوا لبناء تنسيق جهوي للمعطلين بالريف، وساهم بشكل فاعل في التحضير للمؤتمر الوطني العاشر للجمعية. هذا إضافة إلى دوره الكبير في قيادة الاحتجاجات المشروعة لجماهير بني بوعياش قبل وبعد 20 فبراير، ومشاركته في الانشطة والنضالات التي نظمتها ساكنة المناطق المجاورة، وظل منحازا لصفوف الكادحين رغم كل الإغراءات والتهديدات التي كان يتعرض لها،. وأمام صلابة موقفه سيتعرض للاختطاف يوم 14 اكتوبر 2011 بعد عودته من المشاركة في مهرجان خطابي حاشد نظم بقاسيطة موازاة مع إضراب عام بالمنطقة، وسيتم استنطاق الرفيق لمدة ليلة كاملة قبل أطلاق سراحه على وقع الضغط الشعبي الكبير الذي مورس من أجل ذلك في عدد من مناطق الريف. بعد ذلك سيتعرض لعملية اختطاف ثانية وهذه المرة من أحد المقاهي ببني بوعياش يوم السبت 12 ماي 2012، وسيتعرض الرفيق للتحقيق أزيد من أربع مرات وفي كل مرة ينفي فيها المعتقل كل التهم الجنحية الملفقة له ويؤكد على انتمائه للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وحركة 20 فبراير، وبعد أن عجز قاضي التحقيق على تأكيد التهم الموجهة للمعتقل بالأدلة الملموسة سيضيف تهم جديدة من قبيل "التحريض على العنف عن طريق الخطابات"، وذلك لاتخاذ التصريحات الصحفية والكلمات التي كان يلقيها البقالي أثناء الأشكال الاحتجاجية كدلائل. ثم بعد ذلك ستأتي مرحلة محاكمة الرفيق بعد تأجيلها لمرات عديدة، حيث غصت قاعة المحكمة بالمئات من رفاق وأصدقاء المعتقل وتم إحضار باقي المعتقلين (محمد اهباض ومحمد جلول والبشير بنشعيب...) كشهود وكلهم أكدوا على أن الأقوال المكتوبة في محاضرهم والمسنوبة لهم والتي تشير إلى كون البقالي هو الذي كان يحرضهم على قطع الطريق وغير ذلك ليست سوى أقوال ملفقة وموقعة من طرف الضابطة القضائية، وأن حليم البقالي لم يكن حاضرا يوم 2 مارس 2012 حين تم قطع الطريق الرئيسية احتجاجا على اعتقال البشير بنشعيب، كما حضر ثلاثة شهود آخرين أكدوا على أن حليم البقالي كان متواجدا معهم بمدينة وجدة يوم 2 مارس، ورغم كل ذلك تم الاحتفاظ بالتهمة المتعلقة بيوم 2 مارس ولم يتم الاعتماد في إصدار الحكم كدلائل ملموسة سوى على شرائط فيديو يظهر فيها البقالي في الصفوف الأمامية للمظاهرات، وأخرى يلقي فيها كلمات أثناء نهاية الاحتجاجات، ورغم أن هذه الفيديوهات لا تتوفر ولا على كلمة واحدة تشير إلى التحريض على العنف أو إلى قطع الطريق أو غير ذلك من الكلمات التي لها علاقة بالتهم الموجهة له، ومع ذلك تم اعتمادها كدليل لإصدار الحكم. فلو كان القضاء المغربي نزيها وعادلا لتم إطلاق سراح عبد الحليم البقالي فورا، أو لتم الإقرار على الأقل بكون المحاكمة ذات طابع سياسي ونابعة من انتماء المعتقل لجمعية المعطلين وحركة 20 فبراير، لكن منطق التعليمات كان واضحا وباديا على وجوه القضاة وحتى على وكيل الملك الذي اكتفى بدور المتفرج وكأنه يدرك فصول المسرحية منذ البداية وينتظر فقط وقت الإعلان على الحكم المملى على المحكمة من فوق. إن السياق والظروف التي مرت منها محاكمة المناضل عبد الحليم البقالي لا تختلف عن سابقاتها ولاحقاتها من المحاكمات الصورية التي تعرض لها كل من محمد جلول ومحمد أهباض وحليم الطالعي ومصطفى اهني وباقي معتقلي الحركة الاحتجاجية ببني بوعياش، فالخلفيات كانت واضحة وتتلخص في : - الانتقام من قياديي الحركة الاحتجاجية ببني بوعياش بعدما أبانوا عن وعي سياسي عميق تجاه طبيعة الصراع بالمغرب والمؤسسات الحقيقية التي يجب أن يوجه ضدها هذا الصراع. - الهجوم على الحركة للتخفيف من حدة تطورها والتقليص من زخمها الشعبي. - ترهيب وتخويف الجماهير الشعبية بالمدينة وإعطاء انطباع عام بأن مصير كل من يشارك في الاحتجاجات هو سنوات من الضياع في زنازن السجون المغربية. - توفير الأجواء الملائمة لادخال مفوضية الشرطة لمدينة بني بوعياش وتسهيل مأمورية متابعة تحركات باقي المناضلين. - تقزيم دور الحركة في فضح شعارات النظام، خاصة بتزامن مع عودة الجالية المغربية المقيمة بالخارج الى المنطقة وتوافد الآلاف من السياح إلى اقليمالحسيمة في فصل الصيف. - تحويل مجريات الصراع بالمدينة ودفع الحركة إلى التركيز على شعار إطلاق سراح المعتقلين والتخفيف من حدة الشعارات السياسية الموجهة ضد النظام. ومن أجل محاولة إخفاء هذه الخلفيات الحقيقية التي تقف وراء اعتقال المناضلين ببني بوعياش سيعمل النظام على تلفيق تهم جنحية في حقهم مع أن كل المحاكمات التي تعرض لها المناضلين كانت تؤكد على أنها محاكمات سياسية. وحتى الأدلة التي تم اعتمادها في إصدار الأحكام هي أدلة سياسية وليست جنحية (أشرطة فيديو تظهر المعتقلين يرفعون الشعارات أو يلقون كلمات، صور تظهرهم وسط أو في مقدمة المظاهرات، اعتراف المعتقلين بانتمائهم لحركة 20 فبراير أو الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب...) ورغم النداءات المتكررة للعديد من الحركات الاحتجاجية والهيئات الحقوقية والمدنية من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف العبث بمصير خيرة أبناء الشعب بالمنطقة، فقد تمادى النظام في ممارساته القمعية واعتقالاته التعسفية لدرجة لم يمر فيها أسبوع إلا وتم اعتقال مناضل جديد ولا زالت لائحة المتابعين مفتوحة، كما أصبحت المدينة تعرف حظرا شبه كليا للاحتجاج مهما كان نوعه. أمام هذا الوضع بات لزاما على كل الغيورين على هذا الوطن وكل الهيئات والمنظمات والجمعيات وكل الأصوات الحرة داخل وخارج المغرب التحرك عاجلا ووضع ملف المعتقلين السياسيين والحق في الاحتجاج على رأس أولوياتها لأن الأمر يتعلق بآهات ومعاناة أمهات وعائلات المعتقلين ومصير المنطقة برمتها، ومن أجل بلورة رؤية واضحة للدفاع عن ملف المعتقلين السياسيين ببني بوعياش والمغرب بشكل عام نقترح ما يلي: - خلق لجنة جهوية بالريف مكونة من مناضلي الحركات الاحتجاجية وكل الأصوات المكافحة بالمنطقة للدفاع عن المعتقلين السياسيين، ولا يجب أن يقتصر دور هذه اللجنة على الخرجات الاعلامية المحتشمة بل يجب أن تضع برنامج عمل واضح حول ملف المعتقلين بما في ذلك تنظيم احتجاجات ميدانية للمطالبة باطلاق سراحهم. - خلق لجنة دولية مكونة من المناضلين والمنظمات والجمعيات الحرة خارج المغرب والعمل على التعريف بقضية المعتقلين والتشهير بسياسة القمع والاعتقال التي ينهجها النظام إزاء المناضلين. - إنزال معارك موحدة للإطارات التقدمية والديمقراطية على أرضية الدفاع عن حرية المعتقلين( الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، حركة 20 فبراير، الجمعيات الحقوقية، لجان متابعة الشأن المحلي.) - دعم احتجاجات المعتقلين داخل السجن من خلال خوض أشكال احتجاجية موازية لها في الشارع وتنظيم حملات إعلامية وتضامنية واسعة. إن استهداف مناضلي الحركات الاحتجاجية والزج بهم في السجون هو في حقيقة الأمر استهداف للمنطقة برمتها وعودة صريحة إلى ما يسميه البعض سنوات الجمر والرصاص التي لم تنتهي بعد، والصمت إزاء قضية المعتقلين هو مشاركة مباشرة في تزكية الاعتقال السياسي والاستعراض القمعي الذي تمارسه الدولة في حق شباب أراد أن يعيش في وطن يتسع للجميع. لذلك فالمسؤولية ملقاة على عاتقنا جميعا لكي نساهم في تحرير معتقلينا ومواصلة النضال حتى تتحقق المطالب التي اعتقلوا من أجلها.