"إذا وليت أمرا أو منصبا، فأبعد عنك الاشرار فإن جميع عيوبهم منسوبة اليك" الفيلسوف سقراط في الوقت الذي يتعرض فيه العديد من الاطر العليا المعطلة للعنف المفرط من طرف القوات العمومية بدعوى عدم قانونية مظاهراتهم، رغم عدالة مطالبهم. وفي الوقت الذي يتم تهديد صغار الموظفين اصحاب السلالم الدنيا باقتطاع ايام اضرابهم من اجورهم الهزيلة، بدعوى ان الاضراب حق والعمل واجب، وانه لحد الان لم يتم تحديد ايهما يقدم : الاضراب باعتباره ابغض الحقوق الى الموظفين، ام القيام بالواجب في ظروف لا تتوفر فيها شروط الكرامة. وفي الوقت الذي تعاني فيه الادارات العمومية من نقص في الموارد البشرية، الذي يؤثر على مردودية العمل الاداري ويعطل مصالح المواطنين. وفي المقابل نجد اكثر من 90 الف موظف شبح بالإدارات العمومية المغربية، يملكون رقم تأجير من وزارة المالية، لا يؤدون مهامهم، و يتقاضون رواتبهم كاملة من ميزانية الدولة، يتم ترقيتهم كلما دعت الضرورة الى ذلك في اطار المساواة بين عموم الموظفين، وزيادة على ذلك يأخذون عطلة دائمة على طول السنة، منهم من يشتغل خارج ارض الوطن، ومنهم من يشتغل داخل الوطن وينوب عنه معطفه الموضوع على الكرسي الذي يوحي ان هذا الموظف موجود، فقط خرج لقضاء بعض الحوائج هنا او هناك، قد يتأخر لبعض الوقت، قد يمتد هذا لسنوات. وبالتالي يتضح الجدية في محاربة الحقوق المشروعة، يقابله التراخي في التعامل مع ملفات الفساد والتي ابرزها ملف الموظفين الاشباح، هذا الملف الذي يعد من الظواهر الخطيرة التي تنخر الادارات العمومية بالمغرب، والتي تعتبر من اكبر مظاهر الفساد الاداري والمالي والاخلاقي بالمغرب. يتم الحديث عن هذه الملف باحتشام كبير، كأنه من الطابوهات، فمند اثارة الموضوع في عهد حكومة التناوب لم يتم اتخاد اي اجراء عملي ايجابي لمحاربة هذا الفساد، نعم توجد بعض الاشارات من قبيل التنبيه الى وجود نصوص قانونية يمكنها ان تكون الية كفيلة للحد من الظاهرة، لكن عمليا يبدو انه هذه النصوص غير كافية، فالظاهرة في استفحال كبير، والسبب غياب ارادة مواطنة لمحاربة الظاهرة ولما لا الحد منها، فمثلا في القطاع الخاص لا يمكن ان نجد موظف شبح في شركة خاصة او مجموعة صناعية، والسبب هو ان مؤسسات القطاع الخاص تحترم الى حد كبير قواعد الحكامة والشفافية في التدبير، وعيا منها ان الفساد الاداري قد يؤدي الى ضعف المردودية وبالتالي انهيار المؤسسة الاقتصادية. ويبدو ان حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة الحالية، يمتلك تصور مهم عن الملف انطلاقا من تجربته في المعارضة، وهو الذي كان يثير الموضوع غير ما مرة منطلقا من احصائيات ودراسات وبالتالي لديه الارادة وحسن النية لحل المشكل، وهو اليوم في الحكومة يتوفر على الاليات ووسائل الدولة للتدخل، وبالتالي فما على وزير الحكامة الذي صرح ان عدد الموظفين الاشباح 90 الف، الا ان يبادر لكشف "لائحة الموظفين الاشباح" على غرار لائحة "الكريمات"، وان لا تقف الحكومة عند كشف "لائحة الموظفين الاشباح" بل يجب ان تتدخل عمليا لإعمال الدستور الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطبيق القانون عن طريق محاسبة هؤلاء الموظفون الاشباح وبالتالي قطع دابر الفساد. ويمكن الاستئناس ببعض الاليات والوسائل لمحاربة الظاهرة: وضع مدونة للسلوك وميثاق شرف الموظف العمومي. يجب ان يتدخل المجلس العلمي الاعلى لإعطاء فتوى في الموضوع. تدخل وزارة العدل عن طريق اقتراح نصوص قانونية جزرية في الموضوع. رقمنه السلوك الاداري، وتحديث الادارة العمومية. تحميل رؤساء الادارات مسؤولية الضبط. تمكين المواطنين وجمعيات المجتمع المدني من اليات محاربة الظاهرة، عن طريق نشر أسماء الموظفين على باب كل ادارة عمومية، ووضع رقم اخضر للتبليغ عن كل موظف شبح. الحكومة اليوم على المحك لتحارب هذا الريع، لان محاربة الموظفين الاشباح، فيه تحقيق لمبدأ هبة الدولة الديمقراطية، وفيه محاربة لجوهر الفساد الاداري ومحاربة تبذير المال العام، وتحقيق العدالة بين عموم الموظفين، وتحقيق الانصاف والحكامة والرقي في سلالم التنمية وفق المعايير الدولية. كما ان محاربة ظاهرة الموظفين الاشباح إضافة الى ان فيه تطهير للإدارة العمومية، فيه كذلك تحسين الخدمات للمواطنين، وتوفير مناصب هؤلاء الاشباح حتى يستفيد منها باقي الاطر التي تريد خدمة هذا الوطن بجدية ومصداقية. كما ان 90 الف موظف شبح تعني 90 الف وظيفة شاغرة، يمكنها ان تحل مشكلة عطالة الاطر بصفة نهائية. واذا لم تعجل حكومة بنكيران بمحاربة ظاهرة الاشباح، فإنها ستجني نتائج الفساد الاداري، وبالتالي ستضرب في مصداقية الشعارات التي كانت تنادي بها عندما كانت في المعارضة.