استسيغ تماما ان ينقلب احدنا دفعة واحدة عن مجمل قاموسه الموروث عن حقبة انقضت ... أو حتى ان يهاجر مواقعه السابقة ويرحل عنها بحثا عن اخرى اكثر اغراء ...من دون ان يعير كبير اهمية الى الاخرين يصفونه بالارتداد او بالانتهازية او بما شاؤوا من النعوت والاوصاف.لانه من السهل عليه ان يجد التسويغ الايديولوجي الدي يؤمن له بقاءه في تصالح مع داته باسم العقلانية تارة , والواقعية تارة اخرى .وهكدا دواليك... الا ان ما يثير التقزز والاشمئزاز هده الايام ...هو ان يحاول البعض استغفالنا...بانه لا زال على طهرانيته الثورية..مشهرا بيده اليسرى في وجوهنا بيانه من اجل الديمقراطية ..فيما هو يقوس على صدورنا بالايادي اليمنى لطالبان وثقافتها التكفيرية الكريهة ... فكل قصة الشخص انه استدعي لاستئجار اسمه للموقع النقيض من كل دعاويه السابقة... واستجاب مهرولا حاسبا اياها يشطارة حانوتي الحي بما يقبض وليس بما يعتنق ...هدا ان لم يكن لتهاويه دوافع اخرى اكثر هولا وقدما ... لانني لا زلت لا اصدق ان يستبدل المرأ كل قناعاته الأصلية ويمحوها بجرة قلم هكدا من دون مقدمات وحتى من دون ان يكون هو نفسه على استعداد ليمتص مع نفسه صدمتها وارتداداتها عليه... فكل وضعه , ادن , ان استاجروا منه اسمه ... والمستاجرون بصدد ان ينجزوا عنه وباسمه " ثورتهم " على هواهم هم ...من دون ان يضايقه ان يكون هؤلاء هم امريكا واسرائيل ومشيخات الخليج التي لم تعرف بلدانها شكلا لحق ولا لقانون , ولا هي احتكمت يوما في سلطتها الى دستور ما , ولا هي اتاحت لشعوبها ابسط صيغة للمشاركة السياسية ...احرى ان يقيس عليها ما لا زال يسميه الى صباح هدا اليوم بالدولة المدنية ... فهل يجرؤ صاحبنا المتوج من باريس, بتزكية من العقول المخابراتية الدولية ، وليس ابدا من الشعب السوري ان يسمي هده المشايخ بما تستحق ان توصف به .وهو انها الاكثر فواتا تاريخيا والنمودج الاكثر تخلفا ورجعية, والاكثر بعدا عن قيم العصر وثقافة حقوق الانسان والاكثر معاداة للحقوق الانسانية للنساء فيما هن نصف المجتمع. ..الخ حولت بلادها الى مجرد ريع مقسم بين افراد الاسرة الحاكمة فيما صاحبنا استأجر نفسه برهانا لها لتجييرها على انها الوصية على مصير شعبه كما على الحقوق الديمقراطية المفترى عليها . والا فثمة حركة ديمقراطية سلمية اصيلة على الجوار من السعودية بالبحرين تمثل عارا على جبين المجتمع الدولي ونفاقه. وهي في مقدمة مطالبها ان يتم الاعتراف , عن طريق اصلاح دستوري, للثلثين من السكان الاصليين ( وليس المستقدمين من اجل تغيير البنية الديمغرافية للبلد) بالحق في المواطنة المتساوية . فيما نفس السعودية تغامر بالوقوف الى جانب الاسرة الحاكمة بالبحرين ضد شعبها المسالم بالتغطية السياسية كما بواسطة الآليات المدرعة, ونفس الشيء يمكن قوله بازاء الحركة السلمية لاهل القطيف والدين ما من مطلب آخر لهم غير المواطنة المتساوية على غرار كافة شعوب الارض وكل المواثيق الدولية. فيما تواجههم دولتهم بالتخوين وحق القوة .عوض ان تحتكم معهم, كاقلية , الى قوة الحق ... نفس السعودية رافقت ثورات الربيع العربي عموما من موقع الاصرار الى النهاية على تامين الدعم والحماية لطغمة الفساد والتسلط الديكتاتوري , بداية من ثورة تونس حيث لا زالت تأوي الى الان رئيسها الخلوع وأسرته حجة على تآمرها على تلك الثورة بدل ان تعيده الى بلده من اجل المحاكمة العادلة . ثم مرورا بمصر حيث تدخلت بكل ما تملك لحماية رئيسها قبل سقوطه المدوي ووضعت على الطاولة المبالغ الطائلة لانقاده , حتى ادا ما سقط سحبت تلك المبالغ واخدت تقايض بها النظام الجديد مستغلة صعوباته وتسعى الى استدراجه بها لاخضاعه للارادة الامريكية . ونفس السلوك ظلت تنتهجه , ولا زالت ,مع الثورة اليمنية حماية للرئيس المستقيل علي عبد الله صالح .وهي لم تقبل بازاحته الا حين ضمنت له الخروج الآمن, وحمايته هو واسرته من اية ملاحقة, واستمرار نظامه عبر نائبه وكل طاقمه... على النقيض من السلوك المعلن للسعودية امام كل هده الثورات . ها هي تنقلب على منطقها فيما يتعلق بسوريا . حتى انها اصبحت مستعدة لتشتري للشعب السوري ثورة على مقاس اهدافها وسياستها الشرق اوسطية المهادنة حتى لا اقول المتواطئة : تشتري , (تضامنا بينها وبين قطر) , وبباهض الأثمان و الصفقات , (وبكل الصفاقة ايضا ) الدول المؤثرة في القرار على المستوى الاممي , وتساوم من تبقى بمبالغ " استرونوميك " وبكل الاغراءات واساليب الابتزاز التي يمكن تصورها بما في دلك التلاعب بسلاح النفط . لانها حين تفاجأت بالحائط الصلب للنظام السوري وشعبيته التي لم تستطع النيل منها بواسطة اعلامها المخدوم ...وعبر شهود الزور وصناعة التحريض والفبركة, ادركت بان كل النجاح الدي حققته من الخارج عبر السيطرة على قرارات الجامعة العربية ثم عبر الدعم الغربي بزعامة الولاياتالمتحدةالامريكية لا يكفي قوة لفرض الانسحاب على الزعيم السوري . مما يعني انها لم يتبق بايديها سوى ان تشتري لمجلس اسطمبول حربا .وكانت تعول على حمص وباب عمرو قاعدة انطلاق تتكرر انطلاقا منها تجربة بنغازي الليبية . لولا ان هدا الهدف ارتطم هو ايضا بقوة الجيش السوري وقدرته على الحسم من جهة. وبتعذر ايجاد قاعدة خلفية انطلاقا من لبنان تحديدا , او حتى من تركيا او الاردن المترددتين من جهة ثانية . سيما والجميع لا يزال يتدكر تبعات الحرب بالوكالة على منوال الحرب الايرانية العراقية ايام صدام من جهة اخرى . وهكدا انكشفت السعودية بكل مهزلة ترسانتها المكدسة اعجز من ان تقوم او تشارك مباشرة باي حرب . وهي لا تملك سوى ان تشتريها من الاخرين متى هي توقفت عليها . خاصة وانها تدرك بان المجلس الاسطمبولي لا يتجاوز كونه يمثل واجهة من شخصيات لا صلة لها بما يجري على الارض وبان اغراءات الرشاوي المتقاطرة من مشايخ الخليج اصبحت هي ايضا من حوافز الصراع والخلافات التي لا تنتهي بين اعضاء المجلس وتوهمهم بان جدار الحكم اصبح متصدعا تماما وانه تكفيه دفعة منهم ليتهاوى . فيما وجدتها القوى الاصولية والجماعات التكفيرية فرصة لتقطع شريط الاحداث عن المتدخلين الاخرين وتفرض نفسها بوصفها القوة الفعلية المتواجدة على الارض ...بما فيها القاعدة بعدما جعلت من سوريا اولوية وهي تعتقد بدورها بانها اصبحت جاهزة للقطف. علما بان تقدم التيارات التكفيرية الى واجهة الحرب الدائرة بالداخل السوري لم يات في غفلة عن السعودية وقطر فهما لم تكونا فقط مراقبتين لوفود المسلحين المستقدمين والمتسللين عبر الجوار السوري وخصوصا عبر الحدود اللبنانية , وانما كانتا الممولتين له والمؤديتين لفاتورة تسليحه . وبدلك تعري تماما عجز المشيختين .فهما حيثما لم تستطيعا التجنيد لحرب مؤدى عنها بواسطة التحالف الدولي اصبحتا مجبرتين بقبول اية حرب ولو كانت بواسطة فلول المرتزقة والتكفيريين المستقدمين من كل حدب وصوب ومن مناطق النزاعات المسلحة السابقة والانية وخاصة من القاعدة المرتبطين بالثورة الليبية .. الامر الدي فتح الباب لتدنيس هده الانتفاضة بممارسة القتل بسبب الخلاف او على اساس الهوية الايديولوجية او الطائفة والمدهبية ... وامام كل دلك كان يكفي مجلس اسطمبول كما الرئيس برهان غليون ان يتولى عنهم الواجهة الخارجية ما لم يكن بامكان هؤلاء ان يتنقلوا ويتولونها بانفسهم مباشرة. وامام صمود الدولة السورية وتماسك جيشها في وجه الارادة المعلنة لشقه وتفكيكه. ومع صلابة الولاء بين التمثيليات الخارجية للوطن والدولة بالرغم من اساليب المضايقة والابتزاز والاعتداءات ضدا على الاعراف الديبلوماسية . وبعدما نجح النظام باجتثاث البؤر المسلحة بوسط البلاد , وخاصة بمحيط دمشق .ومنها الى تفكيك نقطة ارتكاز المسلحين وقيادتهم العملياتية بحمص وباب عمر واغلاق العديد من انفاق التسلح والتموين , علاوة على استسلام المسلحين بالجملة وتشتت من بقي منهم على الحدود مع لبنان ...الخ لا احد اصبح بامكانه ادعاء انه يرى آخر النفق على نحو واضح . الامر الدي استدعى خفض سقف الانتظارات والتوجس من النتائج المرتقبة لحرب لا يمكنها الا ان تكون طويلة . حرب لم يعد بالامكان تجييرها بالثورة .وانما اصبح يتعين اعلانها حربا على سوريا بواسطة تحالف يجمع امريكا وحلفاءها الغربيين بما في دلك اسرائيل نفسها لو هي ارادت من جهة وبتمويل من السعودية وقطر وتورط باقي الدول العربية من جهة اخرى . وفيما نحن كنا نعتقد ان هدا السيناريو اصبح جاهزا , ادا بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، تفاجؤنا باعترافها كما لم يجرؤ احد من قبل ..قائلة بانه "عندما يعلن أيمن الظواهري عن تأييده للمعارضة السورية، فلا بد لنا أن نتساءل عن حقيقة الجهة التي ندعمها ونسلحها". وانه من غير المعقول الحديث عن الاسلحة الخفيفة في وجه الدبابات وراجمات الصواريخ ... علما بان تصريح السيدة كيلنتون يفيد ما يلي : - ان الانتفاضة السورية ليست بالمسالمة ولا بتلك النعومة التي تصور بها وانما هي حركة عنفية ومسلحة ... - ان تسليحها ليس وليد اليوم وانما هي أعدت في هدا الاتجاه مند أمد طويل حتى انها وصفت مند الاشهر الاولى من طرف السيدة كيلنتون نفسها بانها: " مسلحة وممولة على نحو جيد " - انها تمكنت من الاستقرار بقوة سلاحها على الارض بالعديد من المناطق الحدودية بالمحاداة مع تركيا والاردن ولبنان ..ونصبت مراكز لقيادة العمليات بالداخل السوري بحمص وبابا عمرو التي كانت مهيأة تماما لتكرار النمودج الليبي .. - ان الدي عطل انطلاقة العمل لاسقاط النظام هو استمرار الشعب السوري برمته ملتفا حول النظام القائم ..وعجز التحريض الاعلامي عن استمالة دمشق وحلب نحو ارادة السعودية وقطر او التاثير على السلك الديبلوماسي على غرار الحالة الليبية علما بانه ولا سفارة واحد او حتى مجرد موظف في سفارة تم تجنيده بالرغم من كل الاغراءات ..فيما ظلت الحرب الاعلامية على جر البلاد الى الاصطفاف الطائفي مستعرة وهي الرهان الاول للسعودية باصوليتها الوهابية حتى تستطيع التسلل جديا الى الداخل السوري ... ان سوريا بقدرما استطاعت الصمود على الارض . وتمكنت من انتزاع المبادرة على مستوى الاصلاحات السياسية بان تجاوزت سقف الانتظارات الاولية , بما في دلك انتظارات المعارضة نفسها. فهي تعمق انكشاف المخطط المستهدف لها . وتعرية الاغراض الانتقامية لدول الخليج بوصفها الاولى بالثورات الديمقراطية قبل أي بلد آخر . وهي لا يمكنها ان تتذرع غدا برفض التدخل الاجنبي فيما هي في حالة العدوان المعلن على بلد آخر . _ والاهم في هده المرحلة هو منطق الموقفين : الروسي والصيني حين اعتبرتا سوريا امتدادا لمصالحهما الاستراتيجية في منطقة تحتاج الى التوازن الكفيل بحفظ مصالح الجميع .وهما لم تفعلا سوى ان ردتا بالجواب الامريكي المعهود حين يشرع لنفسه التدخل في كل ارجاء العالم باسم المصالح الحيوية .مع فارق جوهري بين الموقفين الا وهو المتمثل في احترام الشرعية الدولية ورفض التدخل الاجنبي في مصير الدول والشعوب كما تفعل امريكا عادة . سيما وان مواقف البلدين هي من الصرامة بما يمنع اللجوء الى الخيار اليوغوزلافي والتدخل عبر الناتو . ما لم تكن هده الدول هي نفسها مترددة امام مثل هدا الخيار .. عود على بدء : مجلس اسطمبول كما رئيسه وفئة اليساريين الممثلين به على علم , ومند البداية باساس الاصطفاف والتموقع من هده الحرب. فهم اختاروا من البداية ان يضعوا ايديهم بيد البلدان الخليجية في استهدافها لبلدهم وبيد امريكا مستجدين منها حربا يكون شعبهم وقودها .ولمصلحة اسرائيل التي لم يتوقفوا عن اغرائها بشتى الوعود والالتزامات عدا اللقاءات الخيانية معها بواسطة اعضاء بالمجلس .اولا بوعدها بقطع علاقات البلد مع حليفتها ايران .ثم باعلان ان معركتهم القادمة هي على الارض اللبنانية مع حزب الله لتجريده من سلاحه .ثم بالالتزام لها وهي تحتل الاراضي السورية بان سبيل الحل معها لن يكون الا بطريق الحوار. وكان سوريا لم تجرب هدا الطريق معها ..علما بان هده الالتزامات صدرت جميعا بلسان برهان غليون نفسه .