عفو ملكي يشمل ثلاثة شيوخ ممن يحسبون على تيار 'السلفية الجهادية‘ في المغرب. حسنة توضع في ميزان حكومة بنكيران الإسلامية؟ أم 'رسالة‘ ملكية لهؤلاء الشيوخ لترويض أتباعهم تمهيدا لإعادة إدماجهم في الحياة السياسية العامة؟ "الشيوخ إذا فهموا الرسالة الموكلة إليهم فسوف يكونون هم أحسن وأقوى المدافعين عن بقية رفاقهم"، يقول المحامي عبد الله العماري. سياسة فوقية مباشرة بعد توليه منصب وزير العدل والحريات، وضع مصطفى الرميد ملف المعتقلين، ومنهم معتقلي ما يطلق عليه في المغرب السلفية الجهادية، بين يدي الملك. "الحل لا يمكن أن يكون إلا من خلال العفو الملكي"، يقول الرميد. وجاء العفو الملكي بمناسبة عيد المولد النبوي ليعزز قناعة لدى من يرى أن ملف السلفية الجهادية أكبر من وزارة العدل وأعلى حتى من الحكومة أيا كان من يرأسها. "قضية السلفية الجهادية وقضية الأمن العام هي أكبر من مجرد حكومة أو من مجرد وزير. إنها سياسة عامة فوقية ممسوكة من طرف جهات عليا وللحكومة فيها دور بسيط"، يوضح المحامي عبد الله العماري في تصريح لإذاعة هولندا العالمية، وهو أحد أوائل المحامين الذين دافعوا عن المتهمين في ملف السلفية الجهادية وتعرض بسبب ذلك للاعتقال. ويوافقه الرأي عبد الرحيم مهتاد رئيس جمعية "النصير" للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين مؤكدا على أن هذا الملف يدخل في مجال القضايا "السيادية": "هذه الأمور أمور سيادية، أمور فوق طاقة الإدارات والمؤسسات و الوزارات. هذا ملف أمني بامتياز". خطوة رئيسية المفرج عنهم هم الشيوخ عمر الحدوشي الذي حوكم بثلاثين سنة سجنا وحسن الكتاني ومحمد عبد الوهاب الملقب ب "أبو حفص" اللذين صدر في حقهما حكم بالسجن عشرين سنة لكل واحد منهما. يعد هؤلاء من "المنظرين" داخل التيار السلفي الجهادي مثلهم مثل الشيخ الفيزازي الذي غادر السجن من قبل بعفو ملكي كذلك. اعتقل هؤلاء الشيوخ في العام 2002 أي قبل سن 'قانون الإرهاب‘ بحسب ما يذكر المحامي عبد الله العماري الذي يرى أن الإفراج عن هؤلاء "خطوة رئيسية" في طريق تسوية ملف السلفية الجهادية في المغرب: "هي خطوة رئيسية وهامة في اتجاه المصالحة وتصفية هذا الملف. الآن بدأت تبدو البوادر الأولى لتصفية هذا الملف وهي المرحلة الثانية بعدما تم الإفراج عن الشيخ الفيزازي (...) وحينما يتم الإفراج عن القيادات الروحية والقيادات المنظرة فيكون السؤال: ما المبرر في الإبقاء على بقية المعتقلين الذين كانوا مجرد مستمعين ومتابعين لدروس هؤلاء الشيوخ؟" يتوقع المحامي العماري المتابع لهذا الملف عن كثب، أن يتم الإفراج في مناسبات قادمة عن وجبات أخرى من المعتقلين السلفيين إذا ما أحسن شيوخهم التقاط إشارات العفو الملكي وعملوا على تهيئة "الأجواء الفكرية والسياسية لتصفية هذه القضية حتى لا تبقى هناك خصومة قائمة بين قضية السلفية الجهادية والدولة". تيار معتدل يصف الحقوقي الإسلامي عبد الرحيم مهتاد التيار السلفي في المغرب بالتيار "المعتدل"، ويستغرب كيف أن حكومة محسوبة على التيار الإسلامي في المغرب تعتقل إسلاميين "قابلين" للعطاء. "التيار السلفي في عمومه معتدل. التيار السلفي في عمومه قابل للعمل والعطاء والتنمية في المغرب". ويستدل السيد مهتاد على ما يقول ب"سيرة" الشيخ الفيزازي الذي لم ينفك بعد الإفراج عنه في التعبير عن آيات الولاء للدولة حتى عُد من قبل البعض "بوقا" للنظام. غير أن السيد مهتاد يرى هذا المنحى من التحليل "قاصرا": "هذا تحليل قاصر لأن هذا الرجل لما خرج من السجن كان يدرك أنه ترك وراءه مجموعة من المعتقلين (الإسلاميين). تصور معي لو أن الشيخ الفيزازي أعلن التكفير وما إلى ذلك، هل كانت الحكومة - أية حكومة وأي إنسان – سيتعاطف مع أبناء هذا التيار؟ (...) أنا أعتقد أن المسار الذي سار عليه الرجل قد يسر وأعطى من الضمانات ما يكفي ليتدخل الجميع ويطالبوا بضرورة أن يتمتع أبناء التيار السلفي بحقهم في الحياة والتواجد". تزامن الإفراج عن الشيوخ الثلاثة مع إعلان السلطات المغربية عن تفكيك خلية "إرهابية" تابعة لما يسمى "حزب التحرير"، وهذا ما اعتبره مراقبون رسالة واضحة للسلفيين وغيرهم ممن يتحرك على الساحة الشعبية في الوقت الراهن. "يبدو أن الأمر فيه إشارات ورسائل موجهة لكل التوجهات الفكرية على أن للحرية الفكرية حدودا وعلى أن المطالبات التي يمكن لأي اتجاه أن يعرضها على العموم ينبغي أن تكون وفق سقف معين"، يوضح المحامي عبد الله العماري. --- ينشر باتفاق تعاون وشراكة مع إذاعة هولندا العالمية