أجرى السيد أحمد شوقي بنيوب المندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان، حوارا مطولا، صعودا ونزولا، تعقيبا وردا كما سماها بنفسه، مع المجموعة الإعلامية للأحداث المغربية. وقد تناول في “الحوار” مواضيع متفرقة ومشتتة، حتى يكاد البعض يصاب بدوار حول بعض المواقع الذي اختلط فيها الحقوقي بالسياسي وأحيانا حضور الشخص الإداري وتارة كثيرة انتصرت المقاربة القانونية الضيقة علىالمواقف المبنية على المقاربة الحقوقية الواسعة.
من الإشكاليات المطروحة في الحقل المغربي مؤخرا، وهي الاختباء وراء الجوانب المسطرية والشكليات القانونية على حساب الجوهر الحقوقي، فيكفي أن يعلن أن قانونا ما يمنع “واقعة” معينة ولتغيب البعد الحقوقي عنه، وهذه المقاربة مقبولة من رجال القانون والقضاء ولكنها غير مقبولة من رجال ونساء حقوق الانسان. بل إن الحوار علق دستور 2011، والقوانين المرتبط به، وبحث صاحبه على مصوغات من خارج النص الدستوري والقانون، وأعاد إحياء مضمون الدستور العرفي أو الدستور الضمني أو الدستور الخلافي أو التقليدانية الدستورية … وهي التوصيفات التي كان يطلقها مجموعة من الفقهاء الدستوريين المغاربة على دساتير المملكة السابقة (1962، 1970، 1972، 1992، 1996). في هذه المقالة سنتطرق للقانون الدستوري في الجوانب المتعلقة بتعيين السيد شوقي بنيوب، وعلاقته بالسيد مصطفى الرميد وزير الدولة المكلفة بحقوق الانسان، أما الموضوعات الأخرى من قبيل اعتقال الصحفيين ونشطاء الحسيمة، وجماعة العدل والإحسان وغيرها من المواضيع فسيكون منطلقها القانون الدولي لحقوق الانسان بشكل خالص. أولا: الإشكاليات القانونية والإدارية للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان ربط السيد شوقي بنيوب تشكيل المندوبية الوزارية بمحطتين أسياسيتين، الأولى وتتمثل في توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، والثانية بمؤتمر فيينا لسنة 1993، وإذا كان المبرر الثاني مقبول بكون من توصيات المؤتمر الدولي دعوة الحكومات العالمية الى سن سياسيات وخطط وبرنامج مندمجة في مجال حقوق الانسان، واليات للتتبيع والتقييم، ونذكر هنا التوصية الوحيدة في هذا الصدد رقم 71 “ويوصي المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بأن تنظر كل دولة في استصواب صياغة خطة عمل وطنية تبين الخطوات التي ستحسن الدولة بها تعزيز وحماية حقوق الإنسان”، أما باقي التوصيات وخاصة منها: 27، 34، 36، 67، 68، 69، 74، 79، 83، 84، 85، 86 و100 كلها تخص المؤسسات الوطنية وأدوار المجتمع المدني. أما هيئة الانصاف والمصالحة لم تتطرق نهائيا في توصياتها إلى إحداث بنية إدارية جديدة تتكلف بالتنسيق في مجال حقوق الانسان، باستثناء انشاء ألية تنسيق من داخل المجلس الاستشاري لحقوق الانسان (المجلس الوطني لحقوق الانسان حاليا)، من أجل تتبع تنفيذ توصياتها. وتبقى أهم ملاحظة حول البنية القانونية والدستورية للمندوبية فيما صرح به المندوب بكون المندوب بمرتبة وزير، وأن الوضع القانوني للمندوب في نفس مستوى الوزير، وهما بنيتين متجاورتين. والنقطة الثانية كون نقل الاختصاصات المالية والادارية من وزارة الدولة لحقوق الانسان إلى المندوب الوزاري، اختصاص اداري عادي، وان الكاتب العام والمديريات تحت سلطة المندوب الوزاري. وأن الحل لتدبير العلاقة بين الجهازين، يكون بالتعايش العقلاني والموضوعي والمسؤول. مرورا بسرعة على النقطتين الأخيرتين، إن نقل الاختصاصات من مسؤول حكومي إلى مسؤول إداري أخر من داخل الجهاز الحكومي يتم بمقتضى مرسوم حكومي وليس بمقتضى قرار إداري، وهذا نظمه مرسوم رقم المرسوم رقم 2.17.190 المتعلق باختصاصات وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان، هياكل المندوبية الوزارية لحقوق الانسان، فهي جميعها تحت سلطة وزير الدولة لحقوق الانسان بمقتضى المادة الثانية من نفس المرسوم، التي ألغت المادة الأولى من المرسوم السابق رقم 2.11.150، المتعلق بإحداث المندوبية، وهذا الوضع لن يتغير وسيبقى على حاله إلى أن يصدر مرسوم جديد يلغي المرسوم الحالي، وبالتالي فإن المندوبية الوزارية ككل تبقى تحت سلطة وزير الدولة لمكلف بحقوق الانسان، أي أن المندوب الوزاري يجب أن يخضع لمنطوق نص قانوني ولا مجال لا للعقلانية ولا المسؤولية ولا الموضوعية في هاته الحالة. أما القول بكون المندوب الوزاري بمرتبة وزير، فما شهد الدستور بذلك !!! فالوثيقة الدستورية واضحة لا مجال للتأويل في ذلك، إذ لا يمكن للمندوب لا أن يحضر مجالس الحكومة ولا الإجابة على أسئلة البرلمان. ومع ذلك، فإن ما يثار من الناحية الدستورية، هو ظهير تعيين السيد شوقي بنيوب، وهو الظهير رقم 1.18.102 الذي لا يحمل أي إحالة مرجعية قانونية أو دستورية، فإن كان تعيين السيدة أمنية بوعياش رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الانسان يجد جوابه في القانون رقم 76.15 تطبيقالأحكام الفصل 161 من الدستور، وتعيين السيد أحمد رضى الشامي رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يجد جوابه في القانون التنظيمي رقم 12.128 تطبيقا لأحكام الفصل 152 من الدستور، فالسؤال يطرح، ما هو السند القانوني أو الدستوري لتعيين المندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان؟ بالعودة إلى دستور 2011، فإن اختصاصات الملك أصبحت محصورة صراحة بما يخوله له الدستور نفسه بمقتضى الفصل 42 منه “يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور.” والدستور أعطى للملك التعيين في ثلاث حالات: الأولى: المنصوص عليها صراحة بمقتضى الدستور، تعيين رئيس الحكومة والوزراء بناء على الفصل 47، التعيين في الوظائف العسكرية (الفصل 51)، تعيين السفراء (الفصل 55) ويوافق على تعيين القضاة بظهير (الفصل 57)… الثانية: التعيين في المؤسسات الدستورية التي نصت قانونها على ذلك. وأخيرا: التعيين في المناصب السامية، وفق القانون التنظيمي رقم 02.12 ، المعدل والمتمم بالقوانين: القانون التنظيمي رقم 12.14، القانون التنظيمي رقم 23.16، القانون التنظيمي رقم 21.17. فمن خلال الصلاحيات المخولة صراحة للملك بمقتضى الدستور، يطرح سؤال حول السند الدستوري والقانوني لتعيين السيد أحمد شوقي بنيوب بمقتضى ظهير رقم 1.18.102؟ فالمندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان، لا ينتمي للجهاز الحكومي كوحدة مستقلة، بل هو بنية إدارية تابعة لرئاسة الدولة المكلفة لحقوق الانسان، وتحت سلطة رئاسة الحكومة، وبالتالي عدم تفعيل الفصل 47 من الدستور عليه. كما أنه لا يمثل مؤسسة دستورية أو وطنية، ولا يوجد قانون ينظم عملها بشكل مستقل، وإنما تشتغل المندوبية بمقتضى مرسوم رقم ، 2.11.150 المعدل بمرسوم رقم 2.17.190، الذي نص على اختصاصات الكاتب العام ولم يذكر بالمطلق صفة المندوب الوزاري. وأخيرا، فإن المندوبية غير خاضعة لمقتضيات القانون التنظيمي للتعيين في المناصب السامية بالتعيين بعد التداول في المجلس الوزاري باقتراح من رئيس الحكومة وباقتراح من الوزير المعني، كما أنه غير مدرج في الملحق الأول من لائحة المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية والعمومية المنصوص عليها في القوانين ذات الصلة. فقول السيد بنيوب أن له مرتبة وزير، ومفاهيم مثل الزمالة والتعايش… هو قول غير ذي موضوع في دستور سنة 2011. ثانيا: حل جمعية جذور اعتبر السيد المندوب في حواره أن سند حل جمعية جذور هو سند موضوعي قائم على: تسمية الجمعية للنقاش الدائر بملحمة العدميين، نقل جلستهم من مجال الخاص الى المجال العام، وهو يحيل بشكل مباشر على شربهم للخمر علانية أمام مجتمع محافظ، وزاد أن من حسن حظ أعضاء الجمعية أن النيابة العامة حركت دعوى المدنية، ولم تحرك الدعوى العمومية، في إشارة إلى حق الدولة في اعتقالهم وسجنهم، بل وعاتب على الدولة عدم متابعتهم بمقتضى المس بالآداب والأخلاق العامة بناء على القانون الدولي لحقوق الانسان، وأن المتابعة جرت بناء على مضمون ما جرى وما نوقش في حفلة ملحمة العدميين وذلك بناء على قرار المحكمة. يؤسفني أن السيد المندوب، والذي في كل مرة يدعوا الناس للقراءة، أنه لم يقرأ قرار حل الجمعية، لأنه استند على كون الجمعية مارست أهداف لم تكن ضمن الأهداف المسطرة في القانون الأساسي، أي أنها نظمت نشاطا سياسيا وليس ثقافيا، ولم تتطرق حيثيات القرار لا إلى مضمون النقاش ولا إلى المس بثوابت الدولة. وهنا تكمن خطورة الاجتهاد القضائي المغربي في تكريس المزيد من التضييق على الحق في تأسيس الجمعيات والتنظيم، إذ أصبحت السلطة مطلقة بيد القضاء في تكييف أي نشاط أو تقرير أو مذكرة أو بيان … بكونه خارج الأهداف المسطرة في القانون الأساسي، وهذا المقتضى يعتبر ضربا للقانون الدولي لحقوق الانسان وخاصة من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، وفي هذا الصدد نحيل على ملاحظة المقرر الخاص المعني بالحق التجمع السلمي وتأسيس الجمعيات، في تقريره الموجه للأمين العام للأمم المتحدة، بتاريخ 26 يوليوز 2018، إذ أكد أن الاتجاهات الجديدة في مجال التضيق على عمل الجمعيات، يكمن في “القوانين التقييدية والاتجاهات التشريعية الرئيسية التي في تضييق البيئة المواتية للمجتمع المدني، وتنظيم الحيز المدني، تستخدم التشريعات القمعية في تضييق الخناق على المعارضة، بإرساء بيئة قانونية معقدة تفرض شروطا مرهقة على عمل المنظمات غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، وتهدد هذه القوانين في كثير من الأحيان الى فقدان الجمعيات الصفة القانونية، بل وملاحقتها جنائيا” (الفقرة 28)، وتجذر الإشارة أن نفس المقرر عبر في تقريره السنوي لسنة 2017 بالقول “الحق في تأسيس الجمعيات هي أحد العناصر الأساسية للديمقراطية، إذ تمكن الرجال والنساء من التعبير عن آرائهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمشاركة بالأعمال الفنية والأدبية وغيرها” (الفقرة 20) وذلك إعمالا لقرار مجلس حقوق الانسان رقم 15.21. أما لجوء السيد بنيوب الى إعطاء تفسير واسع لمفهوم “الآداب العامة” الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وخاصة المادة 22 منه، فإنه قرأ المادة بمعزل عن تفسيرها الذي حدد معنى “الآداب العامة” وفق عالمية حقوق الانسان، إذ أشارت لجنة حقوق الانسان المعنية بتتبع تنفيذ العهد وإعطاء تفسيرات لمواده، في تعليقها العام رقم 34، لسنة 2011، الفقرة 32 أنه “”مفهوم الأخلاق مستمد من تقاليد اجتماعية وفلسفية ودينية عديدة؛ وعليه، يجب أن تستند القيود المفروضة … بغرض حماية الأخلاق إلى مبادئ غير مستمدة حصراً من تقليد واحد.ويجب أن تفهم هذه القيود في ضوء عالمية حقوق الإنسان ومبدأ عدم التمييز.”. وهو نفس التفسير الذي سبق وأن وضعته اللجنة في التعليق العام رقم 22 لسنة 1993 (الفقرة 8). إن المفهوم الواسع الذي أعطاه السيد المندوب “للآداب العامة” في علاقتها ببنية المجتمع المحافظ والتقاليد، تسمح اليوم لأي فاعل أو مواطن المطالبة بإغلاق القنوات العمومية أو حجب فيلم سينمائي أو مسرحية أو رسم تشكيلي … لأنه احتوى مشهد أو صورة مخلة بالآداب العامة كشرب الخمر أو امرأة مرتدية لباسا شفافا أو قبلة عابرة، لكونها “تجازوا المستور، واخترق المقدس والمحرم” … ثالثا: معتقلي تظاهرات الحسيمة اعتبر السيد المندوب أن المتابعات في حق نشطاء الحسيمة بدأت بعد اشعال النار في احدى العمارات التي تضم رجال القوات الأمن واقتحام الناشط ناصر الزفزافي للمسجد، ولا حق لهفي التعليق على الحكم والقضية لازالت رائجة أمام القضاء. بسرعة، إن بداية تدخل الدولة بعد ان فشلت في تقديم أجوبة اجتماعية واقتصادية لساكنة الحسيمة، انطلق رسميا بعد بلاغ أحزاب الأغلبية في 14 ماي 2017، وهو البلاغ الذي وصف المتظاهرين بالعمالة للخارج وخدمة أجندة خارجية وتلقي أموال من جهات معادية للمغرب وأن الغاية من التظاهر هي الانفصال عن المغرب، ومضمون هذا البلاغ هي صكوك الاتهامات الحالية التي يتابع بها نشطاء الحسيمة ب 20 سنة و15 سنة 10 سنوات، ولم يتابعوا نهائيا باقتحام المسجد، لان البلاغ كان سابقا على عملية اقتحام المسجد وسابقا على المسيرة الكبرى التي نظمت بالمدينة لتأكيد وطنية الشباب وتمسكهم بالوحدة الترابية، كما أنه نددوا بعملية الحرق التي طالت العمارة المعلومة. من جهة أخرى، التعليق على الاحكام سواء كانت في المرحلة الابتدائية او الاستئنافية ممارسة محمودة وجاري بها العمل، لأنها تتعلق بحرية افراد مسجونين وبحياة البعض منهم، فما قيمة التقارير الصادرة بعد النطق بالحكم. ومع ذلك، نشير للممارسات الدولية الفضلى، فهناك المؤسسات الحكومية الدولية سبق لها في مرات عديدة أن طالبت المغرب بإطلاق سراح معتقلي إما تعرضوا للتعذيب أو الاعتقال التعسفي او محاكمة غير عادلة، ونذكر منها السيد خوان مانديز المقرر المعني بمناهضة التعذيب، اللجنة الأممية للتعذيب، الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي … أما على المستوى الوطني، فنذكر السيد المندوب بما سمي بالكتاب الأبيض، الذي صدر في قضية “اكديم إزيك” وهو كتاب يشخص المحاكمة ويعلق عليها، بل إن المجلس الوطني لحقوق الانسان، أصدر تقريرا أوليا في اليوم 13 من الحاكمة، قبل أن تنطق المحكمة بالأحكام، كما أن المجلس أيضا أصدر تقريرا حول مقتل كمال العماري وكانت الدعوى مفتوحة امام القضاء، حيث اعتبرت النيابة العامة وقتها أن وفاته نتيجة ضعف التنفس، في حين أكد المجلس ان الوفاة كانت نتيجة العنف واستعمال القوة المفرطة. فهل هذه السوابق حلال على البعض وحرام على البعض الاخر؟؟ ومع ذلك بالعودة للمعايير الدولية في المحاكمات المتعلقة بالتظاهرات وحرية التعبير، فإنها تتقيد بجوهر المحاكمة، وليس بشكلياتها المتعلقة بالدفوعاتالمسطرية وتقرير النيابة العامة المكون من 3 الاف صفحة ، ولا بحضور المحامي ولا غيره، ما دام جوهر المتابعة مرتبط بممارسة حق مشروع وهو التظاهر السلمي، وأن المطالب المشروعة وهي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أجمع عليهما كل الفرقاء السياسيين والاجتماعيين والمدنيين، بما فيهم أحزاب الأغلبية التي تراجعت عن تصريحاتها، فإن كل ما يأتي بعد ذلك من شكليات قانونية ومسطرة غير ذي معنى في ميزان حقوق الانسان. إن الحالة هاته، واستعارة من أمل دنقل، كمن يحاول أن يقنع “المعتقل” بأننا فقعنا عينينه، ولكن بعملية جراحية متطورة وبأطباء مشهود لهم بالخبرة والكفاءة، وبمعدات حديثة. إن متابعة نشطاء الحسيمة، وصدور أحكام جماعية في حقهم وصلت إلى 20 سنة سجنا، وانعدم مبدأ التناسب بين الحكم والمتابعة وفق مبادئ المحاكمة العادلة، استكمل دورته كانتهاك جسيم لحقوق الانسان، وممارسة تمييز ضد ساكنة يجمعها عرق معين، وتتقاسم الام الماضي الجسيم من انتهاكات لحقوق الانسان وفق توصيات هيئة الانصاف والمصالحة. هذه المعايير نص عليها مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الانسان لمنظمة الامن والتعاون الاوروبي وكذلك اللجنة الاوربية لنشر الديمقراطية من خلال القانون (لجنة البندقية)، في مبادئها التوجيهية الصادرة بستراسبورغ سنة 2010، وهي: الشرعية، التناسب، عدم التمييز، مسؤوليات السلطة التنظيمية. (ص 13). رابعا: العدل والإحسان دعا السيد المندوب جماعة العدل والإحسان “باتقان الله وباحترام السلم المدني”، وعدم صب الملح في الام الأمهات. إن حق التظاهر وفق معايير حقوق الانسان غير مبني على أساس الانتماء السياسي او الديني أو المذهبي، بل هو حق لكل فرد، فالفقرة الأولى للتعليق العام رقم 10 للجنة حقوق الانسان الصادر سنة 1983 يؤكد ” حماية حق المرء في اعتناق آراء دون مضايقة. وهذا حق لا يسمح العهد بأي استثناء له أو قيد عليه”، ويضيف التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 ” تقتضي الفقرة 1 من المادة 19 حماية حق الفرد في اعتناق آراء دون مضايقة. وهذا حق لا يجيز العهد إخضاعه لاستثناء أو تقييد. وتمتد حرية الرأي لتشمل حق الفرد في تغيير رأيه في أي وقت ولأي سبب يختاره بملء حريته. ولا يجوز النيل من أي حق من حقوق الفرد المنصوص عليها في العهد على أساس آرائه الفعلية أو المتصورة أو المفترضة. وتخضع جميع أشكال التعبير عن الرأي للحماية، بما في ذلك الآراء التي لها طابع سياسي أو علمي أو تاريخي أو أخلاقي أو ديني.” (الفقرة 9). أما القول بكون الجماعة لها تنظيم محكم وقدرة كبيرة على التعبأة فهو “قول” سياسي ولا علاقة له بحقوق الانسان ، ويبقى للجهات المقابلة حق تنظيم “تظاهرات مضادة” ولكن بأسلوب حضاري راقي وسلمي وليس بمسيرات “ولد زروال” والشباب “الملكي”… خامسا: استقلال القضاء اعتبر السيد المندوب أن التظاهرات في الشارع ضد بعض المحاكمات، يمكن ان يكون لها مفعول عكسي، لأنها قد تؤدي الى ظروف التشديد، وذلك في دفاعه عن استقلال السلطة القضائية بالمغرب. كما يضيف ان الوصفة السحرية لحل ملف الحسيمة تتمثل في مبادرة المجلس الوطني لحقوق الانسان، واليقظة الشعبية، ومناشدات متنوعة الأوساط، ومطالب منظمات اليسار والجمعيات الحقوقية، مما سوف يشكل مناخ للإفراج على الملف. إن هذين التصريحين، يؤكدان ما سبق وأن عبر عنه السيد مصطفى الرميد وزير الدولة لحقوق الانسان، في تدوينته الشهيرة حول القضاء المغربي بكون ك” يبدو أن تكريس حقوق الإنسان والقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة في هذا البلد تحتاج إلى نضال مرير ومكابدة لا حدود لها ضد كل قوى الردة والنكوص التي تجر إلى الخلف ” (بتاريخ 10 دجنبر 2018). فالتصحرين معا يعبران ضمنيا ان القضاء يتأثر بتظاهرات الشارع سواء بإنتاج ظروف التشديد او ظروف التخفيف، وأن بعض الحلول والانفراج تكون بمبادرات خارج اسواء المحاكم. سادسا: توفيق بوعشرين استند السيد المندوب على الحكم الصادر ضد السيد توفيق بوعشرين، بتهمة الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي، باعتبارها اعتداءات حقيقية، ووجود نساء ضحايا. بل عاتب على الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي الذي أصدر تقريره يعتبر ان اعتقال السيد توفيق بوعشرين تعسفيا، أنه لم يتبع القواعد الدولية المتعرف عليها بالاستماع للنساء الضحايا ولم يولي لهن. مؤكدا أن ما صدر من حيثيات الحكم على السيد بوعشرين في المرحلة الابتدائية يعتبر حقيقة قضائية، سيترافع أمام هيئات الأممالمتحدة بشأنها، كما اعتبر أن الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي مجرد ألية استشارية وليست بهيئة تعاقدية، وعاتب عليها عن حصولها على أي دليل موضوعي بخصوص النازلة. قبل مناقشة موضوع السيد توفيق بوعشرين، لابد من إبداء بعض الملاحظات. غريب ما صدر عن السيد بنيوب، إذ وصل حد التناقض، حيث يعتبر الحكم الابتدائي في قضية بوعشرين حقيقة قضائية ولابأس من التعليق عليه ومناقشته بل وحتى الذهاب إلى جنيف لمحاورة الفريق المعني بالاعتقال التعسفي، أما الحكمين الابتدائي والاستئنافي معا في قضية متظاهري الحسيمة، لا يمكن التعليق عليهما لانهما أمام القضاء وصدر حكم في شأنهم. يعتبر من عيوب التي تم رصدها في تقرير الفريق العالمي المعني بالاحتجاز التعسفي عدم الاستماع للنساء المشتكيات باعتبارها إحدى أليات التقصي والتحقيق، وهنا وجب التنبيه للخلط الذي سقط فيه السيد المندوب حيث لم يميز بين مهام الفريق العامل المحددة في القرار رقم 7/24 المؤرخ في 26 شتنبر2013، والتي حددها في التحقيق والزيارات، وأيضا في تلقي الشكاوى الفردية، والمسطرة المتبعة من قبل أصحاب المصلحة في علاقة بالسيد بوعشرين شكاية في مواجهة الدولة المغربية وليس النساء المشتكيات، وبالتالي فلا قيمة لشهادتهن أو تصريحهن في مساطر الاليات الدولية، لأنها اليات تتعلق بعلاقة الفرد بدولة. أما القول عدم الاعتماد على دليل موضوعي، فالفريق المعني ينظر في المساطر المتعلقة بالاحتجاز وليس في الموضوع، وإلا أصبح بالفعل الفريق يتدخل في الدعوى المدنية ويحكم وينظر في القضايا الجاري أمام المحاكم ويصدر قرارات بدلا عنها، وهذا ما يسمى بالفعل المس باستقلالية القضاء، فمن يطالب بالاستماع للمشتكيات، أو أن ينظر في الفريق في الأدلة والحجج الموضوعية فهو يدعو في نفس الوقت بحلول الفريق محل القضاء المغربي. والملاحظة الأخير، سجل فيها السيد المندوب أن الفريق العامل مجرد هيئة استشارية، وفي موضوعات أخرى نوه وأشاد بالسيد خوان مانديز المقرر المعني بمناهضة التعذيب والذي زار المغربي باعتباره مرجع أساسي للمنظومة الجنائية المغربية ودوره الاستراتيجي في منظومة الأممالمتحدة لحقوق الانسان وهو من يفتي في مجال حقوق الانسان، وهنا يجب الإشارة أن الوضعية القانونية على المستوى الدولي لكل من الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي وغير الطوعي والمقرر المعني بمناهضة التعذيب، هي نفس القيمة الموضوعية والوضعية القانونية، فكلاهما هيئتان غير تعاهديتان تابعتان لمجلس حقوق الانسان بجنيف، ولهما نفس المساطر الأممية، ويعتبران من الإجراءات الخاصة بناء على قرار 1235 لمجلس حقوق الانسان. وبالعودة لموضوع السيد بوعشرين والمتابع بتهم تتعلق بالإتجار بالبشر والاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب وغيرها من التهم، فمناقشتها ستكون متعلقة فقط بتهمة الاتجار بالبشر من زاوية القانون الدولي لحقوق الانسان. فإشكالية متابعة الصحفي توفيق بوعشرين، طرحت من البداية إشكالية وجود طرف ضعيف في القضية وهن النساء المشتكيات، لهذا كان التريث والمتابعة الدقيقة واجبة حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود كما يقال، التضامن في البداية مع الضحايا المفترضات كان أساسي ولكن في نفس الوقت تمتيع المتهم بشروط المحاكمة العادلة، وعلى رأسها مبدأ قرينة البراءة. بعد صدور قرار الحكم بالإدانة في حقه، ومن خلال استقراء القرار، تبين هناك معطيات وجب التمحيص فيها. أولا أن تهمة الاتجار بالبشر شملت فقط ثلاث نسوة، وهن (أ .ح، خ.ج، س.م)، مما طرح معه إشكالية تحديد مفهوم الاتجار بالبشر كما هو متعارف عليه عالميا. وبالعودة إلى تحديد سياق إعداد واعتماد بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، والمصادق عليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر2000، فإنه مكمل ل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، أي في إطار الجريمة العابرة للحدود والمنظمة، مع العلم أن المقررة الخاصة بالإتجار بالبشر في تقريرها السنوي لسنة 2010، اعتبرت بعض مظاهر الاتجار بالبشر يمكن أن تكون داخل الدولة الواحدة، ولكن بشروط معينة. من بين الشروط المحددة في تحديد معنى الاتجار بالبشر نجد المعايير التالية: أن الضحية عاش أو يعيش نوع من الاستعباد أو الرق، بمعنى أي أن إرادته منعدمة، وعدم قدرته على التنقل والتواصل مع العالم الخارجي لأسباب قانونية أو مادية، يستغلها الشخص المتاجر كضعف منه من أجل القيام بأعمال السخرة أو الاستغلال الجنسي بقوادتهلشخص آخر أو غوايته أو تضليله، علي قصد الدعارة، حتى برضاء هذا الشخص (المادة الأولى من اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1949) أو أن المجرم “يملك أو يدير ماخورا للدعارة، أو يقوم، عن علم، بتمويله أو المشاركة في تمويله” ( المادة 2 من اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير لسنة 1949). وقد أكدت المقررة المعنية بالإتجار بالبشر، في تقريرها الصادر بتاريخ 22 دجنبر 2004، والذي يحمل رقم E/CN.4/2005/71، في الفقرة 9 أن الاتجار يكمن في: “الاتجار بالبشر يمثل حرماناً من جميع حقوق الإنسان عملياً: الحق في حرية الشخص، وسلامته، وأمنه؛ والحق في عدم التعرض للتعذيب، أو غيره من ضر وبالمعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة؛ والحق في حرية التنقل؛ والحق في المسكن، والأسرة؛ والحق في الحصول على أعلى مستوى صحي؛ والحق في التعليم.” وفي حالة المشتكيات الثلاث، فإن وضعهن القانوني سليم في المغرب، ولهم كامل الحقوق المدنية والسياسية، من أجل إيجاد سبل الانتصاف أو الاتصال بالسلطات القضائية مباشرة أو عبر محامي أو التنقل بدون وصاية المجرم المفترض.” ثانيا: أن ضحية الاتجار بالبشر، لا تكن أمامه خيارات أخرى غير الخيارات التي وضعها المجرم، سواء في سوق الشغل أو المجتمع أو الحصول على وضعية إدارية/قانونية ما. بالعودة إلى التصريحات الصحفية للمشتكيات، فقد سبق لاحداهن أن قال في تسجيل فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي “أنا إلى بغيت نخدم عطا الله فين نمشي ونلقا الخدمة”، وهو ما يؤكد أنه كانت للضحايا المفترضات خيارات أخرى، غير خيار الضرورة بالبقاء في نفس المؤسسة الشغلية، وذل من أجل للإفلات من قضبة “المجرم” المفترض، والمتعلقة في حالة الصحفي توفيق بوعشرين، وهو استغلال العلاقة الشغلية كما يزعمن، مع العلم أن إحدى المشتكيات لا تربطها أي علاقة شغلية مع السيد بوعشرين. ثالثا: يكون الاتجار بالبشر هو استغلال الوضع الاجتماعي من فقر وضعف والحاجة الملحة للشغل للضحية، يقوم المجرم باستغلال الوضعية الهشة للضحية من أجل تحقيق بعض الأغراض، جنسية كانت أم معنوية أم مادية. وبالعودة للمشتكيات الثلاثة، فقد سبق لاحداهن (خ.ج)، أن صرحت في فيديو أنها “واليدياقادينبيا، وقادين يصرفو علي، أنا مامحتاجاش”، أما مشتكية ثانية فإن فإنها متزوجة، وزوجها يشتغل في نفس المؤسسة الإعلامية بمدخول قار ومتوسط، مدخول كافي للعيش بكرامة، دون قبول ذل الاتجار والاستغلال الجنسي في هاته الحالة. وبالتالي فادعاء الحاجة والفقر كانت سببا لقبول الشغل وفق الاستغلال الجنسي غير قائمة ولا أساس لها في قضية توفيق بوعشرين. وجب التنبيه إلى أن استعمال تصريحات المشتكيات لا يعني بالضرورة أنها صادقة أو كاذبة بل هي ادعاءات تحتمل الصدق كما تحتمل الكذب، ولكن استعمالها في الوضعية الحالية من أجل تبيان تناقضها وعدم ارتكازها على مقومات ومحددات جريمة الاتجار بالبشر. هذا على مستوى العام، أي ماكرو حقوق الانسان، أما على مستوى الميكرو حقوق الانسان، فإن المقررة المعنية بالإتجار بالبشر فقد دققت تعريف “الاتجار بالبشر” بشكل أساسي في تقريرها الصادر بتاريخ 20 فبراير 2005،الفقرة 35 أن الاتجار بالبشر يقتضي العناصر التالية:يرسّخ هذا التعريف أربعة عناصر في تعريف الاتجار هي: الفعل، والوسيلة، والنتيجة النهائية، ووضع الضحية”. بنفس المنهج، المتعلق “بتبني” تصريحات المشتكيات، فإن الفعل المتحدث عنه في قضية توفيق بوعشرين، هو علاقات جنسية، مع التذكير بإنكار المعني بالأمر، فإن العلاقات الجنسية ليست بالضرورة تعبير عن استغلال جنسي، بل قد تكون علاقات جنسية رضائية أو انتفاعية أو مصلحية، وبالتالي ليست تعبيرا دائما عن جريمة الاتجار بالبشر. أما الوسيلة، والتي وردت كون المتهم كان يبتز المشتكيات بنشر صور، فليس هناك أي دليل جدي بخصوص هذا الاتهام؛ أما النتيجة النهائية، فلم تتقدم أي مشتكية بشهادة طبية تتحدث عن أثار نفسية أو جسدية تتعلق بالأضرار التي لحقت تجربتهن كضحايا الاتجار بالبشر. وبناء عليه فإن تهمة الاتجار بالبشر في حق السيد توفيق بوعشرين، هي تهمة واهية ولا سند لها في القانون الدولي لحقوق الانسان. ختاما: بقي موضوعات عالقة في الحوار موضوع المقالة، حول قضايا أخرى تتعلق بمنظومة الحريات الفردية والمساواة، لها مقام أخر، ولكن ما يستشف من تصريحات السيد بنيوب أنها تتماهى مع الرأي الرسمي المحافظ: – شماعة التشيع في مواجهة حرية المعتقد؛ – القواعد الفقهية الشرعية في مواجهة المساواة بين المرأة والرجل؛ – تأجيل حقوق المثليين للأجيال اللاحقة والاحفاد باعتبارها مجرد ترف حاليا.