لقد شكلت الحركة النسائية المغربية أحد الفاعلين الأكثر حماسة وحضورا خلال العشريتين الأخيرتين بالمغرب حيث حضرت مسألة الأحوال الشخصية كأحد الملفات الأكثر التهابا وتعبأت من أجل إصلاحه الطاقات الديموقراطية في نهاية حكم الحسن الثاني ،وتصدر هذا الملف أجندة حكومة اليوسفي التي فتحت شهية المغاربة لإصلاحات ديموقراطية أكثر اتساعا . لقد ساهمت حكومة اليوسفي بشكل ما في ما يسمى بالانتقال الديموقراطي تاركة بصماتها من خلال بعض الإصلاحات ذات الطابع القانوني والاجتماعي والسياسي ،حيث شهدت الساحة المغربية اتساعا ملحوظا للحريات السياسية والمدنية ومع اعتلاء الملك محمد السادس توالت إصلاحات هامة في صالح المرأة حيث حرص الملك الشاب على أن يبدو حداثيا من خلال ملف المرأة وبعض الإجراءات المؤسساتية الأخرى خصوصا منها ذات الطابع القانوني قبل أن ينتكس مد الإصلاحات في 2003 ويستعيد النظام هيمنة آلياته العتيقة ربما بتأثير مما يسمى بجيوب المقاومة , وبعيدا عن مساءلة فعالية اختيار الانتقال الديموقراطي وما هي إضافاته الجوهرية لصالح المطالب الشعبية بشكل عام لا يمكن نفي بعض الإنجازات لصالح القضية النسائية التي تحسب لعهد الملك محمد 6 ولحكومة اليوسفي إذ لا ينكر المكاسب إلا جاحد أو أعمى , علما أنها ضئيلة مقارنة بحجم الانتظارات والحاجيات ، حيث أن شساعة الحاجيات الاجتماعية مع اتساع رقعة الفقر والأزمة الاقتصادية تخفي بريق هذه المكاسب النوعية في تاريخ الإصلاحات بالمغرب , وقد يكون هذا البريق هو ما جعل جزءا هاما من مكونات الحركة النسائية يساند الدستور الممنوح بحماسة عمياء في عز هيجان الشعوب العربية من أجل تغييرات عميقة وجذرية مناهضة للاستبداد والفساد ومن أجل العدالة والمساواة والكرامة كما صاغ شعاراتها شباب حركة 20 فبراير وشاباته الرائعين بصدقهم و عذريتهم النضالية النبيلة . ,لقد حمل هدير الشارع عبر ربوع البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا مختلف المطالب الشعبية وضمنها مطالب النساء ويمكن القول أن حركة الشارع تنزلق من الحسابات السياسوية بشكلها المؤسسي المخترق برهانات تسلقية ووصولية عبرت عنها الكثير من النخب التي باعت رصيدها النضالي مقابل فتات المناصب والامتيازات تاركة الفئات التي تتكلم باسمها تواجه يتمها ومصيرها أمام جهابذة المكر السياسي وحتى المدني الذي أدخله منطق الريع لمربع الولاء الأعمى وحوله لمجرد ساعي بريد متنازلا عن دور الضغط والاقتراح الذي ميز ه لسنوات , وهاهي حكومة الائتلاف المخزني الأصولي في مطلع 2012 تعطي ضربة قاسية للتمثيلية النسائية حكوميا : امرأة واحدة ضمن التشكيلة الحكومية علما أنها كانت طوال مسارها النضالي ضد حقوق النساء ، ; وعبأت من أجل ذلك في مسيرة البيضاء ضد مسيرة الرباط ذات النكهة التقدمية ,,,,وبعد أن مكنتها النضالات الديموقراطية من الاستفادة من الكوطا كآلية إيجابية لتمكين المرأة من ولوج مؤسسات القرار عارضت بحماسة المصادقة على اتفاقية القضاء على التمييز ضد النساء ، ومن مكر الصدف أن تسند لها وزارة يشكل ملف المرأة أحد مكوناتها الأساسية ومن مكر الصدف أيضا أن بعض الوزراء الذكور هم أقل ذكورية من هذا النوع من الإناث المناهضات لحقوق جنسهن ربما نتيجة لقناعات لم يتمحصنها بعيون نسائية تنفلت من المقاربة الذكورية ولو داخل المنطق الديني نفسه كما فعلت بعض الإسلاميات اللواتي حرصن على استحضار حقوق النساء من خلال اجتهاداتهن المميزة وخلقن بذلك تيارا نسائيا ضمن المنظومة الإسلامية نفسها . والسؤال الذي قد يتبادر للأذهان ،لماذا تنازل الملك الشاب محمد 6 عن مناصرته للنساء وسمح بولادة حكومة ذكورية بامتياز وهو الذي تدخل في هيكلة الحكومة الجديدة خلال مخاض ولادتها العسيرة جدا جدا ؟ وإلى أي حد أثر هذا المخاض العسير على سلامة المولود من الإعاقات المتعددة ؟ لا شك أن الطابع الذكوري المطلق ليس إلا أحد تجليات الإعاقة الأكثر بروزا والبقية ستنكشف مع مرور الزمن , فأمام الامتحان يعز المرء أو يهان , وليس على النساء إلا لملمة أطرافهن والتعبئة من جديد لحماية مكتسباتهن والمطالبة بحقوقهن غير منقوصة فالزمن زمن الشعوب التي تشكل النساء نصفها الذي لا يمكن تغييبه تحت أية مبررات مهما كانت . فحتى في السياقة ،قلما تتقن النساء الرجوع للوراء ،ولا يمكن لمنطق الرؤية الخلفية أن يعيد النساء المغربيات والعربيات عموما لمنطق خارج سياق التاريخ هنا و الآن .