أجمعت وسائل إعلام وخبراء سياسيين جزائريون على أن خطاب قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في خطابه الأخير، حمل ما تبدو أنها نبرة جديدة، في ظل حراك شعبي متصاعد ضد ولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. تلك النبرة تجسدت في حديثه عن “العلاقة الوطيدة” بين الجيش وشعبه، وعدم التطرق إلى “إنجازات بوتفليقة (82 عاما)، وعدم التحذير من المسيرات الشعبية، وإن لم يخل من رسائل تحذيرية أخرى، قبل انتخابات 18 أبريل المقبل.
خلال لقائه قادة وطلبة في الجيش داخل أكاديمية “شرشال” العسكرية غرب العاصمة، قال قايد صالح إن الجيش “سيعرف كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بها في كافة الظروف”. وبعد حديث عن مخاطر تحيط بالجزائر، أضاف أن “إدراك الجيش الوطني الشعبي لكل ذلك، سيجعله في غاية الفطنة والتيقظ وسيكون دوما حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفقا للدستور ولقوانين الجمهورية”. ومتطرقا إلى الانتخابات، قال إن “الجزائر على أعتاب استحقاق وطني هام، والجميع يعلم بأننا قد التزمنا في الجيش الوطني الشعبي، وكافة الأسلاك (الفروع) الأمنية الأخرى كل الالتزام، بأن نوفر له وللجزائر كل الظروف الآمنة”. وأضاف أن ذلك “يكفل تمكين شعبنا من ممارسة حقه وأداء واجبه الانتخابي في كنف الأمن والسكينة والاستقرار، وتلك مسؤولية وطنية جسيمة لا بد أن يتحملها الجميع”. وأردف أنه “يحق لجيشنا أن ينوه بغزارة آيات التواد والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة التي ما انفكت تتقوى عراها بينه وبين شعبه”. وفي 3 مارس الجاري، أعلن بوتفليقة رسميا ترشحه للانتخابات، عبر مدير حملته عبد الغني زعلان، الذي قدم أوراقه للمجلس (المحكمة) الدستوري، متعهدا في رسالة للجزائريين بستة أمور، بينها: إجراء انتخابات مبكرة لن يترشح فيها، وإعداد دستور جديد، والدعوة إلى حوار وطني شامل. ويشهد الجزائر احتجاجات تدعو إلى تراجع بوتفليقة، الذي يحكم منذ عشرين عاما، عن الترشح، فيما طالبت قوى معارضة بتأجيل الانتخابات. وحذر رئيس أركان الجيش، في 26 فبراير الماضي، ما قال إنها “نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة، بل غير مؤمنة العواقب”. رسائل قايد صالح معلقة على كلمة قايد صالح، الأربعاء الماضي، قالت جريدة “المجاهد” (حكومية ناطقة بالفرنسية) إن الجيش سيبقى حامي المصالح العليا للوطن في ظل احترام الدستور والقوانين. وأضاف، الخميس، أن قايد صالح شدد على أن “الجزائر قوية بشعبها، وآمنة بجيشها”. فيما رأى موقع “كل شيء عن الجزائر”، في نسخته الناطقة بالفرنسية، أن قايد صالح بعث برسالة مفادها أن الجيش يريد أن تجرى الانتخابات في موعدها، وسيضمن إجراءها “في جو من الأمن والسكينة”. ولفت إلى أن قايد صالح لم يشر هذه المرة لا من قريب ولا من بعيد إلى بوتفليقة (يعاني من متاعب صحية منذ سنوات)، على عكس خطاباته السابقة، ولكنه ركز على العلاقة الوطيدة بين الشعب والجيش. وأردف أنه لم يتطرق أيضا هذه المرة إلى المسيرات الشعبية، التي كان في كل مرة يتناولها بطريقة غير مباشرة، لكنه حذر من التهديدات الخارجية. أما صحيفة “الشروق” فصدرت بعنوان: “قايد صالح: الرابطة التي تشد الجيش وشعبه قوية”. وأضافت أنه “تعهد بتوفير الظروف اللازمة لتمكين الشعب من أداء واجبه الانتخابي”، وشدد على “آيات التواد والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة التي تتقوى بين الشعب وجيشه”. العلاقة مع بوتفليقة “هل تخلى قايد صالح عن بوتفليقة”.. تحت هذا العنوان العريض، صدرت صحيفة “الخبر”، الخميس. الصحيفة قالت إن قايد صالح تحدث عن أخطار خارجية تستهدف الجزائر، ولكنه على غير العادة تحاشى ذكر فخامة رئيس الجمهورية وإنجازاته. ورأت أن خطابه يحمل ما يبدو تأثرا بالحراك الشعبي الرافض لاستمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم. وتساءلت: “هل وارد أن يتخلى قايد صالح عن بوتفليقة أم أنه من السابق لأوانه استخلاص شيء كهذا من مجرد خطاب؟”. المتربصون بالجزائر وفقا للخبير الأمني، الضابط المتقاعد، العربي شريف، فإن “خطاب قائد أركان الجيش كان واضحة، ويوجه رسالة إلى من أرادوا أن يتربصوا بالجزائر، وخاصة الذين أرادوا أن يخترقوا المسيرات السلمية”. ولفت شريف أن “الخطاب بدأ بالحديث عن السلم، ثم تحدث عن أطراف تتربص بالجزائر ولم يعجبها الاستقرار الذي تعيشه حتى في ظل المسيرات السلمية”. وتابع أن “الحديث موجه إلى أطراف داخلية وأخرى خارجية منزعجة من سلمية الحراك وتحاول الاختراق والعبث بالمسيرات”. وزاد بأنه “خلال المسيرات الماضية (22 فبراير الماضي و1 مارس الجاري) لم ينطق المتظاهرون ولو بكلمة واحدة ضد الجيش ولا قيادته، وهو ما يعكس أن الجيش والشعب متلاحمين دائما”. بيان توضيحي بينما رأى فيصل مطاوي، إعلامي جزائري، أن “خطاب قائد أركان الجيش جاء في شكل بيان توضيحي؛ لأن البيان الأول كان غامضا وتسبب في تضارب في القراءات”. وحذر قايد صالح، الثلاثاء الماضي، من العودة إلى سنوات الأزمة الأمنية في تسعينيات القرن الماضي، وشدد على أن أطرافا (لم يسمها) يزعجها استقرار الجزائر. وأضاف مطاوي أن “البعض اعتقد، من خلال خطاب الثلاثاء، أن الجيش كان يهدد الحراك الشعبي ضد ولاية خامسة، وآخرون اعتقدوا أنه كان يهدد الراغبين في فرض مشروع ولاية خامسة”. ويبدو أن الجيش أراد، في خطاب الأربعاء، أن يوضح أنه ملتزم بالموعد الانتخابي، وسيضمن أمن الانتخابات في موعدها، وهو ما يعني أن خيار تأجيل الانتخابات غير وارد على الأقل لحد الآن. ولاحظ مطاوي أيضا أن “قايد صالح لم يتحدث هذه عن رئيس الجمهورية والإنجازات، لكنه أسهب في الحديث عن العلاقة بين الجيش والشعب”. وتابع: “ولأن المرحلة تاريخية والجيش يعلم ذلك، تطلب الأمر توضيح الأمور، خصوصا أن الجيش لطالما تمسك بالطابع الشعبي له”. وأردف: “بالنظر لتجارب سابقة انتُقد فيها الجيش في تسعينيات القرن الماضي ومظاهرات أكتوبر 1988، فإنه لا يريد استنساخ هذه التجربة، ويريد البقاء بجانب الشعب”. في أكتوبر 1988 عمت الجزائر احتجاجات شعبية على الوضع المعيشي المتردي والبطالة المستشرية والبيروقراطية، بحسب المحتجين، وتدخل الجيش لتطويق الاحتجاجات، وسقط 169 قتيلا وفقا للسلطات وحوالي 500 قتيل، بحسب المعارضة.