لا ينتهي التحليل والتعليق اليوم من ذوي الشأن الاجتماعي والسياسي والثقافي عن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي العام وتوجيه العقول نحو أهداف بذاتها في الدعاية ونقل الأخبار وحملات التشهير وإرسال الخطاب إلى جهة بعينها واستمالة الجمهور وأعداد كبيرة من المتابعين والمشاهدين . وتقديم البرامج وفق ما هو مأمول ومشمول بالنتائج السريعة . واعتماد وسائل تقنية في الصورة والخبر .عالم اليوم في تبدل للقيم والأيديولوجيات. وفي سرعة انتقال الأخبار وسرعة تمرير الأحداث . عالم الصورة وهيمنة الانترنيت والأخبار من شبكات مراسلين يبحثون عن نقطة معينة في توسيع هامش الأخبار ونقلها بالسبق الإعلامي والتحايل أكثر على صناع السياسة والقرار في إبداء الرأي والبحث عن المادة الإخبارية ما وراء الحدث بالتعليق والتحليل والتفنيد . صناعة الأجساد وترويض الوعي وتكييف الثقافة وفق ما ترسمه مؤسسات معينة واللعب على أوتار الأرقام والمؤشرات الدالة. شبكات التواصل الاجتماعي وبرمجة الأهداف والغايات وتمكين الناس من الأخبار العاجلة والملتقطة بالأقمار الصناعية من أمكنة مختلفة في العالم . إننا نستهلك كمية هائلة من الأخبار العابرة من القارات . وكمية من الصور المتدفقة في مشاهدة لا تنتهي ومعطيات آنية واردة من مكان ما . سرعة الانتباه والالتفاف في قراءة سطور الأخبار وما يرمي إليه الخبر من أبعاد تروم إقناع المشاهد من المصدر الوارد منه الخبر وحيثيات الوقائع . فضائيات تتناسل وبأجندات متباينة , وقنوات متنوعة في السياسة والأخبار وقنوات في الرياضة ونقل المباريات . وقنوات في الفن والموسيقى وقنوات في الدين والتدين وقنوات في الشأن الاجتماعي والثقافي . القرية الكونية نطاق يتسع للكل في النهل من الثقافة الموحدة بالمعايير الدولية والتربية الموازية لأنماط التفكير المستهدف في تشكيل رؤية عن عالم الأشياء والحقائق. لم تعد التربية كما قال دوركايم نقل المعارف والخبرات والتجارب من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة والتي لم تنضج بعد . أصبحت التربية عالما جديدا في إيقاع سريع من سلوكات نمطية ونماذج الفعل المعولم . ومظاهر من التربية وفق النموذج الذي يميل نحوه الشباب اليوم . نماذج في الفن والغناء وأخرى في الرياضة وفي الأعمال والمال . النماذج الناجحة كأمثلة في الترقي والتدرج وتسلق سلم النجاح المهني . فهناك تراجع للنماذج التقليدية . ومن الواضح أن الإغراء وسياسة التنميط والإشهار من الأسباب وراء الإقبال على النوع الجديد من التربية والرغبة في ولوج العوالم الممكنة كاختصار المسافات وتسلق الدرجات .والبحث عن الربح السريع وبدون عناء أكثر .مواهب تنتعش وكفاءات تتقدم والإعلام يقدم أمثلة ناجحة في مسار لا يعرف التواء ومنعرجات . إن شبكات التواصل الاجتماعي تقدم الحياة الغربية والرفاهية كأسلوب حياة ممتازة في ولوج القمة والإحساس بالذات. برامج كثيرة عن الموضة والجمال وبرامج ترفيهية وأسلوب مميز في قيمة الحرية والعناية بالذات في غياب ضغط الماديات . ثقافة قائمة على الإنتاج والاستهلاك . تلك الصورة العابرة من الفضائيات ومن شبكات التواصل الاجتماعي دليل آخر عن الأنماط الثقافية وأسلوب العيش في الغرب واليابان واستراليا . فالنماذج المعقولة في التقدم مفيدة في تبني جزء منها والعمل على استنباتها في بيئتنا شريطة أن تكون متناسبة في التقدم دون إنزالها بطرق عمودية وبالتالي نتحول لمجرد شعوب مستهلكة للقيم والرموز الآتية من عالم آخر . وينحصر دورنا في الاستهلاك والاشباع . فالتربية في واقعنا المغربي تسير نحو الهاوية وان صح التعبير فإنها دخلت في أزمة الأسس والمبادئ . ومقياس الهاوية هنا المدرسة العمومية ومنظومة التربية بصفة عامة في تصاعد القلق والنقد من قبل القاصي والداني . كيف نربي ؟ ولماذا نربي ؟ وما هي التربية المناسبة لأجيالنا من الشباب ؟ تتناسل الأسئلة ولا يمكن استخلاص الجواب في ظرف وجيز مما يعني أن القضية جد معقدة في ظل تنامي ظاهرة العنف في المؤسسات التعليمية وازدياد الاحتقان الشعبي . وتجليات العنف في الأسرة والشارع . ويتحول العنف الذي يستشري في واقعنا إلى صورة معممة ومستهلكة من قبل أعداد كبيرة من المشاهدين والمتابعين . وتتحول الصورة إلى مصدر في جلب الأموال لكل باحث عن الفضائح . يلتقط الناس الصور وتتسرب في المواقع الالكترونية للتسويق والاستهلاك ونكتفي بالإدانة للعنف وشجب الاعتداء . والبكاء على زمن الأمس . ويتكرر المشهد مرات متعددة . في واقعنا التعليمي يستمر مشهد الاستنزاف والتسيب في ظل المطالبة بتفعيل قوانين أكثر صرامة لإعادة الاعتبار للمدرس وتوفير الشروط الموضوعية . فالسلوكات المشينة والممارسة في قلب الفصول الدراسية يمكن أن تتحول لسلوكات مقبول وعادية في ظل المفاضلة بين المدرس والمتعلم أو في الصمت عندما يتعلق الأمر بالمتعلم وتفعيل القوانين في حالة المدرس إذا تبادر منه سلوك غير أخلاقي في حالة من الانفعال والغضب . إنها الإساءة والحط من كرامة وهيبة المعلم وتمريغ انفه في التراب . هل يمكن أن يساوي مجتمع بين الظالم والمظلوم ؟ وهل من الممكن الكلام عن الحداثة والانتقال الديمقراطي ونحن نرسم صورة قاتمة عن التعليم والمعلم ؟ الصور العابرة من شبكة التواصل الاجتماعي والتي تتداولها منابر إعلامية ترسم واقعا جديدا .ونكسات أخرى للمدرسة العمومية ورؤية من الخارج والداخل للواقع المعاش والعنف المزمن في وضعية غير صحية وظروف غير سليمة يجرب فيها المدرس ألوان التربية على القيم المحلية والكونية . تلك القيم التي قبلها المغرب في تكريس فلسفة حقوق الإنسان في بعدها الكلي والشمولي . وحاول استنباتها في مناهج التربية والتكوين . لقد عبرت الصور المتداولة عن خيبات الأمل في الإصلاح للمنظومة التربوية ورفعت من الخطر عن سلامة التربية ومخاوف جمة عن العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية المبنية على التقدير والاحترام . ومن اخطر مساوئ عالم الصورة جشع الإنسان في التسويق والتمويه وتمرير الخطاب بدافع المنفعة الذاتية . والهاجس أن يتحول مضمون الصور إلى فعل ثقافي يعاد تكراره واستهلاكه والسكوت عنه من قبل الجهات المعنية بالشأن التربوي . لا بد من القطع والحسم مع كل سلوك يسيء للمدرسة المغربية وللمدرس .ومن دون إعادة الاعتبار والكف عن سياسة اللامبالاة وتحميل المسؤولية للمدرس لا يمكن الرهان على التربية في مجتمع يعاني الضياع والتشتت والتنصل من رسالة التربية لأجيال تعاني المخدرات وسوء التوجيه وحالات أخرى يغيب فيها الإنصات لمواقفهم ونبضات أفكارهم . وفي ظل استقالة الآباء من تربية الأبناء . لا بد من الرقابة على الإعلام الالكتروني وتفعيل أجهزة القضاء في التصدي لكل اعتداء على الآخر والتشهير به بالصوت والصورة . ففي لحظة من غياب الرقابة وتفعيل القوانين الردعية تعاني المنظومة التربوية من شرخ عميق في مقوماتها. وفي غياب بوادر للإصلاح لا نعرف بوصلة التربية في تصاعد وتيرة العنف واستفحاله في المدرسة العمومية ومسؤولية من يلتقط الصور للتشويه وتبخيس المهنة وإعطاء الانطباع عن صورة المدرس في عالم اليوم .لن تكون التربية سليمة ولن نتمكن من تنوير العقول بالفكر التنويري العقلاني إلا بإرادة جادة في الإصلاح . ولا يمكن للقوانين الوضعية أو الخطب الدينية أن تقدم لنا المواصفات الممكنة للتعامل بمصداقية مع عالم الصورة وما يتسرب من شبكات التواصل الاجتماعي بدون رقابة قانونية . ولا يمكن تبرير القضية باللجوء إلى ما يطلبه المشاهد من فضائح وصور مادية من مشاهد لا أخلاقية ولا إنسانية بدعوى الحرية في الإعلام ونقل الصورة بمصداقية ولغة بسيطة . لا بد من رقابة الدولة لهذا النوع من الإعلام أو تفعيل جهاز القضاء في محاربة الجريمة الالكترونية وما شابه من مسميات للحد من تشويه سمعة الآخر والإساءة إليه . أستاذ الفلسفة وباحث