(3/3) 5 هل يشكّل تيفيناغ «حاجزا نفسيا»؟ من الأسباب الأخرى التي يراها الأستاذ أوريد مسوّغة لاستعمال الحرف اللاتيني بدل تيفيناغ قوله إن هذا الأخير يشكّل «حاجزا نفسيا» لغير الناطقين بالأمازيغية. لماذا سيشكّل تيفيناغ "حاجزا نفسيا" لغير الناطقين بالأمازيغية؟ قد يرجع ذلك إلى كونه حرفا غريبا عليهم، لأنه جديد لم يسبق أن استعملوه ولا ألِفوه، عكس الحرف اللاتيني الواسع الانتشار بالمغرب، والذي هو حرف معروف، أنسُوه وتعوّدوا على مشاهدته واستعماله. إذا كانت "غرابة" تيفيناغ، بسبب جدّنه ولكونه حرفا غير معروف ولا مستعمل، هي ما قد يفسّر أفضلية الحرف اللاتيني على الحرف الأمازيغي، فلماذا ستخصّ تلك "الغرابة" فقط غير الناطقين بالأمازيغية؟ أليس معظم الناطقين بها هم أيضا يجهلون تيفيناغ لكونه حرفا جديدا عليهم، لم يسبق أن تعلّموه في المدرسة، ولا استعملوه ولا مارسوا به القراءة والكتابة؟ ليس هناك إذن أي مبرر، منطقي ولا واقعي، للتمييز بين الناطقين وغير الناطقين بالأمازيغية في علاقتهم بتيفناغ. ثم إذا كان هذا الاستدلال، على أفضلية الحرف اللاتيني، صحيحا، فهو أصحّ بالنسبة للحرف العربي الأكثر انتشارا ورواجا واستعمالا وألْفَة ومشاهدة. وتطبيقا لمنطق "الحاجز النفسي"، فيجب إذن اختيار الحرف العربي، وليس اللاتيني، لكتابة الأمازيغية. فهذه الحجة التي يلجأ إليها الأستاذ أوريد وغيره من المدافعين عن اختيار الحرف اللاتيني، هي نفس الحجة، الأهم والأقوى، التي يستند إليها التعريبيون في دفاعهم عن اختيار الحرف العربي لكتابة الأمازيغية. هكذا يخدم منطق "الحاجز النفسي" منطق المدافعين عن الحرف العربي، دون أن ينتبه أصحاب الحرف اللاتيني إلى هذا التناقض الذي يقعون فيه، ولا إلى هذه الخدمة التي يقدّمونها للمدافعين عن الحرف العربي لكتابة الأمازيغية. وحتى إذا صحّ وجود هذا "الحاجز النفسي" الذي لا يشجّع غير الناطقين بالأمازيغية على تعلّمها، فسيكون السؤال هو: ولمَ يكون الحرف هو الذي يشكّل «حاجزا نفسيا» لغير الناطقين بالأمازيغية؟ ألا يمكن أن يكون جهلهم بالأمازيغية هو "الحاجز النفسي" الحقيقي الذي لا يشجّعهم على تعلّمها؟ وبالتالي ألا يكون نفورهم المفترض من حرف تيفيناغ هو نفور من الأمازيغية نفسها وليس من حرفها تيفيناغ؟ وفي هذه الحالة فإن استعمال أي حرف لكتابة الأمازيغية لن يجعلهم يحبّونها ويقبلون على تعلّمها. والحلّ الوحيد هو التدريس الإجباري للأمازيغية كلغة رسمية ووطنية لجميع التلاميذ في سن التمدرس، بدءا من التعليم الابتدائي، حتى لا تشكّل، هي ولا حرفها تيفيناغ، "حاجزا نفسيا" لهم على غرار آبائهم. وبعد ثلاثة أجيال (حولي 45 سنة) من المغاربة الذين يكونون قد درسوا وتعلّموا الأمازيغية في المدرسة على غرار العربية والفرنسية، سوف لن يبقى هناك مغاربة تشكّل الأمازيغية وحرفها تيفناغ "حاجزا نفسيا" بالنسبة لهم يمنعهم من تعلّمها، لأن الجميع يكون قد درسها وتعلمها ويمارس كتابتها بحرفها تيفيناغ. فالناس أعداء ما يجهلون، كما يُنسب ذلك لعي بن أبي طالب. ولهذا فالكلام عن تيفيناغ، أو الأمازيغية، ك"حاجز نفسي" لغير الناطقين بها، هو كلام خارج السياق وخارج الموضوع الذي هو تدريس الأمازيغية. لماذا؟ لأننا عندما نناقش تيفيناغ كحرف لكتابة الأمازيغية، فذلك في علاقته بتدريسها وتعلّم قراءتها وكتابتها مدرسيا. ولذلك فإن وجود مغاربة، ناطقين أو غير ناطقين بالأمازيغية، يمنعهم تيفيناغ من الإقبال على تعلّمها لأنهم يفضّلون الحرف اللاتيني أو الحرف العربي، اللذيْن ألفوا استعمالهما، لا يؤثّر إطلاقا على طبيعة استعمال تيفيناغ لكتابة وتدريس الأمازيغية. لماذا؟ لأن تدريس الأمازيغية بحرفها تيفيناغ لا يتوجّه إلى الكبار والمتعلّمين ممن يتقنون استعمال الحرف اللاتيني والعربي، والذين يشكّل حقا هذا الحرف الأمازيغي، بالنسبة لهم، "حاجزا نفسيا" لتعلّم الأمازيغية. وإنما يتوجّه هذا التدريس إلى الصغار البالغين سنّ التمدرس، والذين لا يجيدون استعمال أي حرف، لاتينيا كان أو عربيا، حتى يفضّلوه على تيفيناغ. فكل الحروف متساوية عندهم من حيث ما يُعتبر "حاجزا نفسيا". فالخطأ الفادح الذي وقع فيه أصحاب منطق "الحاجز النفسي" لتيفناغ، هو أنهم يُسقطون نظرتهم الشخصية والذاتية إلى تيفيناغ، الذي هو "حاجز نفسي" بالنسبة لهم، على مجموع عملية تدريس الأمازيغية وكتابتها باستعمال تيفيناغ، جاعلين من نفورهم من هذا الحرف، بسبب إتقانهم الكتابة بالحرف اللاتيني وكذلك الحرف العربي بالنسبة لمن ينادون باستعمال هذا الحرف ، قاعدة تسري على صغار التلاميذ، الذين سيبدأون للمرة الأولى في حياتهم تعلّم القراءة والكتابة، اللتيْن لم يسبق لهم أن تعلّموهما ولا مارسوهما بأي حرف، لاتينيا كان أو أمازيغيا أو عربيا. ف"الحاجز النفسي" الحقيقي لتعلّم الأمازيغية، إذا جاز أن نتحدّث عن "حاجز نفسي"، هو هؤلاء المثقفون، الناطقون وغير الناطقين بالأمازيغية، الذين يصعب عليهم التخلّي عن الحروف التي اعتادوا الكتابة بها ليتعلّموا الكتابة بحرف جديد هو تيفناغ. أما التلميذ/الطفل فلن يتخلّى عن أي حرف سبق أن تعلّمه عندما يشرع في تعلّم قراءة وكتابة الأمازيغية بحرفها تيفيناغ. فمشكلة الأمازيغية، بخصوص الحرف المناسب لها، ليست مشكلة الصغار وإنما هي مشكلة الكبار، الذين يشكّلون، كما قلت، "الحاجز النفسي" الحقيقي أمام تعلّم المغاربة قراءة وكتابة الأمازيغية بتيفيناغ. وقد رأينا كيف رفض أحد الآباء أن يدرس ابنه الأمازيغية، حتى فاجأه بالتفوّق فيها والتحاور بها في مسرحية أمازيغية. فالعائق الحقيقي أمام الأمازيغية هم الكبار وليس الصغار، هم الآباء وليس الأبناء. من جهة أخرى، إن تدريس الأمازيغية بحرفها تيفيناغ هو قرار للدولة، ملزم للجميع، ككل قراراتها، بغض النظر عن موقف هؤلاء أو أولئك من هذا الحرف أو ذاك. فالسيد أوريد، عندما ينبّهنا إلى أن تيفناغ قد يشكّل "حاجزا نفسيا" لغاير الناطقين بها، ينظر إلى تعلّم الأمازيغية كما لو أنها مسألة أفراد واختيارات شخصية، مثلما كان الأمر عند مناضلي الحركة الأمازيغية، الذين تعلّموا كتابتها باجتهاداتهم الشخصية. ولذلك نجد فيهم من كتبها بالحرف اللاتيني أو العربي أو تيفيناغ، وكان يرى في الحرفين الآخرين "حاجزا نفسيا"، حسب تقديره وتكوينه وموقفه، وما ينتظره من تعلّم وكتابة الأمازيغية. أما مشروع تدريس الأمازيغية، وبحرفها تيفيناغ، فهو ليس اختيارا شخصيا ومزاجيا تابعا لتقدير الأشخاص ومستوى تكوينهم وطبيعة موقفهم من الأمازيغية، وما ينتظرونها من تعّلمها وكتابتها، وإنما هو اختيار للدولة، تلزم به الجميع، الناطقين وغير الناطقين بالأمازيغية، وبمن فيهم أولئك الذين يرون في تيفناغ "حاجزا نفسيا". إقصاء الأمازيغية من التعليم: النتيجة أن هذه الصعوبات، التي ذكرها الأستاذ أوريد بخصوص تدريس الأمازيغية، هي بمثابة تعلّات ترمي إلى إقناعنا أن الأمازيغية لا يمكن تدريسها مثل العربية أو الفرنسية بسبب هذه الصعوبات/التعلّات. وهو ما لخّصه بقوله: «ولذلك فجوابي في ما يخص لغات التعليم هو أن ندرس بالعربية والأمازيغية والفرنسية (مع الإسبانية في المناطق التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي)، شريطة أن أعي وظيفة كل لغة وأن أسلك سبيل التدرج في التدريس. فأنا في مستوى الوجدان، في التعليم ما قبل المدرسي أدرّس بدارجة منقحة، وبأمازيغية لا تجانف واقع التلميذ الناطق بالأمازيغية، ثم أنتقل إلى العربية فلا أثقل المتعلم بالقواعد» (صفحة 200). ماذا نفهم من هذا الكلام؟ هو كلام يؤكد على تدريس الأمازيغية، ولكن من أجل إقصائها من هذا التدريس. كيف ذلك؟ فالأستاذ أوريد عندما يقول علينا «أن ندرس بالعربية والأمازيغية والفرنسية»، فهو لا يمهلنا حتى نبتهج لهذا الحلّ الذي يضم تدريس الأمازيغية بجانب العربية والفرنسية، إذ ينبّهنا بعد ذلك مباشرة إلى أنه حلّ مشروط بالوعي بوظيفة كل من هذه اللغات الثلاث. وهنا يخصّص للأمازيغية، وللدارجة أيضا، وظيفة استعمالها "الوجداني" المناسب لمستوى الطفل في التعليم ما قبل المدرسي، تهييئا لانتقال التلميذ إلى العربية. واضح إذن أن وظيفة الأمازيغية، عبر استعمالها "الوجداني" في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي، هي أن تهيئ التلميذ للغة التعليم المدرسي، وهي اللغة العربية وبعدها الفرنسية. وظيفة الأمازيغية تنتهي إذن عندما ينتقل الطفل من التعليم ما قبل المدرسي إلى التعليم المدرسي. وهذا يعني إقصاء للأمازيغية من هذا التعليم المدرسي، أي من التعليم النظامي. وهذه الوظيفة التي يخص بها الأستاذ أوريد الأمازيغية لتلعب دور إعداد التلميذ، في التعليم ما قبل المدرسي، للانتقال إلى تعلّم العربية كلغة للتعليم المدرسي، ليست شيئا جديدا، بل سبق أن أسند "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" للأمازيغية هذه المهمة منذ 1999، حيث تنص مادته 115 على ما يلي: «يمكن للسلطات التربوية الجهوية اختيار استعمال الأمازيغية أو أية لهجة محلية للاستئناس وتسهيل الشروع في تعلم اللغة الرسمية في التعليم الأولي وفي السلك الأول من التعليم الابتدائي». ويجدر التذكير، بخصوص هذه الوظيفة "الوجدانية" للأمازيغية في التعليم ما قبل المدرسي، أن "الميثاق"، عندما منحها هذه الوظيفة «للاستئناس وتسهيل الشروع في تعلّم اللغة الرسمية»، لم تكن لغة رسمية آنذاك. فالأستاذ أوريد يعود بالأمازيغية إذن، وهي لغة رسمية منذ دستور 2011، إلى الوضع الذي كانت فيه اللغة الرسمية الوحيدة هي العربية. ويعود بها كذلك القهقرى إلى ما قبل قرار تدريسها الذي أُعلن عنه منذ 2003، حيث ولجت المدرسة رسميا في التعليم الابتدائي، في حين أنه يقترح لها ولوج التعليم ما قبل المدرسي فقط، بعد أزيد من خمس عشرة سنة من ولوجها التعليم الابتدائي، في الوقت الذي يقتضي فيه إنصافُ اللغة الأمازيغية الترافعَ والعملَ وحتى الكفاح من أجل إنفاذ وإنجاح قرار تدريسها بدءا من التعليم الابتدائي، وليس الاكتفاء باستعمالها "الوجداني" في التعليم ما قبل المدرسي. البدء من النهاية بدل البداية: الأستاذ أوريد يوصي «بأن يبدأ تعليم الأمازيغية من فوق فما أسفل، أي من الجامعة، فالثانوية فالتعليم الأساسي الثاني، وأخيرا التعليم الأساسي الأول. لا يمكن أن نبتسر المراحل ابتسارا» (صفحة 200)، كما كتب. وهذا يدلّ على أنه غير مقتنع أن الأمازيغية يمكن أن تُدرّس كلغة إجبارية وموحّدة، بدءا، ليس من النهاية كما يقترح، بل من البداية، أي من الأسفل إلى الأعلى وفقا للمسار الطبيعي لتدريس وتعليم اللغات الرسمية والوطنية، الذي ينطلق من الطفل/ التلميذ، وليس من الراشد/ الطالب الجامعي. أما بدء تعليمها من المستوى الجامعي، فسيُبقيها لغة نخبوية لا يتعلّمها إلا من وصل إلى الجامعة، مما لا يسمح لها أن تحقّق دورة Cycle إعادة إنتاج نفسها كلغة إنتاج كتابي وثقافي وفكري، تستعمل في الإدارة والإعلام والتواصل. يضاف إلى ذلك أن نسبة قليلة من مجموع الذين يلجون المدرسة المغربية يوفّقون في الولوج إلى الجامعة. أما تدريسها الإجباري لجميع التلاميذ الممدرسين بدءا من التعليم الابتدائي، فسيجعل غالبية المغاربة، بعد مدة قد لا تتجاوز خمسة عشر سنة على انطلاق تدريسها الإجباري هذا، يتعلمونها ويكونون قادرين على قراءتها وكتابتها حتى لو انقطعوا عن الدراسة قبل مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي. أما إنشاء مراكز للبحث حول اللغة الأمازيغية، وخلق شعب للتخصّص فيها، فذلك ما سيكون مكانه المناسب هو الجامعة، وليس بدء تدريسها من هذا المستوى العالي من التعليم، كما لو كانت لغة تتوفر على دورة إعادة إنتاج نفسها كلغة كتابية، أو لغة أجنبية مثل العبرية أو الفارسية أو الصينية، حيث لا يُنتظر من هذه اللغات أن تحقق دورة إعادة إنتاج نفسها كلغات وطنية ورسمية مغربية. إذا كان "الابتسار" يعني لغويا "القيام بما لم يحن وقته بعدُ، التسرّع في استعمال ما لم تتوفر شروط استعماله بعدُ، قطف فاكهة لم يكتمل نضجها بعدُ…"، فإن "ابتسار" مراحل تعليم الأمازيغية، الذي (الابتسار) يتخوّف منه الأستاذ أوريد ويبني عليه اقتراحه أن يبدأ هذا التعليم من الجامعة، يصدق على بدء تعليم الأمازيغية من الجامعة، إذ الطالب بهذا المستوى الجامعي يُفترض فيه أن يكون متمكّنا من اللغات التي درسها منذ الابتدائي والإعدادي، فيتوسّع في المرحلة الجامعية في دراستها أو التخصّص فيها. وهو ما يعني أنه لم يتمكّن من إتقان تلك اللغات في المستوى الجامعي إلا لأنه تعلّمها عبر أطوار دراسية سابقة، وفي مراحل مناسبة لمستواه العمري والمدرسي. أما تعليمه اللغة الأمازيغية في هذا المستوى الجامعي، فهذا يعني القفز على المراحل "الطبيعية" السابقة، من تعليم ابتدائي وإعدادي وثانوي، وهو ما سيعطي أمازيغية "مبتسرة" وغير "ناضجة" لأنها لم تمر من مراحلها الطبيعية. وهذا هو "الابتسار" الحقيقي الذي يحذّرنا منه الأستاذ اوريد. ف"الابتسار" واضح، ويتجلى في أن أمازيغية الجامعة لم تسلك طريق "نضجها" الطبيعي الذي هو تدريسها بدءا من التعليم الابتدائي. موت الأمازيغية: إذا كان تعليم الأمازيغية سيبدأ من الأعلى، أي من التعليم الجامعي، ويقتصر في المستوى الأدني على التعليم ما قبل المدرسي، فالنتيجة أن الأمازيغية ستُحرم من التعليم المدرسي الحقيقي، الذي هو وحده القادر على تمكينها من تحقيق دورة إعادة إنتاج نفسها كلغة كتابة وثقافة وفكر وتعليم، بعد الجيل الأول من المتمدرسين الذين يكونون قد تعلّموها وأتقنوها. وقد يؤدّي ذلك، إذا لم يُسرَع بتدريسها الإجباري والموحّد والمتواصل لجميع المغاربة بدءا من التعليم الابتدائي كما شرحت، إلى موتها واختفائها النهائي بعد أقل من أربعة قرون، بالنظر إلى الوتيرة التي يتراجع بها عدد مستعملي الأمازيغية عاما بعد عام. هذا المصير الذي ينتظر الأمازيغية، ما لم تصبح قادرة على إعادة إنتاج نفسها كلغة كتابية عن طريق تدريسها الإجباري والموحّد لجميع المغاربة في سن التمدرس، يطرح علينا وعلى الأستاذ أوريد السؤال التالي: إذا كانت اللغة الأمازيغية هي «الأداة التي تمنحني التميّز في هذا المحيط الذي اضطرب به بين غرب ومشرق، وهي التي تذكّرني بكل مراحل تاريخي. […] وهي الرمز الذي يذكّرني بهذا التميز الذي يسِم منطقتي، وهي الرمز الذي يحيل إلى هذا المشروع الحديث الذي أحمله»، كما كتب حسب ما سبقت الإشارة إليه، فكيف سنحافظ على هذا التميّز وهذا الرمز اللذيْن لا وجود لهما إلا بوجود اللغة الأمازيغية؟ أما إذا كان الأستاذ أوريد يعتقد أن اللغة الأمازيغية قد تستمر، لقرون طويلة، في الحضور والحياة وإعادة إنتاج نفسها وانتقالها من جيل إلى آخر بالاستعمال الشفوي فقط، ولو بلا مدرسة ولا كتابة، فأنا، كرأي شخصي، أعتبر ذلك غير ممكن إطلاقا. والقرائن والشواهد على ذلك عديدة لا يتّسع الوقت ولا المكان لعرضها ومناقشتها. ولهذا فإنه من غير الممكن الإبقاء عليها والارتقاء بها، كما يؤكّد على ذلك الأستاذ أوريد، دون الانتقال بها إلى الاستعمال الكتابي والمدرسي عن طريق التعليم والمدرسة. ختم وخلاصة: الأستاذ أوريد يدعو في كتابه إلى ثورة ثقافية تستفيد منها الفرنسية كلغة لتدريس العلوم، وكذلك العربية التي بوأها مكانة معتبرة إلى درجة أنه قال عنها بالصفحة 111 من الطبعة الأولى: «ولا نرى نهضة من دونها»، وهو ما راجعه وحذفه من الطبعة الثانية، ربما لما فيه من مبالغة وتناقض مع ما قاله من أن العربية ليست بلغة العلم، الذي هو شرط كل نهضة حقيقية. هذه الثورة الثقافية ستستفيد منها إذن الفرنسية والعربية، إلا الأمازيغية التي سيبقى وضعها الشفوي كما هو، رغم استعمالها في التعليم ما قبل المدرسي أو تدريسها في التعليم الجامعي كشيء كمالي لن يجعلها قادرة على تحقيق دورة إعادة إنتاج نفسها كلغة كتابية ومدرسية، كما سبق أن شرحت. ورغم أن الأستاذ أوريد يؤكد أن هذه الثورة الثقافية لن تتحقق إلا بإجراء قطيعة مع ما هو سائد ومتواتر (صفحة 223)، إلا أنه "يستثني" من ذلك الأمازيغية التي ستبقى على حالها، السائد والمتواتر، كلغة غير مدرسية، لأن السائد هو أنها «ظلت لقرون لغة لا تُدرّس». فأين هو القطع مع ما هو سائد إن لم نقطع مع ما هو سائد في مجال اللغة بالمغرب، حيث تعتبر الأمازيغية مجرد لهجات شفوية لا يمكن تدريسها ولا توحيدها؟ أليس تدريس الأمازيغية كلغة إجبارية وموحّدة هو لوحده ثورة حقيقية، وقطيعة حقيقية مع ما هو سائد ومتواتر؟ أم أن الثورة التي تستحقها اللغة الأمازيغية هي ثورة إلى الوراء، إي الرجوع إلى ما منحه لها "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" منذ عشرين سنة، عندما حصر استعمالها المدرسي في إعداد التلميذ لتعلم اللغة الرسمية التي كانت هي العربية وحدها؟ لا شك أن المناوئين للأمازيغية سيوظّفون، وبشكل كلبي كعادتهم، كما فعلوا بما يُنسب من كلام للسيد أوريد حول ترسيم الأمازيغية والنقاش حول الهوية، موقفَه هذا غير المتحمّس لتدريس الأمازيغية بدءا من البداية، أي من التعليم الابتدائي كلغة إجبارية وموحّدة، (سيوظّفونه) لإعطاء المصداقية والمشروعية لمعارضتهم للتدريس الإجباري الموحّد للأمازيغية، مردّدين: «انظروا وتأمّلوا، فهذا واحد من كبار الكتّاب والمفكرين الأمازيغيين الفخورين بانتمائهم الأمازيغي، أصبح مشهورا، كعلَم في رأسه نار، بإنتاجاته الفكرية وإبداعاته الأدبية. لكنه واقعي وعقلاني وحكيم في تعامله مع الأمازيغية، لا يتحمّس لتدريسها ولا لتوحيدها ولا لحرفها تيفيناغ. وهذا دليل على أنه على صواب لأنه يراعي الواقع ويعتمد على العقل ويعالج "المسألة" الأمازيغية بحكمة، وعلى أنكم على خطأ لأنكم حالمون ولستم واقعيين، يحضر، في تعاملكم مع الأمازيغية، "تحفزُ العاطفة" و"الحميّة الإيديولوجية"، ويغيب العقل والحكمة والسداد».