بربطة عنق أنيقة أثير حولها الكثير من الجدل استُقبِل السيد عبد الله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من طرف الملك محمد السادس بمدينة ميدلت ، حيث عينه رئيسا للحكومة اثر الفوز الساحق الذي حصل عليه حزبه سواء على مستوى اللوائح المحلية أو الوطنية بطريقة ديمقراطية وشفافة. رقص مناضلو حزب السيد بنكيران بانتصارهم القوي في الانتخابات البرلمانية وتعيين رئيس الحكومة من بينهم. انتصار لم يأت من فراغ ولكن من خلال عمل دءوب ورصين منذ مدة ، وقراءة وصفت عند بعضهم بالعميقة لمستقبل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهشة التي يعيشها المغرب، رغم الوضع المريح نسبيا له في ظل الأزمة العالمية. إضافة إلى مراقبة العمل الحكومي ضمن المعارضة، وجس نبض الشارع وطموحات الشعب المغربي بكل شرائحه رغبة في التغيير الجدري. من هنا كان من اللازم سياسيا استغلال الهفوات التي سقطت فيها حكومة عباس الفاسي وكيفية فشلها في التعامل مع بعض الملفات المتشابكة التي لفها الغموض مما أجج سخط المواطنين في قطاعات مختلفة عليها، وجعلها في إطار الحكومات المغضوب عليها رغم ما حققته من انجازات في ملفات كبرى. معرفة حزب العدالة والتنمية بخبايا التواصل الاجتماعي واعتباره ركنا أساسيا في العلاقات الإنسانية وجزءا من الهوية الإسلامية التي هي مرجعية الحزب، دون نسيان دور الضحية خلال الانتخابات السابقة وما شابها من تزوير في بعض المناطق، إضافة إلى الوضع الملتهب في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، وصعود حزب النهضة والإصلاح إلى رئاسة الحكومة في تونس، والحديث عن الإسلام الوسطي في ليبيا.. ووصول جناح الإخوان المسلمين إلى البرلمان المصري. كل ذلك ساهم بشكل كبير في استمالة الناس لخطاب مرشحي العدالة والتنمية وإعطائهم فرصة لتسيير الشأن العام. قيمة التواصل والاحتكاك مع المواطنين عن قرب ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم زرع الثقة بين مناضلي حزب المصباح والمواطنين الذين يئسوا من وعود برلمانيي بعض الأحزاب، بما فيهم من دأبوا على النزول إلى أرض المعركة في المدن و القرى زنقة زنقة حتى تمزقت أحذيتهم من كثرة شرح برامج لم تر النور خلال ولايتهم البرلمانية . ولاية غاب فيها البرلمانيون، وتفرغوا لمصالحهم الشخصية حتى ضاعت ملفات المواطنين في ردهات الأرشيف الحكومي واستعصي حلها لكثرة تراكمها واختلاط أوراقها. منهم من تنبه إلى اللعبة السياسية فقرر الانسحاب بهدوء ، وعدم الظهور لمن انتخبوه سابقا، بل أكثر من ذلك عدم دعمه لمرشحي الحزب الذي ينتمي إليه في حملاته الجماهيرية في الشارع يوم 25 نونبر2011، لأنه وبكل بساطة لم يستطع النظر في وجوه المواطنين الذين خاب ظنهم فيه ، ووعى الكل بخطورة الشارع كمكان لا يستهان به سياسيا للاحتجاج بطريقة سلمية حضارية عبرت عن وعي المواطن المغربي، ودفعت بمسلسل التغيير ربما في الاتجاه الصحيح في حالة عدم ظهور بعض المفاجآت كتغيير خطاب السيد بنكيران بعد تعيينه رئيسا للحكومة. الخرجات الإعلامية المعروفة للسيد بنكيران ظلت محط تساؤل الكثيرين، وربما هي التي لعبت دورا كبيرا في شد انتباه الناس إليه خاصة لغة التواصل باللسان الدارج، وتبسيط خطاباته لكي يفهمها الكل دون استثناء، وبدون تعب فكري. هنا إستراتيجية الخطاب السياسي وكيفية وصوله إلى المستمع والتأثير فيه. أما البعض الأخر فقد سقط في فخ الإغراء السياسي، فأراد رمي صنارته من جديد علها تجلب له الحظ مرة أخرى للجلوس تحث قبة البرلمان بطريقة مريحة. لكن المفاجأة كانت أكبر من البكاء على أطلال البرلمان خاصة أن حزب المصباح كان الأذكى من أغلبية الأحزاب في اقتناص أصوات الناخبين واكتساح الساحة السياسية في حياد تام للسلطة. أما من دخل الانتخابات من بعض الأحزاب من بابها الواسع نظرا لما عرف عنه من نزاهة أو أنه كان حاضرا كمسئول وجددت الثقة فيه رغم سلبية أدائه في حكومة الفاسي ، فما عليه إلا أن يجلس إلى الأرض مع قيادات وقواعد الأحزاب التي ينتمي إليها ويبدأ في رسم خريطة طريق لسياسة حزبه في إطار استراتيجية واضحة المعالم للمستقبل، ويقف على أهم النقط السلبية التي جعلت حزبه يتقهقر . ليشمر هؤلاء المنتخبون على سواعدهم سواء في المعارضة أو مع الإتلاف الحكومي الجديد، وليفتحوا مكاتب التواصل في وجوه المواطنين، وليكونوا قادرين على إفهامهم الفرق بين العمل في البرلمان والعمل في المجالس البلدية والاختصاصات الممنوحة لكل واحد منهما، ولكن في إطار سياسة القرب والانفتاح على الأخر، لكي لا يأتي التواصل في المرتبة الثانية بعد جلب الأصوات. لقد كان دور المقاطعة التي دعت إليها حركة 20 فبراير دورا مهما في عدم صعود مجموعة كبيرة من الأسماء البارزة في عالم السياسة المغربية، مما دفع بالمواطنين إلى بعث رسائل قوية لكل الأحزاب كي تأخذ العبرة من هذه الانتخابات. لقد دشن المغاربة بفضل استحقاقات 25 فبراير عهدا جديدا للحياة السياسية المغربية واعتبرت محطة تاريخية فصلت بين مرحلتين في تاريخ المغرب وهي القطع مع الفساد واستعمال المال واستغلال الحصانة البرلمانية وبداية أفق جديد في الإصلاح بدستور جديد ومؤسسات قوية . إن الربيع العربي ساهم في صعود الإسلاميين في الوطن العربي. فهل سيكون صعودهم فأل خير على الشعوب العربية في تحقيق أحلام حريتها والعيش بكرامة ؟ وهل سيتمكن حزب العدالة والتنمية في المغرب من تحقيق برامجه على أرض الواقع ويحقق تطلعات المواطنين؟ أم أن الكلام شيء وممارسة الواقع شيء أخر؟ الآن من يده في الماء الساخن ليست كمن يده في الماء البارد، والبحر يكذب الغطاس، وليست مساحة المسابح مقياسا لتحطيم الأرقام القياسية للفوز بالمرتبة الأولى سياسيا عند بدء العمل.