هل يجوز في الدول الديمقراطية القبول بتعديل الدساتير لتمديد ولايات الرؤساء فيها؟ هل يجوز فيها ترشيح شخص مريض ومقعد لولاية خامسة لإدارة الدولة كما هو شأن بوتفليقة اليوم في الجزائر؟ هل يجوز فيها منح دور لشقيق رئيس لا دور ولا مسؤوليات دستورية له؟ لماذا يدعم الاتحاد الأوروبي ولو بطرق غير مباشرة مثل هذه الظواهر النادرة والشادة عوض نبدها ورفض التعامل معها انتصارا لحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي؟ لماذا يتعبأ قادة الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدةالامريكية لدعم التغيير في فنزويلا في الوقت الذي يصمتون فيه عن الأوضاع في الجزائر ومصر والسودان التي تحكمها أنظمة سلطوية تحت رعاية المخابرات العسكرية؟ فرض رئيس مريض ومقعد على الشعب الجزائري لولاية خامسة يمثل احتقارا لا مثيل له لشعب المليون شهيد، بل إنه يشرعن للاستبداد، وللسلطوية، وللفساد الذي عانى منه الجزائريين لعقود من الزمن كان اسوأها عشرية الدم السوداء التي أعقبت إجهاض المسلسل الديمقراطي في التسعينيات بسبب صعود الإسلاميين في الانتخابات. لا شك أن الموقف الأوروبي من قضية الديمقراطية في أفريقيا عموما وفي المنطقة المغاربية تحديدا يظل محكوما بحسابات المصالح، لاسيما، وأن هناك أطراف أوروبية لا ترغب في حدوث اي انتقال ديمقراطي في هذه القارة الغنية بثرواتها الطبيعية وبتنوعها البشري الهائل، لدوافع كولونيالية ترتبط بمصالح لها جدور تاريخية ترتبط بالحقبة الاستعمارية، والمقصود هنا بطبيعة الحال الدولة الفرنسية التي لن تقبل باي تغيير أو تحول يمس بمصالحها الحيوية التي تشكل مصدر أمنها القومي. ليس تجنيا إن قلنا أن فرنسا أكبر تشكل اكبر عائق للتحول الديمقراطي في أفريقيا وفي المنطقة المغاربية، واي محاولة لتحرر الأفارقة والمغاربيين من الاستبداد السياسي الذي يرعى مصالح هذه الدولة الكولونيالية، ستواجه بالقمع وبضمانات فرنسية على المستوى الدولي بحكم الدور الذي تلعبه فرنسا في النظام الدولي وبحكم موقعها في الأممالمتحدة كدولة تتمتع بحق الفيتو. للأسف الشديد فرنسا الديمقراطية في علاقتها بشعبها هي نفسها التي تعمل بالليل والنهار من أجل وأد اي تحول ديمقراطي يعطي لشعوب مستعمراتها كامل الحق في تقرير مصيرهم السياسي والاقتصادي حتى تستمر هي في استنزاف ثروات وخيرات هذه الشعوب التي تعاني الفقر والعوز والهشاشة والضعف على كل المستويات. لو رفعت فرنسا وصايتها على أفريقيا بجنوبها وشمالها وغربها لما ركب الأفارقة قوارب الموت بحثا عن مستقبل أفضل، ولما عاشت الشعوب الأفريقية في البؤس الاجتماعي بسبب عدم استفادتها من مقدرات وثروات أوطانها التي تعد ولا تحصى. فرنسا سرطان ينخر القارة الأفريقية وما صرح به رئيس وزراء إيطاليا صحيح بغض النظر عن خلفياته السياسية التي ترتبط بصراع المصالح داخل الفضاء الأوروبي. فرنسا في سياستها الخارجية تتابع بدقة الأوضاع الداخلية في مستعمراتها السابقة، والمحيط المغاربي الذي ننتمي له نحن، يحضى بأهمية استراتيجية كبرى في تلك السياسة، ولهذا لا تستغربوا إن علمتم بأن أولى زيارات الرؤساء الفرنسيين الجدد ، تكون إلى دول هذا المحيط الذي يشكل الخلفية الاستراتيجية والحيوية في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه عمقها الأفريقي. فرنسا اخترقت كل البنيات الحيوية والاستراتيجية في مستعمراتها بما في ذلك النخب والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والصحافة والغاية من كل ذلك هي التحكم في مفاصل الدول التي تخضع لوصايتها من خلال اتفاقيات ومعاهدات سرية ترهن حاضر ومستقبل شعوب هذه الدول، وقد صرحت قبل اسبوع فقط، سياسية وحقوقية تونسية بهذا الأمر. بغض النظر عن الموقف المصلحي لأوروبا وفرنسا من مسألة الانتقال الديمقراطي في القارة الأفريقية، ومن ضمنها شمال أفريقيا بكل تأكيد، فإن دعم الاحتجاج السلمي في الجزائر أو في تونس أو في المغرب، يظل ضرورة مغاربية لا ينبغي التفريط فيها، لأن الشعوب المغاربية في أمس الحاجة للتضامن مع بعضها البعض في مواجهة المشاريع الاستعمارية، التي تزرع بدور العداء بينها لتثبيت السلطوية التي ترعى مصالحها. الخيار الديمقراطي هو المشترك الوحيد الذي يمكن أن يوحد الشعوب المغاربية بعيدا عن الطائفية السياسية والدينية وعن العرقية المقيتة التي تميع قضية الهوية، وما يجري اليوم في الجارة الجزائر، يتجاوز بكثير رفض الولاية الخامسة للرئيس، بل هناك مطالبة بإسقاط النظام، وفي هذا الأمر، رسالة لمؤسسة الجيش بكل أجهزته وللخارج الذي يدعم سلطوية هذه المؤسسة الصماء التي حكمت الجزائر بقبضة من حديد، وخلفت للشعب الجزائري الشقيق عدو خارجي وهمي من خلال دعم كيان انفصالي اسمه البوليساريو! الديمقراطية هي الحل لمواجهة الإشكاليات المطروحة في الفضاء الأفريقي والمحيط المغاربي والتنوع الثقافي والهوياتي ليس عائقا بالمطلق ولا يمكن توظيفه من طرف أعداء الشعوب في سياساتهم التقسيمية والفتنوية والطائفية المريضة. لوأد رغبات الشعوب في الإصلاح والتغيير .