مصطفى ملو على بعد حوالي أربعين كيلومترا من مركز قلعة مكونة في اتجاه إغيل نومكون و على واد القاضي(أسيف نلقاضي) تنتصب جبال شامخة راسمة صدفة أو عن سبق إصرار و ترصد مضايقا غاية في الحسن و الجمال,فهنا تمتزج روعة الطبيعة العذراء و هدوء المكان ببساطة الناس و طيبوبتهم لتعطي رونقا خلابا يستهوي محبي الاستكشاف و السياحة الجبلية القادمين من مختلف بقاع العالم. فرغم غياب التجهيزات السياحية من طرق معبدة و فنادق و مواصلات و أماكن للاستراحة(حيث يتسابق المرشدون السياحيون لحجز المكان الوحيد وسط المضايق) إلا أن مضايق أكوتي تعتبر محطة لا محيد عنها في برنامج هواة المشي عبر الجبال الذين يلجون المنطقة. قبل الوصول إلى هذه المضايق تنطلق الرحلة من بلدة بوتغرار السياحية التي تعتبر بحق عروس وادي مكون أو "فرنسا الصغيرة" كما يحب أهلها تسميتها و التي تبعد عن مركز قلعة مكونة بحوالي 25 كيلومترا ثم يعرج السياح يسارا عبر أسيف نلقاضي,أين يكون لهم موعد مع القصبات الباسقة التي تستقبلهم كعرائس مخضبة بالحناء منأخمص قدميها إلى أعلى رأسها مضفية على المكان وقارا و جلالا يعود بهم إلى عصور غابرة ليقفوا مشدوهين مبهورين من عبقرية صانعيها متسائلين باستغراب كيف أمكن للطين أن يقف بلا عمد؟ ! تستمر الرحلة في هدوء تام لا تكسره إلا موسيقى خرير المياه عبر دواوير زناك و الحوط و أكوتي التي تتربع على ضفاف الوادي الذي ترسم انعراجاته دلتات مزينة الجوانب بأشجار الجوز و اللوز و التين و الخوخ و الورد,ليصل بك المسير إلى كهوف على شكل غرف معلقة تقول الرواية الشفوية إنها من "فعل البرطقيس" أي البرتغال الذين استوطنوا المنطقة في مرحلة ماضية. بعد ساعة و نصف من المشي تقريبا,ستجد نفسك بين أحضان مضايق أكوتي الساحرة و التي لا تخلو يوميا من عشرات السياح(خاصة في شهري أبريل و ماي) أغلبهم أجانب من الراغبين في استراق لحظات من الهدوء و السكينة بعيدا عن ضوضاء المدن و ضجيجها.تقول كاتلين الألمانية ذات السادسة و العشرين ربيعا"هذه أول مرة أزور فيها المغرب,أهوى صعود الجبال,لقد وجدت هذا المكان فعلا رائعا وأتمنى زيارته مرة أخرى",أما صديقها الإيطالي طوماس فيعيب على المسؤولين تهميش المكان مسجلا غياب أماكن الراحة و صناديق القمامة,معتبرا أن ذلك لا ينقص من قيمة المكان كوجهة رائعة لهواة السياحة الجبلية,مضيفا أنه لو تم الاهتمام بهذه المضايق لأصبحت لها شهرة عالمية. مضايق أكوتي و نواحيها هي كذلك جنة للبيولوجيين و المصورين,إذ تنتشر فيها أنواع من الطيور النادرة المزركشة بألوان مختلفة و الأفاعي المائية و الضفادع و النباتات المهددة بالانقراض و السناجب و الأرانب البرية و أشجار التفلة(أليلي) التي ترسم بلونها الأخضر على طول السنة ممتزجا بلون الجبال البني لوحة فنية بهية. وللراغبين بالسباحة فالطبيعة لم تنساهم,بل صنعت لهم مسابح طبيعية من ماء عذب زلال على شكل برك لممارسة "عشقهم" و الارتواء من العيون المنبعثة من بين الصخور التي منها ما يشقق فيخرج منها الماء...,و لا غرابة كذلك أن تصادف مروحية بآلات تصوير و خدع سينمائية تصور لقطات لفيلم ما !! كل هذا و أكثر توفره هذه المضايق التي مهما زرتها فلن تحس بالملل,بل بالعكس ستشعر أن شيئا ما يجلبك إليها دائما(أنا مثلا أزورها كل نهاية أسبوع),وإذا ما أحسست بالتعب هنا,فما عليك إلا إعداد كأس شاي منكه بالنباتات الطبيعية,مطبوخ "على خاطره" فوق الحطب ! في مضايق أكوتي إما أن يقضي السائح ليلته تحت ضوء القمر المنعكس على مياه الوادي عند مدخل المضايق,حيث ينصب المرشدون السياحيون و أعوانهم الخيام و تربط البغال المحملة بالأفرشة و المؤونة و تطهى ألذ الأكلات الأمازيغية ثم يبدأ أحدهم بالعزف على آلة الهجوج التي تضيف موسيقاها للمكان في هذا الليل البهيم سحرا يسافر بالمرء إلى عالم صفاء روحي تتمرد الكلمات على وصفه,و إما أن يواصل المسير ليجد نفسه في بلدة ألمدون أو الرباط-إغيل نومكون ليقضي ليلته بإحدى المأوي المرحلية المنتشرة هناك,و في يوم السبت يمكنك أن تقصد السوق الأسبوعي لإغيل نومكون الذي لا يبعد سوى بساعة مشيا على الأقدام. في الصباح يجد السائح نفسه أمام خيارين,إما أن يواصل المسير في اتجاه مضايق أمجكاك التي لا تقل روعة و جمالا في اتجاه تيزي نايت حمد ثم قمة مكون فأوزيغيمت و أيت بوكماز,أو أن يستقل سيارة تعود به من حيث أتى من قلعة مكونة,ليسيح في باقي مناطق جمال الجنوب الشرقي التي لابد للإعلام و لوزارة السياحة و وزارة التجهيز و النقل و وزارة الثقافة و وزارة البيئة أن تقوم جميعا بما في وسعها للتعريف بها و على رأسها مضايق أكوتي و النواحي التي لا يعرف عنها المغاربة الكثير,إذ تقتصر زياراتها على بعض الرحلات المدرسية المعدودة على رؤوس الأصابع و التي لا يتمكن أغلبها من الوصول إلى هذه المضايق بسبب غياب طريق معبدة !!