المحافظون يفوزون بانتخابات ألمانيا.. واليمين المتطرف يحل ثانيا بنسبة قياسية    حريق يأتي على سيارة إسعاف وسيدة حامل تنجو بأعجوبة    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تفكيك شبكة للإتجار بالبشر في إسبانيا استغلت أكثر من ألف امرأة    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الوعي الديني في النهوض الحضاري


عبد الحكيم الصديقي

يستلزم قيام الحضارة توفر مجموعة من الشروط والعوامل لا يمكن بغيرها أن تتطور أو حتى ربما وجودها، منها ما هو بيولوجي، وجغرافي، واقتصادي، إلى جانب العوامل الثقافية والاجتماعية، وقد يؤدي فقدان أي عامل من هذه العوامل إلى تدهور وانحطاط الحضارة.

من جهة أخرى وضع العقل الغربي العديد من النظريات لتفسير قيام الحضارات أبرزها نظرية "التحدي والاستجابة" التي وضعها المؤرخ الشهير "أرلوند توينبي" والتي تتركز على التحديات الطبيعية والجغرافية التي وجدها الإنسان أمامه، وكانت استجابته أو رد فعله تجاه تلك التحديات قد خلقت الحضارات. وفسر توينبي قيام الحضارتين السومرية في وادي الرافدين والمصرية في وادي النيل بالجفاف الذي تعرضت له الصحراء الإفريقية الكبرى والصحاري الأسيوية بعد نهاية العصر الجليدي ما أدى إلى إجبار السكان على التحرك نحو سهول وادي الرافدين ووادي النيل وخلق الحضارات فيهما.

أما نظرية البيئة فقد أكدت على دور العامل الجغرافي في بناء الحضارة وشددت على أن الحضارات تقوم في المناطق المعتدلة واستبعدت المناطق المتجمدة والحارة.

وفسرت نظرية "المادية التاريخية" التي تبناها العديد من المفكرين أبرزهم "كارل ماركس" و "إنجلز" قيام الحضارات بالدافع الاقتصادي، وأن نتاج الحضارات البشرية من عادات وتقاليد وفنون ونظم يعود إلى العامل الاقتصادي وأنه وراء التغيرات الاجتماعية والحروب والهجرات وقيام الدول، وأن التناقض هو القوة الدافعة للتاريخ الطبيعي والإنساني بمعنى أن الصراع بين عاملين متناقضين قد أدى لتطور التاريخ الإنساني. وقسمت هذه النظرية التاريخ البشري إلى مراحل متعددة حسب النظام الاقتصادي السائد.

وهناك نظريات أخرى وضعت لتفسير قيام الحضارات منها النظرية العنصرية التي احتكرت قيام الحضارات على العنصر الأبيض.

وبتعميق النظر في هذه النظريات التي وضعها العقل الغربي لتفسير قيام الحضارات نجد أن عامل الوعي الديني والأخلاقي أو البعد الغيبي مغيب تماما، لذلك يمكننا أن نقول إن مما لا جدال فيه أن الحضارة الغربية المعاصرة أفسدت البيئة الكونية، لأن علاقاتها بالكون تأسست على فكرة الصراع والمغالبة دون استصحاب للقيم الأخلاقية فبرزت المشكلات المستجدة في العالم المعاصر من قبيل المشكلة البيئية، واستنفاد الموارد ومصادر الطاقة المخزونة، وتراكم النفايات، والتعاظم المتوالي لأسلحة الدمار الشامل والحروب المهلكة للحرث والنسل. وهذا الفساد هو نتيجة للسلوك الإنساني غير الراشد وغير الواعي بأهمية البعد الغيبي أو الوعي الديني كعامل أساسي في قيام ونهوض الحضارة وديمومتها، فتعاملت الحضارة الغربية المعاصرة مع عالم الشهادة، واقتصر علمها وقوانينها وتمثلاتها للوجود على المفاهيم الوضعية القائمة على الصراع، ولذلك فانفصال الحضارة الغربية عن الوعي الديني وتغييبها له وتحررها من سلطانه أفضى ويفضي بها ولابد إلى انحلال الأخلاق وانحطاطها، وقد استحالت الحياة في الغرب نتيجة لإبعاد الدين إلى عبثية، فتنامت على ساحتها مشكلات لا يرجى منها برء كانهيار الأسرة وانتشار المخدرات والزواج من ذات الجنس (اللواط)، وتفشي ظاهرة الانتحار وغيرها من الأعراض التي سارت تشكو منها المجتمعات الغربية. وفي ذلك يقول "كولن ولسن" في كتابه "سقوط الحضارة": (وكنت أنظر لحضارتنا نظرتي إلى شيء رخيص تافه باعتبار أنها تمثل انحطاط جميع المقاييس العقلية ... انعدام الجانب الروحي في حضارتنا المادية).

وعلى اختلاف وتناقض في التفسيرات التي تؤدي إلى القول بحتمية سقوط الحضارات، إلا أن معظم مذاهب التفسير الوضعي تجمع على القول بهذه الحتمية كما ذهب إلى ذلك كل من "كارل ماركس" و"شبنجلر" و"تونبي" وغيرهم.

وفي عصرنا الحاضر ونحن في مرحلة استحالة تكبيل العقول بالأفكار المعلبة، نتيجة الانفتاح الفضائي وتوسع وسائل الاتصال بالعالم، أصبحت من ثم مجتمعاتنا الإسلامية في حيرة من تعدد الخيارات العقلية، أو انجذابها إلى التيارات الفكرية المتكالبة على كسب أسواقها الجديدة، فظهرت أزمة حقيقية ساهمت بشكل مباشر في تدهور الحضارة الإسلامية، من أجل تلك الحيثيات أضحينا في أمس الحاجة إلى عودة الوعي الديني ليشكل وعيا جمعيا للمجتمع الإسلامي إلى جانب الوعي الحضاري من أجل النهوض والرقي بالحضارة الإسلامية من جديد والمضي بها إلى عالمية إسلامية ثانية.

ولذلك ومن أجل ذلك أعتقد أن الوعي الديني هو الخطوة الأولى واللبنة الأساس والعامل الأول في رقي وقيام الحضارة الإسلامية العالمية الثانية، لا في الطبيعة أو العلاقات والتفسيرات المادية التاريخية كما يتصوره البعض، فقد استخلف الله الإنسان في الأرض لأداء دوره الحضاري فيها، ومن ثم فإن أسباب رقي وتقدم المجتمع الإسلامي تعود بالأساس لوعي الإنسان نفسه ووعيه بماهية هذا الاستخلاف وطبيعته.

وتأسيسا على ما تقدم ذكره يمكننا القول إن المجتمع الإسلامي مرتبط بوثاق عقدي مشدود نحو الماضي برباط الوحي، وإذا قارناه بصورة الانشداد لدى الماديين النفعيين، لوجدناه دعوة للرجعية وتقديسا للتخلف، وقد يصح الأمر لو كان الحال في الديانات الأخرى المحرفة، أما بالنسبة إلى الإسلام فإن الوعي بمنظومة القيم الدينية والعمل بالشريعة الإسلامية، يحقق للمسلم تميزا فرديا وتقدما حضاريا ووعيا فكريا وثقافيا يؤهله إلى أداء دوره الاستخلافي في الأرض، وهي الخطوة الأولى التي لابد من التشديد عليها في سلم الأولويات النهضوية.

ولتقريب مسألة الوعي الديني إلى الأذهان وأهميته في النهوض بالحضارة الإسلامية أقول إن لكل حضارة روح وجسد كالإنسان تماما، فإن جسم الحضارة يتمثل في منجزاتها المادية من عمارات ومصانع وآلات وكل ما ينبئ عن رفاهية العيش ومتاع الحياة الدنيا وزينتها، أما روح الحضارة الإسلامية فهي مجموعة العقائد، والمفاهيم، والتقاليد، والآداب التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات، وعلاقة بعضهم ببعض، ونظرتهم إلى الدين، والحياة، والفرد، والمجتمع، والكون، والإنسان، ومن هذه الأشياء تتشكل خصائص الحضارة الإسلامية، وتتمثل في العديد من الخصائص منها: أنها حضارة إيمانية انبثقت من العقيدة الإسلامية، وأنها إنسانية النزعة، عالمية في آفاقها وإمداداتها، ولا ترتبط لا بإقليم جغرافي ولا جنس بشري، ولا مرحلة تاريخية بعينها، وأنها حضارة معطاءة أخذت واقتبست من الحضارات الأخرى، وأعطت للآخرين، وكذلك فإنها حضارة متوازنة وازنت بين الجانب الروحي والمادي في اعتدال هو طابع من طوابع الفكر الإسلامي، وأنها حضارة باقية بقاء الحياة على وجه الأرض، وتستمد هذا البقاء من الإسلام الذي قامت على أساس الوعي بمبادئه.

وختاما نؤكد على دور الوعي الديني وأنه العامل الأول والأساس في النهوض بالحضارة الإسلامية، ولا يمكن بحال من الأحوال استرداد مركز الصدارة الذي يجب أن تتبوأه الأمة الإسلامية إلا بنشر الوعي الديني على جميع أصعدتها ومستوياتها.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.