الملك محمد السادس يعزي ترامب    فتح معبر رفح بين غزة ومصر السبت    موثقة لعقود "إسكوبار الصحراء" وبعيوي ترتبك أمام محكمة الاستئناف    122 حالة إصابة بداء الحصبة بالسجون    الدورة السادسة للجنة المشتركة المغربية-اليمنية مناسبة للتأكيد على عمق العلاقات بين البلدين (بوريطة)    بوريطة يجدد التأكيد على الموقف الثابت للمملكة في دعمها لمجلس القيادة الرئاسي كسلطة شرعية في الجمهورية اليمنية    "الكاف" يكشف موعد قرعة ربع نهائي دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية    شبيبة الاتحاد الاشتراكي في فرنسا ترفض استمرار لشكر لولاية رابعة وتتهمه بتسليم الحزب ل"المفسدين"    يوعابد ل"برلمان.كوم": الحالة الجوية بالمملكة ستعرف تغيرات ملحوظة خلال الأيام المقبلة    مجلس شامي يدعو إلى تحديد المسؤوليات المشتركة في توصيف الجرائم السيبرانية لحماية الطفل    وفاة أسامة الخليفي "أيقونة 20 فبراير"    صابيري يعود إلى دوري السعودية    توقيع اتفاقيات بين المغرب واليمن    السكوري يرفض "الإضراب الفردي" ويتمسك بتوصيف "احتلال أماكن العمل"    انخفاض الرقم الاستدلالي لأسعار الإنتاج في قطاع الصناعات التحويلية خلال دجنبر 2024    جهود لفك العزلة في إقليم أزيلال    جثة سبعينية تستنفر سلطات زايو    ريال مدريد يواجه مانشستر سيتي    نزار بركة وزير التجهيز والماء يترأس أشغال المجلس الإداري لوكالة الحوض المائي للساقية الحمراء ووادي الذهب    باحثون روس يبتكرون دواء جديدا لعلاج سرطان الجلد بفعالية مضاعفة    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    خروج دنيا بطمة من سجن لوداية    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    استئناف الحسيمة تفتتح السنة القضائية 2025 وتستعرض حصيلة الإنجازات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ترمب يصر على تهجير سكان غزة رغم رفض مصر والأردن    المغرب يسجل 86.5 ألف مقاولة جديدة خلال 2024    "ديب سيك" الصينية في مواجهة قانونية تهدد علامتها التجارية في أميركا    شركة تركية عملاقة تؤسس فرعا بالمغرب لتعزيز تصميم وصناعة الدرونات العسكرية    دنيا بطمة تخرج من سجن الأوداية بعد انتهاء عقوبتها    بعد عام من الإعتقال .. دنيا بطمة تعانق الحرية    مشاركة وازنة للاعبات المغربيات إلى جانب نخبة من النجمات العالميات في الدورة ال 28 لكأس للا مريم للغولف    الكعبي : لا مستحيل في كرة القدم .. وهدفنا التتويج بالدوري الأوروبي    أخطاء كنجهلوها.. الطريقة الصحيحة لقيادة السيارة في أجواء البرد القارس (فيديو)    في سرية تامّة.. دنيا بطمة تغادر أسوار سجن الأوداية بمراكش    وفود تمثل كبريات الحواضر العربية ستحل بطنجة    المحكمة التجارية بالدار البيضاء تجدد الإذن باستمرار نشاط مصفاة "سامير"    لقجع رفض الطلب … تنافس ثلاثي على مهمة تدريب منتخب تونس    الرئيس الانتقالي في سوريا: نعمل على وحدة البلاد وتحقيق السلم الأهلي    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تحتج أمام البرلمان وفاء للشهيد محمد الضيف    أسعار النفط ترتفع إلى أزيد من 76 دولارا للبرميل    توقيف شخص بطنجة مبحوث عنه وطنيا متورط في قضايا سرقة واعتداء    توقعات بتصدير المغرب 90 ألف طن من الأفوكادو في 2025    التمرينات الرياضية قبل سن ال50 تعزز صحة الدماغ وتقلل من الزهايمر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الفلاحون في جهة طنجة تطوان الحسيمة يستبشرون بالتساقطات المطرية    اللجنة التأديبية الفرنسية تقرر إيقاف بنعطية 6 أشهر    الدولي المغربي حكيم زياش ينضم رسميا للدحيل القطري    العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في واشنطن    ارتفاع أسعار الذهب    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعاكسة
نشر في بوابة قصر السوق يوم 24 - 09 - 2012


صراع
نفش كل ديك ريشه ، وهزجناحيه ، ومد عنقه ، وفتح منقاره ... متأهبا للإنقضاض على أخيه / عدوه ، ليمنعه من الظفر بدودة تزحف على الأرض . لم يعبأ أي واحد منهما بحبات الدرة ، ولا بقطع الخبز ، وبقايا الطعام ... المتناثرة أمامهما ، فكل ذلك لا يساوي تلك الدودة ، خاصة إذا تمكن من الحيلولة دون وصول منقار أخيه إليها ، وحرمانه منها... ينقض على عنق أخيه ، يغرس فيه منقاره ، ولا يسحبه حتى يسيل دمه ويتطاير الريش معه ... تبادلا النقر والعض أرضا وسماء ، واقفين ، ومستلقيين على الأرض ، ومرتفعين في الهواء... وهما يتنقلان بين أرجاء الحضيرة ، والريش يتطاير منهما ، أحمر وقد بللته وخضبته الدماء التي تسيل من عنقيهما ... وبينما هما على تلك الحال كان الديك الرومي ينقر الطعام ويبتلع حبات الدرة ... وحيدا مطمئنا على مهل ، دون منازع أو منافس ينغص عليه عيشه أو يقتسم معه رزقه ...ومرة مرة ينفخ ريشه ، ويحوم حول الطعام راقصا رقصته المعروفة الدالة على البهحة والإطمئنان على الرزق ، وعدم الخوف عليه ... والدودة المتقاتل عليها تنسحب من ميدان القتال ، حتى غابت عنهما ...
إستمرا على تلك الحال حتى تعرى عنقاهما من الريش ، وملأت الدماء جسديهما ، وخارت قواهما ، ولم يعد أي واحد منهما يقوى على الوقوف ، فتمدد غير بعيد عن الآخر، وهو ينقل عينيه بين أخيه/عدوه والديك الرومي الذي ينقر الحبة تلو الحبة ... ولكنه لا يستطيع الوقوف أو الإقتراب من حبات الدرة ...

تناطح
تدافعا برأسيهما على حزمة البرسيم ، فكل واحد يريد أن يستفرد بأكلها ، ولا يقبل أن يتقاسمها معه أخوه ، كل واحد يسعى لإبعاد الآخر بقرنيه ليسيطر وحده على المدود ، ويظفر بالكلأ وحده ... إبتعدا عن المدود متراجعين ، وقد ركز كل منهما عينيه في عيني أخيه ، وصوب قرنيه تجاهه ، وجمع قواه ... لينطلق بعد ذلك بسرعة فائقة تحمل معها قوة النطح والدفع والإيقاع بأخيه/عدوه ... تتالى التراجع والإنطلاق والنطح ، ولم يعد يسمع إلا صوت القرون والرؤوس تتناطح ... فكل واحد من الخروفين يريد إثبات قوته ، ويساير نزوته في السيطرة على المدود والإستفراد به... ولو كلفه ذلك فقدان قرنيه ... بل إن كل خروف منهما يود القضاء على أخيه حتى لا ينافسه ، ولا يضيق عليه عيشه ...
تبادلا النطح طويلا حتى انكسرت القرون وسالت الدماء وضعفت القوى... فانزوى كل واحد منهما في زاوية من زوايا الحضيرة ، وهو ينظر إلى أخيه/عدوه وهو يلهث ، دون أن يقوى على الإقتراب من المدود ، فقد سيطر عليه الثور ، وأشرف على إتمام ما به من برسيم ...
بصقة إبليس
وشى بينهما ومشى بالنميمة ، ووسوس إلى كل واحد منهما ، مستغلا صغرهما ، واندفاعهما ، وقلة تجربتهما ...
إستشاط كل واحد منهما غضبا وحنقا ورغبة في الإنقضاض على الآخر والقضاء عليه ...
قربهما ، وقابلهما وجها لوجه ، كأنهما ملاكمان على حلبة الملاكمة ، وباقي الأطفال محلقون حولهما ، ينظرون إليهما بحماس وشوق لمشاهدة مقابلة تجمع بين الملاكمة والمصارعة ... مجانا ، على حساب طفلين غرين قليلي التجربة ... توجه إلى عمربالسؤال :
هل تستطيع غلبة زيد ، والقضاء عليه ؟
نعم ، رد عمر بحماس واندفاع ، وسأمرغه في التراب ، وأمسح به الأرض .
"بزاف عليك" صاح زيد منتفضا ، متأهبا للإنقضاض على عمر ... لإثبات أن الغلبة له ...
تيقن من أنه نجح في إذكاء فتيل المعركة بينهما ، وأن حماس كل واحد منهما ، واندفاعه نحو المعركة قد زاد عن حده ... ولم يبق له إلا إعطاء إشارة الإنطلاق ، لينهال كل واحد على الآخر ضربا ... أخذ حجرا صغيرا وبصق عليه ، ثم ألقاه بينهما على الأرض وهو يقول : الذي يأخذ هذا الحجر ويمسحه في الآخر هو الغالب... إنقضا جميعا على الحجر ، وكل واحد منهما يريد أن يكون هو السباق لتناول الحجر ، ومسحه بثياب الآخر ، وكان ذلك بمثابة صافرة انطلاق المبارزة بين المسكينين ، فبدأ تبادل الضرب والركل والصفع ... دون هوادة ، وهو وباقي الأطفال يتفرجون ، ويشجعون ، ويصفقون ، ويصفرون مبتهجين بمشاهدة مقابلة تجمع جميع أنواع رياضات فنون الحرب والدفاع عن النفس ... بدون قوانين منظمة ولا ضوابط ضابطة ...
نال كل واحد منهما من الآخر ، إرتفعت درجة حرارتهما ، وسال العرق منهما دون انقطاع ، خدش وجهاهما ، وسالت منهما الدماء ، و"رعف " الواحد منهما الآخر ، وامتلأت ثيابهما دماء وأتربة ، ومنها ما تمزق ... من شدة رغبة كل واحد منهما في "افتراس" الآخر ، وإثبات قوته وقدرته على الغلبة ... وإبليس ذاك صاحب البصقة يزيد من إذكاء حماسهما ...حتى أفرغ كل واحد ما به من قوة وجهد ، ولم يعد يستطيع أن يدنو من الآخر ، ليتراجع رغما عنه ، وهو يتوعد خصمه بالقضاء عليه في معركة أخرى ...

المعاكسة
استدعى عمرا وزيدا لتحليل وتفسير وتأويل حلم من أحلامه المرعبة التي رآها ، وتمنى لو يعرف معناها ومغزاها ... ممن يراه كفؤا لذلك مختصا في ذلك ... بعد أن حاول تفسيرها ،هو ، والتنبأ بما ستحمله في ما سيأتي من الأيام من خير أو شر ، من يمن وسعادة ، أو شؤم وتعاسة ، مستعينا بكتب تفسير الأحلام ، ومرموزات كل الأشياء المرئية في الأحلام ، وألغازها ...
بدأ يقص حلمه عليهما أمام الملأ : رأيت ، خيرا وسلاما إن شاء الله ، أني أحمل معولا في فمي ... وقد استفسرت العديد من الناس ، فكان منهم من بشرني بأنه رؤيى خير وسعادة في المستقبل ... ومنهم من فسر ه على أنه حلم سيئ الطالع ينم عن تعاسة قادمة ...
لم يكد يتم كلامه حتى بدأ كل واحد منهما في الحديث عن الحلم والرؤيى ... إرتفع صوتاهما ، وتعالى ضجيجهما ، ولم يعد الناس الحاضرون المتتبعون من أجل الإستفادة يسمعون إلا صياحا ، ولا يميزون بين ما يقوله زيد ولا ما ينطق به عمر . حاول إسكاتهما لتنظيم الحديث بينهما . لا أحد يسكت ، لا أحد ينصت له ولا للآخر ، علا صراخه هو كذلك طالبا منهما الصمت وتنظيم الحوار ... بالكاد استطاع اسكاتهما . قرر أن يقسم الوقت بينهما بالتساوي ، على ألا يقاطع الواحد منهما الآخر أثناء حديثه ... :
ليتحدث المتدخل منكما كذا دقائق ، حتى يبدي رأيه ... لنبدأ بزيد إذن ( قال )
إنتفض عمر ، وقام من مكانه محتجا : أنت قاسم غير عادل وغير ديموقراطي ، وأنت تميل إلى زيد ، عليك أن تبقى محايدا ... لماذا أعطيته أسبقية التدخل ؟ لماذا لا نلجأ إلى القرعة لتحديد من سيبدأ الحديث .
يا أخي ليس في الأمر مشكل ، أن يبدأ هو أو تبدأ أنت فلا فرق ولا ضير .
لا يا سيدي لا بد من القرعة ، إذا كنا فعلا ديموقراطيين كما ندعي ...
أجريت القرعة ، فأسفرت عن البدء بعمر .
لم يقبل زيد هذه النتيجة ، رفض فسح المجال لزيد من أجل البداية بدعوى أن الكلمة أعطيت له في البداية ، ولا داعي إذن لإجراء القرعة ...
حار في أمره ، ماذا سيفعل ؟ حاول إقناع زيد بالإنصياع للقرعة ، وعدم تضييع الوقت ، إستعطفه ، توسل إليه ... كان له ما أراد .
بدأ عمر بالكلام قائلا :
ضيفك هذا يا سيدي ليست له علاقة بالأحلام ، ولا يعرف معنى الأحلام ، لأنه ببساطة لايحلم ، فكيف لمن لايحلم أن يكون مفسرا للأحلام ، أومحللا لها ، عارفا بمعانيها ، وألغازها ، وما تنطوي عليه من خير أو شر استقبالا ... فهو إذن لا يستحق كلمة خبير هذه ، هو فقط مجرد متطفل ...
دعنا يا أخي من هذا الكلام ، لا نريد تجريحا ... ادخل في صلب الموضوع...
قاطعه زيد مخاطبا عمر : أنت الذي تحلم بأن تكون خبيرا في تفسير الأحلام ، لأنك كثير النوم و الحلم ، لا تستيقظ أبدا من نومك ، وتعيش سباتا دائما ، والأحلام لا تفارقك وأنت لا تفارقها ، وحتى عند استفاقتك تعيش أحلام اليقظة ، وأنت تعاني تضخما في الأحلام ، حتى أنك لا تستطيع التمييز بين الحلم والواقع ، ولا تستطيع تحقيق أحلامك لأنك دائم النوم ، ونادرا ما تستيقظ ، وهذه صور لك وأنت تغط في نومك ، والناس من حولك مستيقظون يقظون ...
قام عمر من مكانه ، وانقض على عنق زيد بيده اليسرى ، بينما يده اليمنى تمتد إلى الصور لتنزعها من يد زيد ، فما كان من هذا الأخير إلا أن أحكم مسك الصور بيد وعنق عمر باليد الأخرى ... تمزقت الصوربين يديهما وشوهت ... وانسحب الحاضرون دون فائدة تذكرفي ما حضروا من أجله ، وفي أذهانهم تلك الصور المشوهة نتيجة المعاكسة ...

م ع الرحمن الهاشمي علوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.