هكذا، وفي مشهد جنائزي تكون الشوارع حبلى بالأمهات الرضع، وعلى وجوههن الثمة، مكممات باحتشام لسبب أو لآخر، علامات عدم الرضى والسخط على الواقع ، والصغار هنا وهناك، ثارة يلعبون مرحين، وثارة يتجمعون أمام متجر فلان أو علان في انتظار عطايا التاجر السنوية التي اعتاد الكثرون تسميتها زكاة المال حسب شرع الله، متحلقون حوله أو مصطفون أمام أبواب دكانه الموصدة في مشهد كربلائي يوحي بالحاجة وقلة ذات اليد. فلول من نساء مجهولات الهوية يفدن على تنجداد وكأنها مزار حسيني في ظاهره، بلباس أسود وخلف نقاب تختبأ عيون تتحرش المارة وكأن لسان حالها يقول نحن هنا نريد عطايا التاجر المبجل، أو الحاج الميسور.. تتسرب اشاعة وسطهن بأن أحد كبار التجار قد فتح دكانه وأن كرنفال التوزيع قد بدأ، فتراهن مسرعات لا يبالين بالوحل وجلهن ينتعلن أحذية مقطعة، وكأنك في حمى كليب أو في صحراء نجد أو تهامة. طوابير مصطفة من الرجال يمينا ويسارا في انتظار رحمة تأتي حسب الترتيب المعتاد في مثل هذه المناسبات ، وفجأة يلوح التاجر المبجل بين اثنين " من عماله على الخراج " وهو يتوسطهم بلحية يبدو عليها الاهمال ، وجلباب أبيض متواضع ، تراه ينظر الى الجموع وكأنه يخفي الكثير من ملامح المكر، بقدر ما يبدي سمات التواضع المفبرك والرحمة بالناس البسطاء..عمت الفوضى، وبدأ الجميع يهتف باسم التاجر طلبا للأولوية ، فما كان به إلا أن عاد أدراجه ليختفي عن الأنظار ويتكلف معاونوه بتنظيم هذا الجمع الكربلائي . أغلقت أبواب معظم الدكاكين بالمدينة ، حتى أن الزائر العادي يخال المفتشين هم من كانوا السبب لاخلاء الناس كما يفعلون تهربا من الضرائب .. لتترك المدينة خاوية على عروشها الا من هؤلاء الغرباء عن "الوطن وعن الحق في العيش الكريم" ، وفي غياب تام للجهات المعنية التي طالما فضلت أسلوب النعامة في التعاطي مع هموم الفئات الهشة . قطاع آخر من القطاعات غير المهيكلة وأس من أسس الاقتصاد الاسلامي، اذا ماتم التعامل معه وفق ما ينص عليه الدين سيشكل رافعة أساسية من رافعات التنمية المستدامة والمندمجة، فهل ترانا أمام تفكك عناصر التكافل الاجتماعي وفق المنظور الاسلامي، لتظل الزكاة خارج معادلة من يهمه الأمرعلى مستوى تدبير شؤون البلاد والعباد؟؟....