نص لجيل نريده أن يكون نقيا مختلفا أي بني: خططت كثيرا أنا وأبوك، أقصد خططنا لحياتك، ماذا ينبغي أن تفعل؟ ماذا ينبغي أن تدرس؟ ماذا ينبغي أن تكون في مستقبلك؟ كان رأي أبيك أننا لا ينبغي أن نشعرك بذلك ولكن نهيء لك حياتك دون أن تحس لتقودك إلى ما نحب. هل كنا نصنع لك حرية وهمية؟ هل كنا نهيء لك طريقا وهميا تسعد بالسير فيه فيما نحن نركض أمامك لنفرشه كما نريد؟ لكنك كنت تفعل مابوسعك لتسير في غير الطريق الذي رسمناه لك، أكنت تنصت لأعماقنا وتفضح تآمرنا الحنون؟ اليوم أنت تفعل مالم نكن نتصوره، ودرست مالم نحبه معا أنا وأبوك،وها أنت صورة مختلفة تمتما لما خططناه. عرفت يابني كيف تدخل لبيتنا ابنا جديدا أنجبته أنت منا؟ أي بني: مثلت أمك دور الزوجة السعيدة، ومثلت دور المرأة المتفهمة التي تمتص كل الصدمات، ومثلت دور المرأة التي لاتغضب ومثلت ومثلت وامتصت كثيرا يابني،صارت أمك يابني بعد كل هذه السنين إسفنجة كبيرة. إذا كنت مصرا على أن تعصر تلك الإسفنجة فأعد نفسك لترى كثيرا من الأوساخ التي ترشح، أوساخ الحياة التي كنت أحضنها لتحبوها كما تشتهون.
أي بني: عاش أبوك وهو يعتقد أنه أفضل الرجال، في كل ليلة كانت هناك امرأة تفرش جسدها لخيله، خيل أبيك لم تكن كما تشتهي المعركة ، لكن الأرض أرض أمك كانت تهتز وتثير في اهتزازها كثيرا من الغبار ، غبار كان يطرب أباك ويقدح نار نخوته. حين ينام أبوك كان الغبار يتكشف عن أرض باردة صلبة تنز دمعا صامتا، الدمع الصامت يحرق يابني. لعلك يابني واحد من ذلك الدمع الحزين الصامت. أي بني: في مسافة ما في طريقك لن تجدنا ستخلفنا وراءك، وستسحبك يد الحياة لتمضي معها في الطريق، ستظل لوقت تلتفت إلينا ثم سينتهي كل شيء ونتبخر في سماء ذاكرتك. لاتقتل نفسك تأنيبا مافعلته فعلناه أيضا أنا وأبوك، كان ينبغي أن تتبخر أسماء في سماء ذاكرتنا وتنجلي ليتكشف اسمك. أي بني: حين اختلفنا في اختيار اسمك، ثم فيما بعد اتفقنا، لم نكن نعلم أنك ستكره كثيرا الاسم الذي اتفقنا عليه، أكنت تعرف أن أمك تراجعت كي يمد أبوك رجليه، أحب أبوك أن تحمل اسم أبيه، وأحببت أن اسميك اسما جميلا خفيفا، ولأن أباك مد رجليه كثيرا حتى كدت أسقط بعيدا عنك فقد قلت له إن اسم أبيه جميل وخفيف. لاتكن قاسيا يا بني على أبيك، أبوك لم يقصد أن يدفعني ، كانت رجلا جدك تدفعانه أكثر من اللازم. أي بني: ماذا تعرف عن أمك سوى ما أحبت أمك أن تعرف عنها؟ وماذا بالمثل تعرف عن أبيك؟ أتعرف أن أمك كانت لا تحب شبهك بأبيك، وكانت تحفر فيك عميقا لتطل هناك، وكانت تود لو ترى وجهها فيك، كانت أمك تود لو كنت شاهدا علينا معا، فيك ما فيك من أبيك وفيك مافيك من أمك. أمك الآن تعترف أنها كانت تفضل أن تراك مرآة يكسرها ثقل وجهين مختلفين، هي التي أدركت أخيرا أنك لم تكن مرآة لأي من الوجهين، حملت وجه أبيك، لكنك صنعت له تاريخا آخر وسيرة جديدة.أمك التي تعرفت في وجهك على وجه جديد لأبيك تتمنى لو تلتقي رجل يشبه أباك الذي اخترعته في وجهك. أي بني: أنت تحب امرأة أخرى غير أمك، وأمك تقول :لن تحبك امرأة مثلما تحبك هي، أسمعتك كثيرا من الكلام، ثم صرت تتحاشى الحديث عن حبك لها وكأنه صار إعلان كره لي، وكلما تسلق لبلاب روحك سور أمك وأطل هناك عليها، كان الذنب يتلبسك، وصرت كأنك تهديني يوما تقضيه بعيدا عنها، كأنك فطنت إلى أن أمك صارت تسعد بألا تسعد من تسكن قلبك. عمر علوي ناسنا